بادرت السلطات في الجزائر منذ أيام قليلة إلى إقامة خط من الأسلاك الشائكة على طول الحدود البرية الغربية على تراب ولاية تلمسان، بداية من مدخل مدينة مرسى بن مهيدي الساحلية على بعد 120 كلم من عاصمة الولاية، حيث تحوّلت نقطة التماس عند وادي كيس أين اعتاد المصطافون الجزائريون والمغاربة التوقف لأخذ الصور التذكارية وتبادل التحايا والسلام بمدخل مدينة السعيدية المغربية ومرسى بن مهيدي الجزائرية، إلى ما يشبه المحتشد. "الخبر" زارت المكان وجسّت نبض الاحتقان لدى شباب أصبح يطالب ببدائل لمرحلة ما بعد التهريب في حين اعتبر والي تلمسان في لقاء ب"الخبر" أن الدولة أنفقت 1700 مليار منذ سنة 1999 وأن مستقبل الحدود واعد شريطة تضامن أبنائه ومساهمتهم في خلق الثروة بالمنطقة متاريس وغضب في الطريق إلى مرسى بن مهيدي في ظهيرة يوم شتوي ماطر، كانت وجهتنا مدينة مرسى بن مهيدي، مدينة تكاد تنسى من الذكر شتاءا وخريفا بعد انقضاء موسم الاصطياف، لولا تلك الصور التي تبادلها وتناقلها نشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، تظهر الوجه الجديد لمدخل مدينة "بورساي"، ليست صورا لفنادق وقرى سياحية، ولا صورا للاستثمارات ومنشآت جديدة ستستقبل المصطافين من عشاق المدينة في موسم الاصطياف القادم، بل صور لأسلاك شائكة، يتخيل من يراها لأوّل وهلة أنها مدخل لمنطقة عسكرية محرّمة. وفي تنقلنا إلى عين المكان عبر الطريق الوطني رقم 7 مابين مغنية ومرسى بن مهيدي، فضلنا اختيار الطريق القديم بدل الطريق المزدوج لتقصي أحوال قرى الشريط الحدودي من مغاغة إلى السواني وسيدي بوجنان. وبالقرب من مقر بلدية السواني الحدودية بدت لنا الحركة مريبة، كان عشرات الشباب ينتشرون على الطريق، وشرع بعضهم في وضع المتاريس والعجلات وأغصان الأشجار، فهمنا بسرعة أنّه احتجاج شعبي، وصلنا في توقيت مناسب من أجل الاستماع إلى انشغالات المحتجين، كانت أصوات الشباب تتعالى " أغلقوا الطريق لن يمر أحد"، " نريد حضور الوالي.."، كان لابد من التوقف والاستماع إلى ممثلي المحتجين.
عندها بدأ يتحلّق حولنا عشرات الشباب وبدأ كل واحد يسرد أسباب الاحتجاج، بادر أحدهم "لقد مللنا المطاردات والدوريات التي تجعلنا جميعا في سلة التهريب والمهربين، البارحة لاحقت دورية من الشرطة سيارة قالوا أنها مشبوهة إلى داخل النسيج العمراني لبلدية السواني وقريبا من المدرسة الابتدائية وقع إطلاق نار كثيف بعد صلاة العشاء، إطلاق نار أرعب سكان البلدة ...." وقال شاب كان يرتدي قشابية شتوية "ياصاحبي حنا ماجينا جزائريين ما جينا مغاربة.. والله رانا محقورين، شخصيا جربت الحرقة سنة 2001 غادرت البلاد وهاجرت بطريقة غير شرعية ورجعت من أجل الوالدين ولكن شوف .. رانا محقورين المخزن كان سباقا للأسلاك الشائكة ومنظر يسيء إلى سمعة مدينة سياحية، من مدينة مليونية يسكنها الصخب والضجيج صيفا، تتحول مرسى بن مهيدي أو "بورساي "، إلى مدينة أشباح شتاء، وزاد وحشتها وغربتها الشتوية خط الأسلاك الشائكة الذي شرع في بنائه دعما لمنشأة الخندق، توقفنا بمدخل مدينة مرسى بن مهيدي عند منطقة بلجراف أو وادي كيس كانت الأمطار تنزل بغزارة ،توغلنا نحو المدينة الغارقة في سبات شتوي، نبحث عن صدى الأسلاك الشائكة.
