شوارع خالية في إيطاليا، طوارئ في الولاياتالمتحدة، إغلاق للحدود وتعليق للرحلات الجوية بين الدول، بلدان كاملة تحت الحجر، إصابات بين مشاهير الفن والرياضة والسياسيين وحتى رؤساء الدول.. هو المشهد في العالم اليوم و"جائحة" كورونا تواصل حصد الأرواح بضراوة.. وفي بلادنا رغم البدء في عد الضحايا.. الوقت لم يحن بعد للهلع! يبدو الجزائريون وهم يتابعون خارطة تفشي الفيروس ووصوله إلى عقر دارهم مثل جمهور يتابع على شاشة السينما أحداث فيلم يصور ظهور فيروس قاتل وبشر يصارعون من أجل البقاء.. فكل الإجراءات الوقائية التي اتخذت من منع التجمعات وتأجيل الملتقيات وحتى تسجيل الوفيات لم تنجح لحد الآن في بث القلق والرعب في قلوب الجزائريين الذين لم يأخذوا الأمر بجدية لحد الآن، واجتهدوا في التنكيت والسخرية عبر مواقع التواصل، بل أكثر من ذلك اجتهدوا في استقبال "الفيروس المستورد" بالأحضان والقبل. ففي المساجد، لم يدم مفعول خطب الأئمة في صلاة الجمعة، أول أمس، لتوعية المصلين لالتزام إجراءات الوقاية والاستشهاد بالأحاديث النبوية عن حفظ النفس إلا لحظات، فالمصلون في بعض المساجد كانوا أوفياء لعاداتهم وتقاسموا الملاعق نفسها في تناول الكسكسي الذي جاد به بعض أهل الخير. وغض هؤلاء الطرف أيضا عن تأجيل أفراحهم، رغم إدراكهم أن سبب الانتشار السريع للفيروس بين أفراد العائلة التي تنحدر من البليدة كان بسبب حضورها وليمة، فلمن تقرأ زبورك يا داود، أفراحنا متواصلة وضيوفنا لن نرضى إلا استقبالهم بالقبلات الأربع، ولو كان بينهم من مناعته تحت الصفر.. ومنهم من يعالج من السرطان أو السكري أو الربو.. لا يهم أنا وبعدي الطوفان، يحدث هذا في وقت ألغت دول حتى حضور الجنائز. والمضحك المبكي أن حتى إجراء تعجيل العطلة كي يلتزم التلاميذ والطلبة بيوتهم لمنع انتشار الوباء، استقبله البعض ببهجة ولسان حالهم يردد "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فالحدائق ضاقت بزوارها، على غرار حديقة التجارب الحامة أمس السبت.. وهو سلوك في منتهى العبث والاستهتار بالنسبة للأولياء. والمثير أنه حتى الرحلات السياحية بين الولايات لا تزال مستمرة، ولِمَ لا، فنحن في عطلة ويجب ألا نفوت أي لحظة للاستمتاع، ونحن أذكى من الدول التي أغلقت المتاحف ومنعت زيارة الأماكن السياحية ونبهت مواطنيها إلى ضرورة التزام بيوتهم. المقاهي والمطاعم هي الأخرى مملوؤة عن آخرها، ولا حرج في تبادل رشفة من فنجان قهوة أو شاي أو تقاسم قضمة ساندويتش مثلما دأب الجزائريون، فكورونا لن يقتل إلا أصحاب المناعة الضعيفة.. هكذا قال الإيطاليون قبل أن يُحجروا في منازلهم ويدفنوا أمواتهم بالمئات. الوضعية الحرجة تقتضي كذلك اتخاذ الشركات قرارات شجاعة كترك العمال يمارسون أنشطتهم المهنية من منازلهم، لكن يبدو أن هذه الخطوة غير قابلة للتجسيد في الجزائر كون أغلب المؤسسات لا تزال تعتمد على أساليب تقليدية في التسيير. وبينما تتواصل اللامبالاة يبدو أن الجزائريين التزموا الجدية في أمر واحد، هو مسارعتهم للتسوق وتخزين الأطعمة في حال بلوغنا السيناريو الأسوأ. في تناقض غريب، فمادام يتوقع هؤلاء الخطر لماذا يستمر العبث؟