إنّ أهمّ ما يستعدّ به المسلم ليستفيد من رمضان هو تهيئة النّفس لاستقبال هذا الموسم والاجتهاد فيه، ولعلّ النّصوص الشّرعية الّتي بشّرت بهذا الوافد تدلّ على أهمية تهيئة النّفوس لرمضان، فحين نتذكّر ما قاله النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَشِّرُ بِرمضانَ من: سَلْسَلَةَ الشَّيَاطِينِ، وفتح أبواب الجنان، غلق أبواب النّيران، ومناداة المنادي: يا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشرّ أقصِر، نلمس فيه إشعارا لقبول التّائب، وتحفيز العامل. ومن الاستعدادات المطلوبة توفُرها الفرح بالشّهر المبارك: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يونس:58، والفَرحُ بفضلِ الله ورحمتهِ يشمل الفرح بكتابه وسُنَّةِ نبيّه وشعائر دينهِ، والمؤمن يفرح بطاعة اللهِ وأداءِ الفرائضِ والنّوافل؛ ويفرحُ بمواسمِ الطّاعة لما فِيها من تنوُّعِ العبادات ومُضاعفة الأُجُور، وإقبالِ القلُوب على الله؛ فمن فرح بقدوم الشّهر فإنّه يفرح غدًّا بمُضاعفة الأجر: “وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”. ومن التهيئة لرمضان إعداد النيّة، نيّة صوم رمضان، نيّة قيامه، نيّة تلاوة القرآن، نيّة الاعتكاف إذا أمكن، أمّا النيّة الفقهية وهي نيّة الإمساك عن المفطرات فكلّ الصّائمين يستحضرونها، بينما يغفل كثير عن نيّة الرّغبة في الأجر والمثوبة، ونيّة الاستجابة لأمر الله، كما يقول بعض الآباء: قدِم رمضان وسوف نجتهد فيه ونصومه بإذن الله، بينما يُبيّت آخرون نيّة النّوم نهارًا والسّهر ليلًا. ومن أنواع الاستعداد ومظاهره ما يكون بمراجعة فقه الصّيام، والواجبات والسُّنَن والمبطلات، وبمطالعة فضائل رمضان وما جاء في فضل القيام على حساب النّوم، والصّيام في الأيّام الطويلة، وفضل الصّدقة فيه، ومنافع الصّيام الصحيّة وما يدفع من أمراض، ومنزلة الدّعاء، وما ينبغي أن يكون من أخلاق الصّائم، ومطالعة أحوال العارفين والّذين كانوا يصومون طوال العام. والصّيام في شعبان من الاستعداد الّذي يُمارسه كثير من النّاس، فهو مُقدمة تهيّئ المكلّف لصيام رمضان، يقول ابن رجب رحمه الله: والصّيام في شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلّا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكُلفة، بل يكون قد تمرّن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته؛ فيدخل في صيام رمضان بقوّة ونشاط. ومن أنواع الاستعداد لرمضان الاستعداد العائلي والأسري، فبالإضافة إلى ما ذُكر لا ينبغي نسيان أفراد العائلة من أن يشملهم الاستعداد لرمضان، وذلك يكون بمُحاولة رسم برنامج ووضع خطة مع الأسرة، خصوصًا الأسر الصغيرة والمتكوّنة حديثًا، والّتي تضمّ أبناء يسهل التحكم فيهم، فهذه نعمة عظيمة، فيُسطّر برنامج يتضمّن وقتًا لقراءة القرآن، وآخر للتّفسير، وضبط أوقات النّوم تفاديًا للسّهر المُتعب، واجتنابًا للنّوم المفرط الّذي يأكل الأوقات، ومنها التّفاهم مع الزوجة حول القضايا العامة في رمضان، مثل: صلاة التّراويح بالنسبة للزوجة اّلتي لها صغار حيث تضطر للبقاء معهم على أن تُشوّش على المصلّين، فتُعوّض ما يفوتها من صلاة القيام في البيت ولا تتهاون فيها، وترسم خطة حول مائدة رمضان وما ينبغي أن يكون فيها من ضروريات وما لا يكون من مُحسّنات لا ضرر في تركها، إذ لا يلزم الصّائم أن يأكل (البوراك مع الحساء) كلّ يوم، وذلك حفاظًا على وقت المرأة أن يضيع كلّه في المطبخ طهيًا وغسلًا للأواني، فللمرأة حظّ روحي من رمضان يجب أن تناله ولا تُضيّعه. كما ينبغي مُذاكرة الأولاد بفضل الصّيام، وتحفيز القادرين عليه، وتدريب مَن دونهم، والحرص على غرس الحقائق الرمضانية في قلوبهم من أنّه شهر العبادة وليس شهر المأكولات، وأيضًا إشعار الضيوف إذا حضروا بحقيقة رمضان لا إشغالهم بمائدتين لا يُمكن إكمال ما فيهما إلّا بضرر على الدّين أو ضرر على البدن. إمام مسجد الشهداء بوروبة