شوارع المدينة بدت حزينة، الفنادق والمحلات مغلقة، حتى المقاهي بدت مهجورة، الشاب عبد القادر بعديد، منتخب سابق في المجلس الولائي، ناشط جمعوي من سكان المدينة، التقيناه في أحد المقاهي وسألناه عن واقع الناس في الحدود وفي مرسى بن مهيدي، فقال " بخصوص الأسلاك الشائكة نظام المخزن هو الذي بدأ، ورغم ذالك المخدرات تستمر في التدفق من الضفة الأخرى نحو الجزائر، منذ أشهر أحبطت مصالح الأمن عملية تهريب قنطار من المخدرات قريبا من منطقة بلجراف كانت مهربة من المغرب، من حقنا تأمين حدودنا وإحكام إغلاقها هذا لا نقاش فيه، لكن أين البدائل؟ منذ سنوات ونحن ننادي ببدائل تنموية لتنشيط المنطقة الحدودية تجاريا واقتصاديا، أنظر المقهى فارغة، الشاب الذي كان يجني 20 ألف دينار يوميا من مداخيل تهريب الوقود وحتى في تجارة الفاكهة والخضروات والتبغ وبعض المواد الغذائية من وإلى المغرب، لا يجد اليوم ما يدفع به قيمة فنجان قهوة. رأي والي تلمسان خصّ علي بن يعيش والي تلمسان "الخبر" بلقاء صحفي رافع فيه مسؤول الجهاز التنفيذي لصالح السلطات العمومية وما بذلته الدولة منذ 1999 لتنمية المنطقة الحدودية الغربية للبلاد كواجهة برية وبحرية بأبعاد متعددة تتجاوز الطابع الاجتماعي والاقتصادي إلى البعد الأمني الاستراتيجي، "منذ سنة 1999 أنفقت الحكومة الجزائرية أكثر من 1700 مليار سنتيم في مختلف القطاعات ومختلف المشاريع لفائدة سكان سبع بلديات حدودية، وليس غريبا إذا قلت لكم أنّ أوّل خرجاتي الميدانية منذ تعييني على رأس ولاية تلمسان كانت إلى مدن مغنية ومرسى بن مهيدي وبني بوسعيد". سألنا الوالي، وماذا عن المستقبل وعن الاحتقان بقرى الشريط الحدودي؟ ليجيب وهو يتصفح أرقاما وملفات وضعت على مكتبه "سنة 2018 بدأناها مبكرا في ولاية تلمسان والانجازات ستكون في الميدان في الحدود وفي غيرها من المناطق فعلى مستوى صندوق الضمان والتضامن بين الجماعات المحلية استفادت الولاية من 400 مليار وهي سابقة في تاريخ الولاية إضافة إلى 280 مليار في إطار المخطط البلدي للتنمية، إضافة إلى إعادة التقييم المالي لبعض المشاريع القطاعية، وسيكون للبلديات الحدودية نصيب مهم من هذه المشاريع، دون أن ننسى 5300 إعانة لإنجاز السكنات الريفية. " وعن المشاريع الكبرى في مجالات الاستثمار الصناعي والفلاحي والسياحي ،وهي القطاعات التي يراهن عليها في خلق الثروة، ومناصب الشغل قال والي تلمسان " إن مستقبل المنطقة الحدودية سيكون مشرقا بعيدا عن التهريب وعن الأنشطة المشبوهة ففي مجال الاستثمار السياحي لدينا 50 مشروعا لإنجاز فنادق ومرافق سياحية، مشاريع ليست على الورق، إنها تنجز في الميدان وأغلبها في المنطقة الساحلية الحدودية ". في سياق متصل أضاف علي بن يعيش "عرض علينا مستثمران جادان مشروعين لتركيب السيارات واحد خاص بسيارات "فطون" بمغنية وأخر بماركة " كيا" في العريشة وهي منطقة حدودية أيضا." وعن خط الأسلاك الشائكة الذي أنجز بمدخل مدينة مرسى بن مهيدي وخلف ردود أفعال وتعاليق متباينة لدى سكان المنطقة ولدى رواد الشبكات الاجتماعية ،قال الوالي " أمن البلد لا يقدر بثمن ونحن نعمل مع الجهات المختصة لتأمين ترابنا الوطني بكل الطرق ،لكن أوافقكم الرأي في طريقة إنجاز الأسلاك الشائكة بمدخل مدينة نراهن عليها في بعث حركية سياحية على طول السنة وليس في موسم الاصطياف فقط، وسنبحث مع مختصين شكل وطريقة تعويض هذه الأسلاك بمقترحات فيها فعالية وفيها لمسات فنية وجمالية "