دعا رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الدكتور بوعبد الله غلام الله، في كلمة له في المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية، مخاطر التصنيف والإقصاء"، زوال أمس، بمكةالمكرمة، العلماء والدعاة إلى "الالتماس من خادم الحرمين الشريفين في عقد مؤتمر في بيت الله الحرام يدعو إليه حكام الدول الإسلامية ملوكًا ورؤساء، ويقدّم لهم مشروع تعاون على مراحل، بدءًا بالتخفيف من العداوة المتأججة فيما بينهم شيئًا فشيئًا إلى التفاهم على صيغ التعاون ونبذ الخلاف، وصياغة معاهدات بين الدول الإسلامية، مثل ما يجري بين دول العالم الّتي تخدم مصالحها وترعى حاجات مواطنيها وحرمة أراضيها وشرف سكانها". وافتتح مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير مكةالمكرمة، الأمير خالد الفيصل، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، اليوم، بمكةالمكرمة بالمملكة العربية السعودية، المؤتمر الإسلامي العالمي حول "الوحدة الإسلامية.. مخاطر التصنيف والإقصاء"، لأجل توحيد الصف الإسلامي ولمّ الشّمل دون تمييز. بمشاركة 1000 شخصية إسلامية من 127 دولة من علماء ووزراء ومفتين وقادة الرأي والفكر في العالم الإسلامي والإعلاميين والمرجعيات العلمية والفكرية للمكونات المسلمة في الدول غير الإسلامية، من بينهم 15 شخصية من الجزائر على رأسهم الدكتور بوعبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، والدكتور بومدين بوزيد الأمين العام للمجلس. وقال غلام الله في كلمة له أن "الأغلبية الساحقة من جميع المسلمين يتمنون أن لو كانت أمّة الإسلام متحدة متعاونة متضافرة، ليس في صورة الخلافة الّتي يحلم بها بعضهم، وإنّما في صورة تفاهم وتضامن في الميدان السياسي والاجتماعي والثقافي، ولم لا في صورة تعاون في الميدان الاقتصادي بجميع الصيغ الممكنة". وانتقد في ذات السياق "الأطماع الإمبريالية الّتي تجتهد في أن لا يتّحد المسلمون ولا حتّى أن يشكّلوا تعاونًا فيما بين دولهم كما تتعاون الدول ذات المصالح المشتركة". وأبدى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أسفه لحال المسلمين، واصفًا الأغلبية الساحقة من المسلمين بأنّهم "لايدركون بأنّهم على تعدد دولهم وشساعة أوطانهم وكثرة أعدادهم وضخامة ثرواتهم، لا يملكون كلمة ولو صغيرة في سير العالم ولا في توجيه السياسة الدولية" وتابع "بل إنّهم ما زالوا يطالبون ويطالبون حتّى بَحّت أصواتهم بأن يرفع عنهم الغبن المتمثل في احتلال أراضيهم والتعدي على مقدساتهم فلا يلاقون إلّا الجحود من الدول الكبرى، والإمعان في امتهانهم وقتل أبنائهم وتشريد أسرهم، بل ويلاقون بالإضافة إلى ذلك مطالبة المعتدين بأن يشاركوا المسلمين في تدبير شؤونهم والاعتراف لهم بشرعية ما اغتصبوه، وبحقّهم في أخذ ما لم يحصلوا عليه بعد". وانتقد غلام الله الأصوات الّتي تنادي المسلمين بالتخلّي عن دينهم وثقافته، وقال "إنه وضع لا يرضاه الإسلام ولا ترضاه القوانين الإنسانية بل ولا يُؤَوَّل لا قدّر الله إلّا أن يُحكم على المسلمين بأن يتخلّوْا عن دينهم وثقافتهم ليندمجوا اندماجًا غير متساوٍ في الدول الّتي تحتل أراضيهم وتنهب أموالهم وتهينهم". من جهته، وصف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى، المؤتمر ب"اللقاء الوحدوي في تقريبه للرُّؤى والاجتهادات، والتفافه حول المشتركات، دافعًا بمشاعر الأُخُوّة الإسلامية نحو التطلّع الأمثل، محذّرًا