رغم كل القوانين التي سنتها الاتحادية الجزائرية لكرة القدم في عهد الرئيس السابق محمد روراوة لفرملة النزوح الإفريقي على الدوري المحلي، بغرض منح فرصة أكبر للاعب المحلي، إلا أن ظاهرة تعاقد نوادينا مع لاعبي القارة السمراء لم تتوقف، وبقيت مستمرة بنفس الشكل، وللأسف أيضا، بنفس النوعية المتردية، إلى درجة أن أغلب الفرق لا تجدّد عقود لاعبيها، وكثير منهم يلجأ إلى المحاكم والفيفا لاستعادة حقوقه، بعدما يكتشف الأنصار أن مسيِّريهم جلبوا لهم لاعبين "طايوان" ليسوا أحسن من العناصر الموجودة عندنا، فيتم تسريحهم بطرق غير لائقة في كثير الأحيان. بحسب الأرقام الرسمية فإن الرابطة المحترفة الجزائرية منحت 20 إجازة للاعبين أجانب في كل فرق الدرجة الأولى (بحكم أن نوادي الدرجة المحترفة الثانية لا يُسمح لهم بجلب الأجانب)، عدا نادي بارادو حيدرة واتحاد بلعباس ودفاع تاجنانت، وهي الفرق التي لم تستقدم أي عنصر أجنبي هذا الموسم، مفضِّلة منح ثقتها للاعبين المحليين. والتحق بالدوري الجزائري 11 لاعبا أجنبيا جديدا شهر أوت الفارط، بعدما حافظ 9 لاعبين فقط على مكانتهم في مختلف الفرق، أو تم تحويلهم من فريق جزائري إلى آخر في فترة الانتقالات الصيفية. وبرأي عدد من "المناجرة" المتخصصين في هذا الملف، فإن سوق لاعبي القارة السمراء بالجزائر تفوق قيمته المالية رقم 30 مليار سنتيم سنويا، وهي قيمة معدل العقود المبرمة بين الفرق وهؤلاء اللاعبين، وكل طرف يريد أخد حصته من "الكعكة"، سواء من المسيرين أو التقنيين وحتى بعض الإعلاميين، على حد قول وكيل معتمد لدى الفيفا.
المالِيُّون من دون تأشيرة حاضرون بقوة في ملاعب الجزائر
وبالرغم من اختلاف جنسيات هؤلاء الأجانب، وبعد رحيل الليبيين زعبية ثم الغنودي من الحمراوة والساورة نهاية الموسمين الفارطين، فإن كل العناصر الأجنبية التي "تقتات" من الكرة الجزائرية قَدِمت من إفريقيا السوداء، سواء من بلدان الساحل أو غرب القارة السمراء. ويتصدر الماليون التعداد الأجنبي ب9 عناصر كاملة استفادت حسب المتتبعين من عدم وجود تأشيرة بين بماكو والجزائر لدخول التراب الوطني بسهولة وبسرعة، والقيام بالتجارب الفنية دون أي إشكال إداري، في صورة لاعب أهلي البرج ديارا، ولاعب الحمراوة كوجو، ولاعب مولودية العاصمة ديانغ، وثنائي أولمبي المدية دامبيلي وتراوري، في حين يوجد كونغوليان، واحد بأمل عين مليلة والثاني بنادي سوسطارة، وبوركينابيان بشباب قسنطينة، وإيفواري بوفاق سطيف، وملغاشي بمولودية العاصمة، ونيجيري وبوروندي بشبيبة القبائل وكاميروني في اتحاد العاصمة، وسنغالي وغيني بشبيبة الساورة. ولاحظ الجميع بأن أغلب هؤلاء اللاعبين لم يتألقوا ولم يُقنعوا لا الأنصار ولا مدربي هذه الفرق، وتم تسريح بعضهم في بداية الموسم، وكثير منهم سيُسَرَّح عند نهاية مرحلة الذهاب في صورة مهاجم بطل الجزائر شباب قسنطينة البوركينابي كاغامبيغا، ومهاجم أمل عين مليلة الكونغولي رونيل الذي لعب 4 مباريات ورحل في ظروف غامضة، وكذا لاعب الساورة الغيني كامارا الذي تم فسخ عقده بعد 3 جولات فقط، دون أن ننسى مهاجم نادي مولودية بجاية المالي موسى كمارا الذي لم يُوظَّف، ووضعَه المدرب ماضوي في قائمة المسرَّحين محتفظا بمواطنه ماليك توري في تعداد "العقارب".
لاعبون أجانب برخص عمل رسمية وأجور بالعملة الصعبة الموازية
ووجد هؤلاء اللاعبون الدوري الجزائري فرصة لمواصلة مشوارهم الكروي والاستفادة من عقود "تسيل اللعاب"، حيث يتقاضى هؤلاء الأجانب أجورا شهرية بالدينار الجزائري تتراوح بين 120 مليون سنتيم (6 آلاف أورو) و300 مليون سنتيم (15 ألف أورو). وتصب المستحقات الرسمية مباشرة في أرصدتهم بالجزائر، على أن يسحبها اللاعب بنفسه ويحولها إلى العملة الصعبة الأورو أو الدولار في السوق الموازية في السكوار، ومن تم يتم نقل هذه الأجور إلى بلدانهم الأصلية أو نحو أوروبا عبر المطارات، سواء خفية أو بالإجراء الكلاسيكي لنقل "الدوفيز"، حسب تعليمات الجمارك التي تحدد سقف نقل الأشخاص للعملة الصعبة ب7 آلاف أورو في كل سفرية. ويتهرب مسيرو النوادي من القيام بالإجراء القانوني لعقود عمل الأجانب بعد استلام رخصة العمل من المديريات المحلية للعمل، حيث يمكن للاعب الأجنبي أن يحول أجرته إلى الأورو عبر البنك بنسبة 80%، مثله مثل كل العمال الأجانب في بقية القطاعات الحيوية، كالصينيين في البناء، والأتراك واليابانيين وغيرهم، إلا أن كثرة الإجراءات البيروقراطية لدى البنوك وقضية الترخيص المركزي لتسريح الأجور لدى البنوك بالعملة الصعبة جعلت إدارة نوادينا، وبالاتفاق السري مع اللاعبين والمناجرة، يستخدمون الطرق الملتوية لتسديد أجور هؤلاء اللاعبين من السوق الموازية.
