يناقش هذا الحوار مع جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد، التصورات الممكنة البديلة لإدارة المرحلة الانتقالية، خلافا لخارطة طريق الرئيس بوتفليقة التي عبّر الملايين من الجزائريين عن رفضها. ويرى جيلالي، بأن أول خطوة ستسمح بالتهدئة، هي إعلان الرئيس بوتفليقة الآن، عن رحيله في نهاية عهدته والشروع في هذه المرحلة التي تسبق مغادرته في مفاوضات لإدارة المرحلة الانتقالية عبر خطة يشرح تفاصيل خطوطها العريضة. ما هي الرسالة التي وجّهها الجزائريون للنظام بتظاهراتهم الحاشدة في الجمعة الأخيرة؟
مسيرات 15 مارس، كانت تعبيرا من الجزائريين على رفض قرارات بوتفليقة بعد عودته من رحلته العلاجية في جنيف. موقف الشعب إذن تم التأكيد عليه وتجديده برحيل الرئيس وكل أعضاء نظامه في نهاية العهدة الحالية في 27 أفريل المقبل على أقصى تقدير. الجزائريون أدركوا كذلك، أن انتهاك الدستور وتأجيل الانتخابات بالطريقة التي عرضها بوتفليقة، سيؤدي إلى مرحلة ليست مضبوطة بأي قانون، مما يؤدي بالبلاد إلى المجهول.
هل تعتقد أن النظام لا يزال يناور؟
النظام يحاول الآن تنظيم مفاوضات مباشرة مع المعارضة ووجوه في المجتمع المدني، لكن دون أن يتخذ قرار رحيله، وهذا خطير جدا لأنه يريد أن يكون هو المشرف على المرحلة الانتقالية. يجب على الحراك أن يتفطن لذلك ويرفض أي انخراط في مسار انتقالي، دون أن يحصل على إعلان واضح من الرئاسة بأن بوتفليقة سينهي عهدته ويذهب نهائيا من الحكم.
ما الذي يجب على الرئاسة فعله اليوم؟
في هذه المدة قبل نهاية العهدة، يجب أن تقوم الرئاسة بإعلان صريح وواضح عن رحيل الرئيس قبل 27 أفريل المقبل، لأن أي تفاوض لا يمكنه أن يكون إلا بناء على هذا القرار، إذ لا جدوى أبدا من التفكير في مرحلة انتقالية والرئيس في منصبه.
على فرض أن الرئيس أعلن أنه سيرحل بانتهاء عهدته .. لمن ستسلم السلطة وألا يخشى من أن يكون هناك فراغ في الحكم؟
على الرئيس بعد أن يُعلن بأنه راحل عند انتهاء عهدته، أن يفوّض في هذه المدة التي تسبق رحيله أشخاصا يتكلمون باسمه باعتباره غير قادر على التواصل بسبب ظروفه الصحية. هؤلاء المفوضون، يقومون بعد ذلك بفتح نقاش مع الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، للاتفاق على تنصيب "منتدى وطني" يكون أعضاؤه متطوعين، وتشكيل حكومة حيادية غير متحزبة يتم التفاوض بشأن مدتها ومهامها. في هذه الفترة أيضا، يقوم رئيس الجمهورية بحل كل من المجلس الشعبي الوطني، مجلس الأمة والمجلس الدستوري. ثم يعيّن "المنتدى الوطني" بالتوافق، شخصية وطنية أو هيئة لأداء مهام رئيس الدولة لاستمرارية الدولة، على أن يتعهّد رئيس الدولة (أو الهيئة الرئاسية) وكذلك أعضاء الحكومة، بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبذلك يستطيع رئيس الجمهورية الانسحاب نهائيا مباشرة عند انتهاء عهدته في 26 أفريل 2019.
لكن ما هي المقاييس التي يمكن على أساسها اختيار هذه الشخصيات التي ستقوم مقام الرئيس.. ألا يُخشى أن يثير هذا الاختيار انقساما في الشارع؟
نحن نرى أن هذه الشخصيات، لا يجب أن لا تكون محزبة أو من وجوه النظام المستفزة للشعب وليس لها طموح للترشح في الانتخابات الرئاسية مع نهاية الفترة الانتقالية، حتى نحقق بذلك ضمانات التجرد لتسيير المرحلة الانتقالية. ويمكن أيضا أن يكون ضمن هذه الشخصيات أحد ممثلي المؤسسة العسكرية، حتى نضمن بأن تكون مرافقا للفترة الانتقالية دون أن تتدخل بالضرورة في التسيير. في تصوّرنا، فإن هذه الشخصيات يجب أن تتمتع بالخبرة الكافية والحكمة والقدرة على مواجهة الشعب، وهي صفات موجودة لدى الكثير من الشخصيات التي بإمكانها تحمّل هذه المسؤولية الكبيرة لإعادة بناء النظام الجزائري. أما عن خطر انقسام الشارع، فلا أعتقد أن ذلك وارد، لأن الحراك واع جدا لحد الآن بالأهداف التي يجب أن تتحقق، حتى وإن لم يحدد آليات ذلك بدقة. ثم إن هناك أسماء لا يختلف عليها أغلبية الجزائريين، وبإمكانها أن تطمئنهم على مستقبل حراكهم في حال تحملت المسؤولية. ما يُغضب الشارع اليوم هو بقاء الرئيس ورجال الظل المحيطين به وإعلان رحيلهم كفيل بالتهدئة والتفكير في الحلول، ونحن كجزء من الحراك نقدّم أفكارا وتصورات قابلة للنقاش والإثراء.
