تسابق أحزاب السلطة السابقة، وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، الزمن من أجل تفادي الاندثار في الانتخابات البرلمانية والمحلية قبل نهاية العام الجاري. إذا صدقت الروايات، فإن قيادتي الأفالان والأرندي تعيشان وضعا لا تحسدان عليه، في ظل تفاقم حالة الانسداد داخل هياكلهما بسبب العجز عن إيجاد التوليفة المناسبة للخروج من الأزمة التي يعاني منها الحزبان منذ بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير الماضي. وإن استبق الأرندي عبر أمينه العام بالنيابة عزالدين ميهوبي إلى التلويح بإدخال تغييرات عميقة على الحزب وتنظيمه وهياكله، مركزيا وجهويا، من خلال الإعلان عن مشروع تغيير التسمية، وضخ دماء في المناصب القيادية، فإن حزب الأفالان يبقى جامدا لا يحرك ساكنا بسبب غياب الرؤية وروح المبادرة بسبب عزوف الكثير من القيادات عن أخذ زمام المغامرة. ومرد هذا التردد أو بالأحرى الخوف من المجهول، ردود الفعل الآتية من القواعد النضالية في الولايات، وموجة الرفض الشعبي التي تشبه كثيرا حالة الحزب في نهاية الثمانينات بعد سقوط الأفالان في مستنقع تصفية الحسابات والإقصاء لما بعد مظاهرات أكتوبر 1988. ولأنه يفتقد للقيادات الشبانية القادرة على إنقاذ ما تبقى من الحزب، وذلك بسبب حالة الفراغ القيادي وعدم الاستقرار في السلطة السابقة واضمحلال القواعد التي فرت نحو أحزاب أخرى أو اعتزلت العمل الحزبي نهائيا. وتبرز هذه المعضلة التي يغرق فيها الأمين العام بالنيابة علي صديقي، بالنظر إلى الرسائل المشفرة التي بعث بها الرئيس عبد المجيد تبون الذي ينتمي إلى الحزب بصفته عضوا في اللجنة المركزية، عندما دعا الطبقة السياسية إلى التجدد لتفادي الاختفاء، وفسح المجال أمام الشباب الذي خرج- ولا يزال- في مسيرات طيلة العام الماضي تطالب بالتغيير الجذري لمنظومة الحكم وإحداث القطيعة مع ممارسات النظام السابق وجميع رموزه. وتجسد ذلك من خلال وضع الرئيس تبون تعديل قانون الانتخابات في صدارة القوانين التي سوف يشملها التغيير، لتمكين الشباب والكفاءات، على حد قوله، من الترشح والوصول إلى المجالس المنتخبة سواء تحت مظلة حزبية أو بدونها مع التعهد بتمويل حملاتهم الانتخابية لتفادي ظاهرة بيع وشراء القوائم وتصدرها من طرف رجال المال والأعمال، بالتواطؤ مع المسؤولين المحليين وقيادات الأحزاب. وتفيد المعلومات من داخل الأفالان بأن الصراع الخفي الدائر في مجلس الأمة على رئاسة مجلس الأمة، مؤشر كبير على حالة التفكك الداخلي، على خلفية عجز القيادة الحالية عن التواصل مع رئيس الجمهورية الذي يواصل لحد الآن تجاهله لحزبه، الذي انقلب عليه في 2017، بتأييد قيادته الممثلة آنذاك من طرف جمال ولد عباس القابع في السجن بتهم تتعلق بالفساد. كما تعزو نفس المصادر زهد رئيس الجمهورية في الالتفات إلى حزبه، إلى حالة الرفض الشعبي التي لم تترك لأي من رموز الأفالان المجال للتحرك لانتشال الأفالان مما هو فيه من "انهيار وفوضى"، ولو أن بعض الأصوات تعالت مؤخرا، ومنها القيادي السابق حسين خلدون، مطالبين بإعادة الاعتبار للحزب العتيد بانتخاب قيادة جديدة وإعادة بنائه بإشراك المناضلين والإطارات الحقيقيين الذين جرى تهميشهم في السنوات الماضية من طرف السلطة السابقة ورجال الأعمال الذين كانوا يدورون في فلكها. وإذا كان الأمين العام بالنيابة للأرندي، عزالدين ميهوبي، قد حسم مسألة عقد المؤتمر الاستثنائي للبت في انتخاب قيادة جديدة، يومي 19 و20 مارس المقبل، بناء على مصادقة المجلس الوطني للتجمع وتركيبة اللجنة الوطنية لتحضير المؤتمر، فإن الأفالان يقف مترددا إلى غاية اليوم، وما إذا كان سيمسك بشهر جوان القادم أم لا، خاصة بعد أن لمح الأمين العام بالنيابة علي صديقي (الذي يشعر بالذنب بسبب قراره دعم ميهوبي في الرئاسيات الماضي)، إلى إمكانية عدم الالتزام به إذا تزامن ذلك مع استفتاء مرتقب على الدستور الجديد، وهو ما يدل على شعور بتخلي السلطة الحالية عن خدمات الأفالان، لاسيما أن استمرار وضعه الداخلي على ما هو عليه سيرهن حظوظه في التشريعيات والمحليات المسبقة القادمة، وهو ما يعني دخول ما كان يسمى بالحزب العتيد على مدى 57 عاما، مرحلة الموت البطيء، مقابل إصرار أحزاب المعارضة وبخاصة الإسلامية على احترام الآجال التي أعلن عنها الرئيس تبون مؤخرا.