أفارقة غادروا الدوري وأجورهم بقيت تصب شهورا في جيوب المافيا
من جهة أخرى ولأن أغلب فِرَقنا تعاني من أزمات مالية، فإن بعض المسيرين لا يلتزمون بعقودهم مع هؤلاء الأفارقة، سيما الذين لا يقنعون مدربيهم بمردودهم الفني فيتم تسريحهم دون تسوية حقوقهم، ليلجأ المناجرة والوكلاء إلى الهيئات الدولية والمحاكم لاسترداد المستحقات، وهو ملف ظل شائكا ودفع الفاف إلى فرض صكوك ضمان ل6 أشهر أجور لكل عقد لاعب أجنبي توضع لدى الرابطة المحترفة، غير أن هذا الإجراء الجديد لم يتم تطبيقه لحد الساعة، وهو ما ترك الباب مفتوحا أمام المسيرين للتلاعب بالعقود وبمواعيد فسخها. ويروي أحد الإداريين في نادٍ تموّله الشركة البترولية العمومية بأن لاعبا إفريقيا غادر الدوري الجزائري، ويقيم حاليا في الخليج العربي منذ مدة، بقي رئيس هذا النادي يستلم أجرة اللاعب مكانه لأكثر من سنة، وتم تدوين ذلك في التقارير المالية السنوية للنادي دون أن يتفطن أحد للنهب المنظم، حتى وإن كانت إجازته قد ألغيت لدى الرابطة المحترفة، فاستغل هؤلاء المسيرون عقد اللاعب الإفريقي لتحويل الأموال العامة بحجم لا يقل عن 180 مليون سنتيم شهريا إلى جيوبهم بطرق غير قانونية وبإمضاءات على صكوك مشبوهة. هذه الواقعة تكشف بأن صفقات اللاعبين الأفارقة لم تعد فقط لغرض فني لتطوير مستوى النوادي كما يظن الكثير، بل وسيلة أخرى من أجل تحويل أموال النوادي نحو جيوب مافيا المسيرين وسماسرة الكرة.
مهزلة التعاقدات في يوتيوب وتزوير الوثائق "داير حالة"
ولأن الدوري الجزائري لم يعرف قدوم لاعبين أفارقة كبار سواء في سن مبكرة أو مخضرمين، فإن التساؤلات القائمة على مدار عشريات من الزمن فُتح فيها سوق الكرة للأجانب تنصبُّ حول نوعية اللاعبين الذين يتم جلبهم إلى بطولتنا من أجل رفع مستواها، حيث يجزم بعض المدربين بأن المسيرين بالتواطؤ مع السماسرة يجلبون اللاعب الإفريقي مثل الذي يقتني "البطيخ" في سوق الفاكهة ولا يدري إن كانت البطيخة جيدة أو رديئة، ليتم اكتشاف مستواه بعد شهر ونصف من التحضيرات والمباريات الودية، حينها يكون العقد قد تم تشغيله وتحصلت كل الأطراف المرتبطة بالصفقة على مستحقاتها، بما في ذلك "المسير الأجير" الذي يستخدم مثل هذه الصفقات للربح السريع عن طريق المناجير طبعا. ويشكك التقنيون حتى في مصداقية مسيريهم الذين يكتفون بمشاهد يوتيوب لجب "السلع الإفريقية"، فلا أحد منهم يتنقل إلى أدغال إفريقيا ولا يُكلَّف تقني لمعاينة اللاعب الإفريقي في ناديه قبل التعاقد معه ليصطدم النادي بمفاجآت عديدة، منها ما وقع لفريق كبير بشرق البلاد جلب لاعبا ووظفه في بعض المباريات، ليكتشف بعد مدة بأن اسم اللاعب مزور وليس هو اللاعب الذي تمت معاينته في يوتيوب وهناك تقارب فقط في الأسماء. ولعل عدم وجود صرامة في تسيير الملف الإداري للاعبين الأفارقة في غياب آليات للمراقبة جعل التزوير في شهادات الميلاد وحتى في إعداد جوازات السفر بالبلدان الإفريقية التي لا تحتاج لتأشيرة جزائرية، وكذا إعداد وثيقة اللاعب الدولي التي تشترطها الفاف والرابطة من اتحادية البلد القادم منه هذا اللاعب، جعله سهلا مقابل رشوة بألف دولار فقط، فكم من لاعب إفريقي يقول إنه لاعب دولي وهو لم يشارك في تربص واحد لمنتخبات بلده، لكنه تحصل على وثيقة تسهل له عملية التأهيل الكروي بالجزائر، لأن الاتحاد الجزائري لا يكلف نفسه عناء التأكد من صحة الوثائق المسلَّمة من قبل النوادي.