من مخاطر التصنيف والإقصاء، مع تعزيزه لمفاهيم الدولة الوطنية وقيمها المشتركة"، مشيرًا إلى أنّه "يُعدُّ الأوّل من نوعه "كمًا وكيفًا" تحت مظلّة رابطة الشعوب الإسلامية في رحاب مكةالمكرمة". وأبرز الدكتور العيسى، أمام عموم مفتيي العالم الإسلامي وكبار العلماء من مائة وسبعٍ وعشرين دولة، السلبيات الّتي تهدّد كيان الأمة والّتي استطلعتها رابطة العالم الإسلامي في "غياب الحوار المنفتح، والسجالات العقيمة بين المذاهب والطوائف بذرائع واهية، والتهافت السّلبي على الريادة الروحية في خصوص شأنها العلمي والفكري". وبدوره، استنكر مفتي لبنان، الشيخ عبد اللطيف فايز دريان، انتشار ظاهرة التكفير بين الشباب، مشيرًا أنّ ممارسة التصنيف والإقصاء باسم التطهُّر والخروج من الرجس "أوقع هؤلاء فيما هو أشدّ وأعظم". مؤكّدًا أنّ الوحدة الإسلامية تأثّرت بهذا الخروج، وذلك من خلال "عمل المتطرفين ضدّ جماعة المسلمين، وبسبب العنف الّذي يمارسونه في ديارنا وفي العالم". وبدوره، اعتبر مفتي مصر، الشيخ شوقي علام، أنّ الخطر المحدق بالأمة "ليس في الاختلاف وحدَه، لأن الاختلاف الناتج عن اجتهاد صحيح ونظر سليم"، مؤكّدًا أنّ الخطر الحقيقي يتمثل في "ظاهرة إقصاء الآخر المُخالف والحكم عليه بالكفر والمنابذة". مشيرًا إلى أنّ هذا "يُضعف الأمّة ويهدّد سلامتها وأمنَها ووَحدتها". أمّا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، فاعتبر أنّ "وحدة الأمّة الإسلامية وتضامن دولها لا يعني بحال التفريط في مكتسبات كل دولة على حدة" مؤكدًا أنّ "قوة الأمّة مجتمعة علامة على قوّة مكوناتها على الصعد الوطنية". منبّهًا أنّ "دول العالم الإسلامي أجمعت على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، والعمل في ذات الوقت على تكثيف التعاون وتبادل المصالح والمنافع، واستمرار التنسيق الّذي يخدم الدول الأعضاء". في حين، أكّد رئيس مجلس الإمارات للإفتاء، الشيخ عبدالله بن بيه، أنّ "الوحدة وإن كانت مطلبًا شرعيًا ومقصدًا عظيمًا ومثالًا يطمح إليه في خدمة الدّين والدّنيا، إلاّ أنها ينبغي أن تكون اختيارية، ويراعى في التدرج إليها السياقات الزمانية والمكانية والإنسانية". بينما، طالب مفتي عام المملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، المسلمين إلى "الحرص على اجتماع كلمتهم ووحدة صفهم في ظلّ تعاليم الإسلام"، محذّرًا إياهم من "التفرّق والاختلاف والتناحر والانقسامات والتحزبات التي فرّقت بين المسلمين وشتّتت جمعهم وباعدت بينهم وقضت على معاني الأخوة والمودة والرحمة بينهم". ودعا مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير مكةالمكرمة، الأمير خالد الفيصل، المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية مخاطر التصنيف والإقصاء، أمس، في افتتاحه للمؤتمر، علماء الأمة إلى "الاستشعار بواجبهم الشرعي في رأب الصّدع المهدّد لأمتهم، ونبذ الخلاف، وتوحيد الصف، والاتفاق على خطاب واحد نتوحّد به إلى العالم". وطالب الأمير خالد الفيصل، العلماء ب"تدارك ضرورة تجاوز الصور السلبية التاريخية التي أثقلت حاضرنا"، مشيرا إلى أن تلك "التراكمات التاريخية وآثارها على مسار الأمّة الإسلامية" تدعو إلى "نشر الوعي وتصحيح المفاهيم المغلوطة، واستيعاب سُنّة الاختلاف، من خلال مدّ جسور الحوار والتفاهم والتعاون، نحو الوفاق والوئام والعمل الجاد، والنّظر للمستقبل بأفق واعد مفعم بروح الأخوة والتضامن".