تحدث تقرير لوكالة الأناضول التركية من واشنطن، عن أسباب الفشل الأمريكي في منع انتشار تجارة السلاح، وقال التقرير لكاتبه "حسين عبد الحسين"، إنه من المثير للحيرة كيف أن حكومة لديها الاستعداد أن تطوف الأرض من شرقها إلى غربها للانتقام لقتل أي من مواطنيها، تظل ساكنة وتكتفي ب "الدعاء والصلوات" بأن تتوقف المجازر المحلية باستخدام السلاح يوما ما. القادة الأمريكيون، الذين وعدوا بشن حملة صارمة ضد الإرهاب وتنظيم "داعش"، ويستخدمون التكنولوجيا العسكرية الحصرية لضرب الإرهابيين في أي مكان على الأرض .. هم أنفسهم أولئك الأشخاص الذين تحتبس الكلمات في صدورهم عندما يٌقتل أطفال المدارس الأمريكية، وكأنهم مجرد دمى يتم التدرب عليهم في إطلاق النار. هذا التناقض في الموقف الأمريكي بين محاربة الإرهاب في الخارج وعدم القيام بأي شيء تجاه المذابح المحلية يفسر كل ما تحتاج إلى معرفته عن الفشل الأخلاقي لعدد من الرؤساء الأمريكيين والمشرعين وقادة الرأي. وحتى الآن، هذا التناقض والفشل الأخلاقي لهما سبب واحد ألا وهو: الجمعية الوطنية للأسلحة النارية " NRA" (منظمة غير ربحية أمريكية تدافع عن حقوق حمل السلاح في الولاياتالمتحدة للدفاع عن النفس تأسست عام 1871 وتعرف بتأثيرها الفعلي المشرعين في الكونغرس للحيلولة دون صدور أي تشريعات لحظر بيع السلاح بين المواطنين الأمريكيين). يبدو أن هذه الجمعية تتمتع بقوة ضغط هائلة في الداخل حتى أن السياسيين لم يستطيعوا حتى التظاهر بإدانة العنف بنيران الأسلحة، بل إنهم ببساطة يصلّون ويعقدون حلقات نقاشية حول كيفية تنظيم السلاح بعد كل مذبحة يرتكبها صبي أبيض. ولكن عندما لا يكون القاتل أبيض البشرة، أو عندما ينحدر من عائلة أمريكية من أصل إفريقي، فإن أبواب الجحيم تُفتح على مصراعيها، حيث يتغلب العديد من السياسيين الأمريكيين بسرعة على الحزن، ويتوعدون فورا بالانتقام من الهجوم، وذلك من خلال قصف بلد ما إلى أجل غير مسمى، وحظر السفر من بلدان أخرى، أو حتى المطالبة بتغيير النصوص المقدسة للإسلام وجعلها "أكثر سلاما". وكانت نتائج السياسات غير الأخلاقية للجمعية الوطنية للأسلحة النارية واضحة، فبين عامي 2005 و2015، بلغ عدد الأمريكيين الذين قتلوا بسبب العنف المسلح أكثر من 280 ألفا، وفقا لموقع "بوليتيفاكت"(معني بتقصي الحقائق). فيما بلغ عدد الأمريكيين الذين قتلوا بسبب الإرهاب في نفس الفترة 24 قتيلاً. ويظهر هذا النفاق الأخلاقي أيضا في ما تشير إليه تقارير محلية أخرى بأنه خلال الفترة من سبتمبر 2001 و31 ديسمبر 2016، وقع 47 بالمائة من الهجمات الإرهابية على الأراضي الأمريكية على أيدي متطرفين يمينيين بيض، مقابل 53 بالمائة من قبل متطرفين إسلاميين. وخلال الفترة نفسها، بلغ عدد الهجمات التي نفذها متطرفون أمريكيون بيض 62 هجوما، مقابل 23 هجوما من جانب المتطرفين الإسلاميين. فشل استخباراتي واعتباراً من سبتمبر 2001، (بعد هجمات 11 سبتمبر) تنفق واشنطن مليارات الدولارات على رصد ومراقبة الأمريكيين المسلمين تحديداً، بشكل أوسع بكثير من مراقبة المجموعات الأخرى من السكان. ووعد الرئيس دونالد ترامب بإنشاء قاعدة بيانات للمسلمين في الولاياتالمتحدة، قائلاً إن " المسلمين يعرفون بعضهم البعض بشكل جيد، وأن المسلمين الطيبين يمكن أن يبلغوا عن الآخرين السيئين .. قُضي الأمر". وفي كتابه المعنون "الاستخبارات ذات أهمية"، قال السناتور