لكن ما هو الدور الذي تتصوّرونه بدقة لهذه الهيئة الرئاسية التي ستخلف الرئيس المنتهية ولايته؟
هذه الهيئة الرئاسية، ستُعطي ضمانات للجزائريين بانتهاء النظام وبدء نظام جديد يُحقق سيادة الشعب ويتوّج هذا الحراك التاريخي للجزائريين. وتحت إشرافها، ستعمل الحكومة، التي يتعيّن على أعضائها إكمال خريطة الطريق المتفاوض عليها، بإشراك الأحزاب السياسية في إطار المنتدى الوطني لإعداد الشروط لإجراء انتخابات حقيقية في غضون فترة زمنية معقولة (من ستة إلى اثني عشرة شهرا)، وسيعمل الكل (الهيئة الرئاسية، الحكومة، المنتدى الوطني) في الفترة التي تلي الرئيس الحالي، على إنشاء لجنة مستقلة عن الإدارة للإشراف على الانتخابات يتفاوض على تشكيلتها، وكذلك إعادة صياغة القانون الانتخابي وتحرير وسائل الإعلام. ينطلق بعد استكمال كل هذا الورشات، التحضير للانتخابات الرئاسية التي ستعبر للمرة الأولى في التاريخ الجزائري عن الإرادة الشعبية. ومباشرة بعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، سيتم الشروع في مسار تأسيسي متّفق عليه من أجل إعداد دستور توافقي يطرح للاستفتاء الشعبي .يلي ذلك تنظيم الانتخابات التشريعية وتنصيب المؤسسات المنصوص عليها في الدستور الجديد.
هل يمكن لأحزاب السلطة أن تكون شريكا في هذا المنتدى الذي تقترحونه؟
لا بد للمنتدى أن تكون له قيمة في الحوار، وألا يكون معوما بأحزاب السلطة ومنظماتها التي لا تمثل شيئا. نحن نرفض الإقصاء، لكننا لا نقبل أيضا من يأتي للتلاعب بالمسار الانتقالي ويُجيِّره لصالح السلطة من جديد، بعد أن ثار الشعب الجزائري بكل ما فيه ضد النظام وصار يطالب بالتغيير الجذري. لذلك لا نريد لهذا المنتدى أن يكون شبيها بالمجلس الوطني الانتقالي سنوات التسعينيات، ونريد من أعضائه أن يكونوا متطوعين لا يتقاضون أي سنتيم ويكون عملهم خالصا للشعب الجزائري.
لو تتبّعنا هذه الخطة، ما هو الأساس الدستوري والقانوني الذي تسير عليه الدولة بعد نهاية عهدة الرئيس الحالية؟
يجب تعليق العمل بالدستور الحالي في شقه المتعلق بالصلاحيات السياسية، لأننا سنكون في حالة ستغيب فيها المؤسسات المنصوص عليها في الدستور وستعوّضها مؤسسات انتقالية مؤقتة. أما باقي مواد الدستور، فيمكن الإبقاء عليها من أجل ضمان سير الدولة. لا يجب التركيز كثيرا على مسألة الدستور، لأننا في وضع سياسي فرضته سيادة الشعب الجزائري الذي بخروجه فرض شرعية جديدة يجب إيجاد الصيغ لإقرارها في أقرب وقت.
لماذا تريدون تسبيق الانتخابات الرئاسية على التشريعية؟
هذا اختيارنا فقط، لكن في إطار المنتدى يمكن التوافق على الذهاب للتشريعيات أولا. لكن في اعتقادنا أن الأجدى هو البدء بالانتخابات الرئاسية، لأن انتخاب رئيس سيمكن من بناء شرعية جديدة، تمكّن الرئيس بعد ذلك من إطلاق مسار تأسيسي. الرئيس بعد انتخابه سيكون مسنودا بشرعية الشعب التي تعطيه القوة ليتحدث مع الجميع من طبقة سياسية ومجتمع مدني ونقابات وغيرها من الفواعل، للوصول إلى الدستور الذي ستقوم عليه الجمهورية الجزائرية الجديدة.
