روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”ما من مؤمن إلّا وأنا أولى النّاس به في الدّنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، فأيُّما مؤمن ترك مالًا فليرثه عَصَبَتُه مَن كانوا، فإن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا، فليأتني فأنا مولاه”. إنّ من عقيدتنا نحن أهل السنّة والجماعة أنّنا نتولّى أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فهم أمّهاتنا، نحترمهنّ، ونوقرهنّ، ونعظّمهنّ، ونؤمن بأنّهنّ أزواج الحبيب محمّد في الآخرة، فنحن نتولاهنّ بالنُّصرة والدفاع عنهنّ، واعتقاد أنّهنّ أفضل أزواج أهل الأرض؛ لأنّهنّ زوجات الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ، إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}، فأثبت ربّنا الزّوجية لهنّ بعد دخول الجنّة، وهذا يدل على أنّ زوجة الإنسان في الدّنيا تكون زوجته في الآخرة إذا كانَا من أهل الجنّة. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ”فإنهن أي: أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الجنّة، في منازل رسول الله في أعلى عليين، فوق منازل جميع الخلائق، في الوسيلة الّتي هي أقرب منازل الجنّة إلى العرش، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أُرِيتُكِ في المنام مرّتين، أرى أنك في سَرَقَةٍ (قطعة) من حرير، ويقول: هذه امرأتك، فأكشف عنها، فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه”. ويقول الحافظ ابن كثير أيضًا وهو يبيّن معنى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً، وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، فَإِنَّ الله أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}، قال: «ومن فضائلهنّ أن الله تعالى أمر رسوله أن يخير نساءه بين أن يفارقهنّ فيذهبن إلى غيره ممّن يحصل لهنّ من عنده الحياة الدّنيا وزينتها، وبين الصّبر على ما عنده من ضيق الحال، ولهنّ عند الله في ذلك الثّواب الجزيل، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله لهنّ بعد ذلك بين خير الدّنيا وسعادة الآخرة». ومنها ما ذكره الله تعالى بقوله: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لله وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}، فهنّ قنتن لله ورسوله وعملن صالحًا، فاستحققن الأجر مرّتين، قال الزمخشري في كشافه: «وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا على أحد منهنّ مثل ما لله عليهنّ من النّعمة، والجزاء يتبع الفعل، وإنّما ضوعف أجرهنّ لطلبهن رضا رسول الله بحسن الخلق، وطيب المعاشرة، والقناعة، وتوفرهنّ على عبادة الله والتّقوى». ومنها ما ذكره الله تعالى بقوله: {يَانِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}، قال ابن كثير: «هذه آداب أمر الله بها نساء النّبيّ، ونساء الأمّة تبع لهنّ في ذلك، فقال مخاطبًا نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّهنّ إذا اتقين الله كما أمرهنّ فإنّهنّ لا يُشْبِهُهُن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة». ومنها أنّ الله اختارهنّ لرسوله وحرم نكاحهن بعده، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ الله وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ الله عَظِيمًا}، أي: ما صحّ وما استقام لكم أيّها المؤمنون أن تؤذوا رسول الله بأيّ لون من ألوان الأذى، سواء أكان بدخول بيوته بغير إذنه، أم بحضوركم إليها انتظارًا لنضج الطعام بجلوسكم بعد الأكل بدون مقتض لذلك، أم بغير ذلك ممّا يتأذى به صلّى الله عليه وسلّم، كما أنّه لا يصحّ لكم بحال من الأحوال أن تنكحوا أزواجه من بعده، {إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيمًا} أي: أن إيذاءه ونكاح أزواجه من بعده ذنبًا وإثمًا جسيمًا. ومنها أن الوحي نزل في بيوتهنّ دون سائر النّاس، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، قال ابن كثير: «ثم الّذي لا يَشُك فيه مَن تدبّر القرآن أنّ نساء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داخلات في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، فإن سياق الكلام معهنّ، ولهذا قال بعد هذا كله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحِكْمَةِ}، أي: اعملن بما نزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنّة، واذكرن هذه النّعمة الّتي خُصِّصتن بها من بين النّاس، أنّ الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر النّاس، وأمّنا عائشة رضي الله عنها أولاهنّ بهذه النّعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهنّ من هذه الرّحمة العميمة، فإنّه لم ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي في فراش امرأة سواها، كما نصّ على ذلك صلّى الله عليه وسلّم». والله وليّ التّوفيق.