قال تعالى:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً}..[الأحزاب: 53]. ولقد أشار القرآن أيضًا إلى سبب ذلك فقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}..[الأحزاب: 6] فقال السعدي: (ترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، أنهن لا يحللن لأحد من بعده). اه. وفي هذا من التشريف لهن شيء عظيم لم تشاركهن فيه امرأة، وفي هذا التحريم أيضا منفعة لهن لا تدانيها منفعة، وهي كونهن أزواجه صلى الله عليه وسلم في الجنة، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، قال الشيخ الجزائري: حرّم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وقال صلى الله عليه وسلم: زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة. وهذا سبب أيضًا من أسباب التحريم. اه. وقال القرطبي: حرّم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه وتنبيها على مرتبته صلى الله عليه وسلم. قال الشافعي رحمه الله: وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن، ومن استحل ذلك كان كافرا، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا). وقد قيل: إنما منع من التزوج بزوجاته، لأنهن أزواجه في الجنة، وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. اه. وقال الشيخ الشعراوي: الرجال الذين يختلفون على امرأة توجد بينهم دائماً ضغائن وأحقاد، فالرجل يُطلِّق زوجته ويكون كارهاً لها، لكن حين يتزوجها آخر تحلو في عينه مرة أخرى فيكره مَنْ يتزوجها، وهذه كلها أمور لا تنبغي مع شخص رسول الله، ولا يصح لمن كانت زوجة لرسول الله أن تكون فراشاً لغيره أبداً، لذلك جعلهن الله أمهات للمؤمنين جميعاً. اه. فإذا دققنا النظر لم نجد في هذا التحريم ظلما لهن، بل فيه إنعام كبير وإكرام شهير، وأي امرأة من المؤمنات تغبطهن على هذه المكانة والمنزلة العظيمة، ولذلك لما خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الدنيا وزينتها، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا(29)}..[ الأحزاب:28-29]. اخترنه جميعا رضي الله عنهن. ثم لا يخفى أن أي امرأة تعاشر النبي صلى الله عليه وسلم وتتطلع على مكارم أخلاقه وكريم عشرته وصفاته التي خصه الله تعالى بها لا يمكن أن ترضى زوجًا بعده ولا أن تسعد معه في الدنيا، فكيف وهي تعلم أن ذلك يحرمها من مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في درجته في الجنة.