هناك من يحبّذ الذهاب إلى مجلس تأسيسي لكتابة الدستور الجديد للجزائر.. ما رأيك؟
لا أحبذ فكرة المجلس التأسيسي، لأن انتخاب هذا المجلس بعد فترة انتقالية قد لا يفرز توجهات واضحة، ومن المحتمل جدا أن يكون المجلس مشتتا على عدد كبير من الأحزاب. إيجاد توافق على دستور بين كل هؤلاء سيكون صعبا للغاية، وقد يؤدي بنا هذا إلى إضاعة وقت طويل، كما حدث في التجربة التونسية مثلا، بينما نحن بحاجة ماسة لتكون الفترة الانتقالية قصيرة في المدة حتى يمكن للشعب الجزائري أن يمارس سيادته عبر الانتخاب والتصويت على رئيسه الجديد. ولتجنب كل ذلك، لا يوجد أحسن من البدء بالانتخابات الرئاسية وتخويل الرئيس المنتخب كل الصلاحيات التي على أساسها يطلق مسارا تأسيسيا يُنتج لدينا دستورا جديدا في وقت مناسب، للتفرغ بعدها إلى معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تراكمت جراء سوء التسيير والفساد الذي ميّز الفترات السابقة.
هل يجب أن يكون للحراك ممثلون في الوقت الحالي؟
يمكن أن يكون هناك ممثلون لكن لا أحد من حقه الادعاء بتمثيل الشارع. نحن لا نريد أن ندخل في متاهة التمثيل، لأن الأهم هو تلبية مطالب الشارع وإجراء تفاوض على هذا الأساس. ونحن عبر آلية المنتدى التي اقترحناها، يمكن أن نتفادى الكثير من الحساسيات بضمان حضور تمثيل واسع يمثل كل شرائح المجتمع المشاركة في الحراك.
هناك من يطرح بإلحاح اسم المحامي مصطفى بوشاشي.. هل توافقون على تمثيل الحراك؟
لا أدري في أي إطار يقترحون المحامي بوشاشي، من يريد أن يترشح للرئاسيات، عليه أن ينتظر إلى غاية الانتخابات التي تكون بعد استكمال ورشات المرحلة الانتقالية. لذلك، نحن نطالب بأن لا يكون للشخصيات التي ستشرف على هذه المرحلة أي طموح رئاسي، حتى نضمن أقصى درجات النزاهة في تفصيل هذه المرحلة الحساسة.
ما هو تصوركم لدور الجيش في المرحلة الانتقالية؟
الجيش له دور أساسي، يتمثل في حماية البلاد والدولة ومرافقة التغيير الذي ينبغي أن يكون سلسا، من خلال لعب دور المسهل في عملية التفاوض على المرحلة الانتقالية. دور الجيش في اعتقادنا لا يجب أن يكون مباشرا، ونحن نرفض تماما أن يكون هو الذي يسيّر الدولة في المرحلة الانتقالية، أي أننا نرفض "سيسي" (الرئيس المصري الحالي) آخر في الجزائر.
هل رئيس أركان الجيش قايد صالح معني بالمسؤولين الذين يجب أن يرحلوا مع بوتفليقة في تصورك؟
لا شك في أن رئيس أركان الجيش قام بدور سلبي وهو من المحسوبين على الرئيس بوتفليقة. ونحن نعتقد أن رحيله سواء اليوم أو بعد انتخاب رئيس جديد ضروري لأنه وجه من وجوه النظام السابق. كيف ترى الدور الذي يقوم به الأخضر الإبراهيمي وهل حاول الإتصال بكم؟
الإبراهيمي لا يتكلم بتفويض رسمي من أحد وتحركه في ظل بقاء بوتفليقة مرفوض، هو لم يتصل بنا ونحن لا نريد أن نقابله من أجل أن يقنعنا بخريطة طريق بوتفليقة المرفوضة بالنسبة لنا جملة وتفصيلا. إذا أعلن بوتفليقة انسحابه وعيّن من جهته من يتكلم باسمه، سنكون مستعدين للتفاوض مع غيرنا من الحراك على خارطة طريق المرحلة الانتقالية.
هل هناك خطر على الحراك الشعبي من الخارج وما رأيك في تدخل الرئيس الفرنسي ماكرون؟
فرنسا تحاول أن تلعب في الوقت الضائع لتجد منفذا للنظام الحالي وهذا مرفوض. من الواضح أن فرنسا متخوفة من فقدان الاستقرار في الجزائر، لأنها تضع بعض الحسابات المتعلقة بالهجرة، كما أنها تعتقد أن النظام الحالي هو القادر على حماية مصالحها الاقتصادية، وبالتالي تتخوف من ظهور سلطة جديدة لم تكن تتحسب لها. فرنسا في اعتقادي تقوم بتحليل خاطئ للأوضاع في الجزائر بتمسكها بالسلطة الحالية، إلا إذا كانت هناك مصالح خفية لا نعلمها تجعلها تتشبث إلى هذا الحد بالنظام الجزائري.