الديمقراطي السابق بوب غراهام إن "مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تلقى تحذيرات حول الطلاب العرب الذين كانوا يستعدون لهجمات 11 سبتمبر ". وحصل مكتب التحقيقات الفيدرالي على معلومات من إمام مسجد، وكان الفشل في التصرف بناء على هذا النوع من المعلومات الاستخباراتية واحدا من أكبر جوانب فشل الأجهزة الأمنية الأمريكية التي أدت إلى تلك الهجمات. وقد أظهر جميع مرتكبي العنف تقريبا في المدارس الأمريكية دلائل تشير إلى نواياهم على ارتكاب المذابح. ومع ذلك، نادرا ما تبدو وكالات الأمن الأمريكية مهتمة، أو ربما لا تحصل على الضوء الأخضر السياسي، بمراقبة المجتمعات البيضاء من أجل استباق مثل هذه الهجمات. إن اليقظة الأمريكية إزاء الإرهاب جديرة بالثناء وأنقذت حياة الأمريكيين، ولكن لا يزال من غير المعقول تفسير سبب فشل وكالات الأمن الأمريكية في إظهار براعة مماثلة في رصد واستباق العنف من قبل الأمريكيين غير المسلمين. صحيح أن الأمريكيين غير المسلمين لا تتردد أسمائهم كثيرا كما يتردد أسماء مسلمين من أمثال "نضال حسن" (طبيب نفسي سابق بالجيش الأمريكي قتل 13 جنديا بالرصاص بقاعدة أمريكية في تكساس عام 2009، وحكم عليه بالإعدام لاحقا)، أو "عمر متين" (أمريكي من أصل أفغاني قتل 49 شخصا وأصاب 53 في هجوم مسلح على نادي للمثليين جنسيا في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا عام 2016). إلا أن هذا لا يعني أن مجازر "آدم لانزا" و"نيكولاس كروز" كانت أقل فظاعة. وقتل "لانزا" 27 شخصا بينهم 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين 5 و7 سنوات، عندما فتح النار على مدرسة في ولاية كونيتيكت (شمال شرق) عام 2012، فيما هاجم "كروز" في 14 فيفري الجاري، مدرسته الثانوية السابقة مستخدما بندقية (إيه آر 15)، فقتل 17 شخصا على الأقل. وبينما نسبت جرائم نضال وعمر إلى مجتمعهما ودينهما، لم يتم ربط جرائم آدم ونيكولاس بمجتمعاتهما الأصلية أو بعقيدتهما. على هذا النحو، وُصف نضال وعمر بأنهما إرهابيين، وهذا الإرهاب تنفق عليه أمريكا تريليونات من الدولارات في القتال، في حين تم تصنيف آدم ونيكولاس على أنهما أصحاب مرض عقلي، ولا تنفق عليه أمريكا سوى الصلوات. العنف هو العنف، سواء ارتكبه أمريكيون من المجتمع المسلم أو الأمريكيين البيض .. فيجب النظر إليه من نفس الزاوية، وبالتالي يتعين على الحكومة الأمريكية أن تكرس اهتماما وموارد مماثلة لمكافحة هذا وذاك. لقد أبدت الولاياتالمتحدة عزما جديرا بالثناء في حماية مواطنيها من الإرهاب، مقابل تراخ لا يمكن تفسيره في مواجهة القتلة، حال ثبت أنهم ينحدرون من المجتمعات البيضاء. هذا التفاوت لا يؤثر فقط على الأمريكيين المسلمين، ولكن أيضا على الأمريكيين من خلفيات غير بيضاء أخرى، لدرجة أن أحد الأمريكيين اقترح أن تقوم المنظمات المناهضة لحمل السلاح بتمويل تسليح كل أمريكي من أصل إفريقي من أجل إرغام الكونغرس (مجلسي الشيوخ والنواب) على تنظيم حيازة السلاح بين مجتمع الأمريكيين البيض. وقد اجتاز تعامل الكونغرس الأمريكي مع مختلف جوانب العنف جميع خطوط النفاق، حيث أنه حريص كل الحرص على مراقبة غير البيض في أمريكا، في حين يرفض السيطرة على ملكية السلاح في "أمريكا البيضاء". وقد خلق هذا نوعين من الأمريكيين أحدهما يخضع للمراقبة، والآخر بمعزل عنها، بينما للأسف تزهق الأرواح على أيدي كلا النوعين.