بدأت تتبلور أفكار عملية في المعارضة، حول تصورات إدارة المرحلة الانتقالية، كبديل لخارطة طريق بوتفليقة المرفوضة شعبيا. وتُطرح اليوم العديد من الأوساط، فكرة تشكيل هيئة رئاسية، تتسلم مهام رئيس الجمهورية لفترة وجيزة، بعد نهاية العهدة الحالية أواخر أفريل، كحلّ لتجنب الفراغ في أعلى هرم السلطة. بعد فترة من التردد، خرج اجتماع المعارضة، المنعقد في مقر حزب عبد الله جاب الله، أمس، بخطة تفصيلية، تتضمن كيفية تنظيم المرحلة الانتقالية المقبلة. وتتضمن هذه الخطة، الإقرار بمرحلة انتقالية قصيرة، يتم فيها نقل صلاحيات الرئيس المنتهية عهدته لهيئة رئاسية. وتتشكل هذه الهيئة الرئاسية، وفق تصور المعارضة، من شخصيات وطنية مشهود لها بالمصداقية والنزاهة والكفاءة، تتبنى مطالب الشعب ويلتزم أعضاؤها بالامتناع عن الترشح أو الترشيح في الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة. وتتولى الهيئة الرئاسية صلاحيات رئيس الدولة وتقوم بمهام تعيين حكومة كفاءات وطنية لتصريف الأعمال، ثم إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات ثم تعديل قانون الانتخابات بما يضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتتوافق هذه الفكرة التي طرحتها المجموعة المكونة من عبد الله جاب الله وعلي بن فليس ومحمد السعيد والطاهر بن بعيبش ويزيد بن عائشة ونور الدين بحبوح وغيرهم، مع ما سبق وطرحه حزب جيل جديد في الخطة التي عرضها يوم 10 مارس. ويعتقد جيلالي سفيان، أنه يجب في هذه الفترة التي تسبق نهاية عهدة الرئيس بوتفليقة، التوافق على شخصية وطنية أو هيئة لأداء مهام رئيس الدولة لاستمرارية الدولة، على أن يتعهّد رئيس الدولة (أو الهيئة الرئاسية) وكذلك أعضاء الحكومة بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وبذلك يستطيع رئيس الجمهورية الانسحاب نهائيا مباشرة عند انتهاء عهدته في 28 أفريل 2019. ويؤيد هذه الفكرة، كذلك الشخصية الوطنية المعروفة أحمد بن بيتور الذي أوضح في حوار ل"الخبر" أنه يؤيد أن يتولى الرئاسة مؤقتا مجلس حكماء لترتيب إجراء انتخابات نزيهة تفرز رئيس البلاد القادم عبر الصندوق. الحل السياسي ويتم تسويق هذه الفكرة التي لا تجد لها أساسا دستوريا، انطلاقا من أن الجزائر اليوم تعيش في مرحلة خارج الشرعية الدستورية، مما يتطلب حلا سياسيا يستند على الشرعية الشعبية. وما شجّع المعارضة على هذا الاقتراح، أن الرئيس بوتفليقة في خارطة طريقه الأخيرة، لم يستند هو الآخر على الدستور ودعا إلى حلّ سياسي، مع الفارق في أن ما طرحه كان مفروضا شعبيا، بينما تُحاول المعارضة إيجاد سند شعبي لما اقترحته. ويبدو أن أكبر فراغ موجود اليوم، فيما يخص مقترح الهيئة الرئاسية، هو عدم وضوح الآليات التي من خلالها يمكن الاتفاق على شخصيات بعينها تتولّى هذه المهمة الجسيمة، خاصة أن الشروط الموضوعة بعدم ترشح أي شخصية من هذه الشخصيات للانتخابات المقبلة، تتطلب تضحية كبيرة من الأسماء التي لها طموح في تجريب حظها مستقبلا. ومن أهم الأسماء التي تُطرح حاليا بصوت خافت في المعارضة، يوجد رئيس الجمهورية السابق اليامين زروال ورئيسا الحكومة السابقين مولود حمروش وأحمد بن بيتور. كذلك يتم تداول اسم الدبلوماسي عبد العزيز رحابي وحتى وزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي (حالته الصحية قد تمنعه) والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس. ويُحاول مقترحو هذه الأسماء التي حصلت عليها "الخبر" من مصادر في المعارضة، إيجاد نوع من التوازن في تركيبة هذه الهيئة