لا شك أن الثورة الشعبية الهادئة التي حدثت في البلاد هي التي كانت وراء نسمات الحرية التي تهب على البلاد هذه الأيام، وهي التي فجّرت حالة عودة الوعي لدى رجال الحكم حتى لا أقول أسقطت أقنعتهم المزيفة وأظهرت الحقيقة! من كان يصدق قبل 22 فيفري 2019 أن المواطن الجزائري السياسي والإعلامي أو حتى رجل الشارع يمكن أن ينتقد علنا التصريحات السياسية لقيادة الجيش ولا يتعرض للتهديد بالقضاء؟ وكلنا نتذكر كيف هددت قيادة الجيش المجاهد الراحل مشّاط عضو مجموعة ال22 عندما علق على بيان سياسي للجيش! واليوم يناقش الناس تصريحات الفريق قايد صالح السياسية دون أن يتعرضوا لمتابعات قضائية. وقد كان الضباط السامون في الجيش يُسجنون إذا تحدثوا في السياسة وناقشوا قيادة الجيش فيما تقوله سياسيا! الآن بدأنا بالفعل نلمس الإصلاح من خلال وضع قيادة المؤسسة العسكرية سياسيا تحت الرقابة الشرعية للشعب فيما يتصل بالسياسة. من كان يجرؤ على ذكر اسم أمثال كونيناف والسعيد بوتفليقة وحداد وطحكوت وبعض الجنرالات المقاوِلين؟! اليوم أسماء هؤلاء على كل لسان وليس هناك متابعات قضائية بالهاتف كما كانت من قبل. والحراك أطلق حرية الناس وفي نفس الوقت حرر القضاء والقضاة والنواب العامين. من كان يتصور أن يقف أويحيى أمام الرأي العام ويقول: يجب على السلطة أن تستجيب لمطالب الشعب؟ ويزايد عليه الناطق الرسمي في حزب الأرندي الصديق شهاب ويقول: إن البلاد كانت تقودها قوي غير دستورية! طبعا شهاب يقصد بكلامه رجال المال الفاسد الذين يحيطون بالرئيس، وفي أسوء الحالات يقصد عائلة الرئيس أو حتى قيادة الجيش! ومن كان يصدق أن واحدا مثل بوشارب يتحدث عن نفسه بصراحة ويقول: إن الحركى وصلوا إلى قيادة الأفلان! قوله هذا عن حزبه اعتراف أكثر جرأة من قول شهاب الصديق إن قيادة حزبه بلا بصيرة! لأن الواقع يقول بأنهم كانوا بلا بصر أيضا وليس البصيرة فقط! لكن المؤسف أن وسائل الإعلام البائسة التي كانت تُسوِّق البضاعة السياسية لهؤلاء الفاقدين للبصر والبصيرة هي نفسها اليوم التي تسوّق بتعجب لهؤلاء الذين فقدوا الكرامة وليس البصيرة والبصر في السابق! الآن رجال الحكم ومؤسساته ووسائل الإعلام المرتبطة بهم ينطّون كالفئران من السفينة الرئاسية وهي تغرق! ومن المؤسف أن نرى الرئيس بوتفليقة المريض هو وحده الباقي في هذه السفينة! كأنهم يريدون له أن يغرق وحده ويحملوه وحده مسؤولية غرق السفينة كونه ثقبها بسياسته! هذا التصرف فعله رجال حزب (R.C.D) في تونس مع بن علي حيث غيروا جلدهم إلى حزب نداء تونس.. وفعله رجال حزب المؤتمر في اليمن مع صالح، وفعله رجال اللجان الثورية في ليبيا مع القذافي ويفعله الآن الأفالان والأرندي وغول مع بوتفليقة ويساعدهم في ذلك الإعلام المرتشي الفاسد! إنني الآن أحس بضرورة الدفاع عن هذا الرئيس المسكين وهو يتعرض لما يتعرض له من ظلم من طرف جبناء السياسية والإعلام.. وإذا لم أفعل فجدير أن أكسر قلمي ولا أدعي الحرية فيما أكتب.. وأنا الذي خرجت ضد سياسته في العهدة الرابعة والخامسة واعتُقلت وحوصرت مع زملائي في قسنطينة بشاحنات الزبالة. [email protected]