في حال اعتماد هذا الحلّ حقا، بين من يمتلك رمزية مثل اليامين زروال الذي شغل المنصب السامي في الدولة وبقي يحظى بشعبية في بعض الأوساط، ومن يمتلك علاقات جيدة مع التيار الإسلامي مثل أحمد بن بيتور ومن له صلة قوية بالتيار الديمقراطي على غرار مولود حمروش وكذلك من يملك امتدادا في المؤسسة العسكرية مثل رشيد بن يلس، ومن له احترام في الإدارة والدبلوماسية مثل الوزير السابق عبد العزيز رحابي. لكن هذه القائمة تبقى مسودّة فقط، ولا توجد ضمانات بأن يقبل المقصودون هذه المهمة. كما أن الأسماء المطروحة تمثل فقط توجّه المعارضة، في وقت سيكون للرئاسة والمؤسسة العسكرية أوراق لفرض أسماء تابعة لهم في هذه الهيئة التي تشبه في صيغتها المجلس الأعلى للدولة الذي تم اعتماده سنة 1992 بعد استقالة الشاذلي بن جديد. الحل الدستوري وتأتي هذه التصورات لتعارض تماما فكرة الحل الدستوري الذي يراه البعض الأنسب للتعامل مع الوضع الحالي. وفي اعتقاد بعض السياسيين، مثل عبد المجيد مناصرة، فإن اللجوء إلى المادة 102 هو الأسلم لتجنّب متاهة البحث عن مخرج لانسحاب الرئيس بوتفليقة. وتضمن هذه المادة انتقالا سلسا للسلطة، حيث يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الجمهورية، ويشرف على تنظيم الانتخابات في ظرف لا يتعدى 3 أشهر. ويكون لرئيس الجمهورية في هذه الفترة صلاحيات محدودة، إذ لا يمكنه حتى القيام بتعديل حكومي، لكن الإشكال الأول في تطبيق هذه المادة، أنها لا تتيح مدة كافية لتعديل الإطار القانوني لتنظيم الانتخابات وهو ما تطالب به المعارضة بإلحاح، ما يعني بقاء خطر التلاعب بنتائج الانتخابات قائما. أما الإشكال الثاني، فهو في كون من يشرف على هذه الفترة، هو أحد المحسوبين على حزب الأرندي وأحد وجوه السلطة لسنوات المعني بفكرة الرحيل التي يطرحها المتظاهرون. أما الإشكال الأكبر فيما يخص المادة 102، أن اللجوء إليها يتم عبر طريقتين، هما إثبات شغور منصب الرئيس عبر إثبات المانع الصحي للرئيس بوتفليقة عن أداء مهامه، وهو ما يبدو أن الرئيس ومحيطه يرفضانه "مؤقتا" بسبب أنه يشكّل إهانة في حق بوتفليقة الذي يريد أن يشرف بنفسه على المرحلة الانتقالية. أما الطريقة الأخرى، فهي أن يقرر الرئيس الاستقالة، وهذا المخرج لا يقل إهانة للرئيس الذي ظلّ حريصا على أن يختم مساره بنهاية تمجيدية، فكيف به اليوم يخرج مستقيلا! وعلى كل حال، لا يُعلم المآل الذي سينتهي إليه الرئيس بوتفليقة، من هنا إلى تاريخ نهاية عهدته، إذ لم يكن أحد ينتظر في الجزائر أن يتم إلغاء الانتخابات التي كان تنظيمها بالنسبة للنظام الجزائري أشبه بالفعل المقدس، ولم يكن أحد ينتظر كذلك هذا التهاوي المفاجئ لمشروع العهدة الخامسة. وعلى هذا الأساس، قد يضطر الرئيس ومحيطه تحت الضغط الشعبي المهول، إلى خيارات لم تكن تخطر على بال، ومنها إثبات الشغور أو الاستقالة. مخاوف الفراغ وما يدفع للقلق، في حال انسحاب الرئيس بعد نهاية عهدته دون أن يتم تسبيق ذلك، بأي حلّ سواء كان دستوريا أو سياسيا، هو الوجود أمام وضع الفراغ الذي قد يقذف بالبلاد رأسا باتجاه المؤسسة العسكرية، وهو ما يُخشى أن يعود بالبلاد إلى نقطة الصفر وإلى تجارب دول عربية اعتقدت أنها دخلت عهد الديمقراطية، فوجدت نفسها تحت رحمة جنرالات مستبدين. لذلك، ستكون الأسابيع الآتية، حاسمة بالنسبة للحراك الشعبي، الذي عليه أن يضاعف من ضغوطه بالشكل السلمي، للدفع باتجاه مخرج، قبل نهاية عهدة الرئيس الحالية، لعدم السقوط في فخ الفراغ أو إكمال المسار وفق خطة طريق بوتفليقة الخالية من أي ضمانات.