فرض فيروس "كورونا" على الجزائريين التزام منازلهم وتغيير نمط حياتهم "قسرا"، لكنه لم يفرض على البعض منهم الحجر، بل زادهم هذا الفيروس "الفتاك" قدرة على التأقلم مع الوضع الصعب ومواجهته باختراعات مذهلة لم يكن أحد يتوقعها، أو هكذا يبدو، فبعثت جرعات أمل في نفوس المواطنين. انتقلت الهبات التضامنية بين الجزائريين لمواجهة فيروس "كورونا"، التي كانت محصورة في جمع تبرعات ومواد غذائية وتوزيعها إلى الفئات الهشة وذوي الدخل الضعيف، باعتبارها الأكثر تضررا من تبعات الحجر الجزئي وتوقف الكثير من المؤسسات، إلى تشغيل بعض الجزائريين من أهل العلم لعقولهم ووضعها في تصرف الشعب والدولة، باختراعات لم يكن أحد يتوقعها، خاصة المستلزمات الطبية والصحية التي يحتاجها المصابون، وفي صدارتها أجهزة التنفس الاصطناعية. ولعل أكثر ما شد انتباه المواطنين اختراع جهاز تنفسي مائة في المائة من طرف شركة جزائرية، وقد اعتمدته وزارة الصناعة والمناجم رسميا من أجل البدء في التصنيع وتوزيع الأجهزة مجانا على المستشفيات. كما اكتشف الجزائريون أيضا اختراعا هاما ابتكر فيه شاب من ولاية مستغانم "جهازا تنفسيا ذكيا اصطناعيا إلكترونيا وميكانيكيا"، يقوم على دمج الهواء الطبيعي والصناعي في نفس الوقت والتحكم عن بعد في الجهاز. ومست الاختراعات أيضا الكمامات الطبية، فتوصل مبتكرون جزائريون إلى اختراع كمامة ذكية تشتغل بنظام الإنذار عن بعد، يكتشف من خلاله الطبيب أو الممرض درجة حرارة المصابين بالفيروس، ناهيك عن وسائل وقاية عديدة تنقلها لنا شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي من كل الولايات، وخاصة من طلبة جامعيين لازالوا في مرحلة الدراسة لكنهم أدهشوا الجزائريين باختراعات قوية جدا، تحتاج فعلا إلى دعم. كما خرج فريق طبي من المستشفى الجامعي لتيزي وزو أيضا بابتكار مذهل قوامه وضع نظام للاستشارات الطبية عن بعد لكشف حالات الإصابة بفيروس "كورونا"، حيث دفعت رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى شكرهم وتشجيعهم بتغريدة على حسابه الخاص في "تويتر"، كتب فيها "سعدت بمبادرة الفريق الطبي بالمستشفى الجامعي لتيزي وزو الذي نجح في وضع نظام للاستشارات الطبية عن بعد لكشف حالات الإصابة ب"كورونا"، خدمة تستحق التقدير والتشجيع، آمل الاقتداء بها لتخفيف الضغط عن المستشفيات وإراحة المواطنين، فألف تحية لكم يا أبناء الجزائر". وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون مع هذه الإبداعات، بدعوة السلطات إلى فتح الباب بعد تخطي أزمة "كورونا" لهذه القدرات العلمية، فعلق أحد رواد الفايسبوك على اختراع الجهاز التنفسي، قائلا: "يبدو أن العقل الجزائري يشتغل في الأزمات، أو أن الحاجز البيروقراطي قد زال، وظهرت مبادرات في صناعة وسائل الوقاية لدى الخواص والمخابر الجامعية وها نحن أمام اختراع، وسنخرج من الأزمة منتصرين بحول الله تعالى". ويعطي أستاذ علم الاجتماع، الدكتور نورالدين بكيس، ل"الخبر"، تفسيرا لسبب تفجر هذه الطاقات الإبداعية، موضحا أن "طبيعة الظرف الحالي (أزمة كورونا) مربكة لمنظومة الحكم، أي لكافة السلطات الصحية والتربوية والتضامنية، والمنظومة الآن في حاجة إلى جرعة تنفيذ، فنحن أمام عجز مؤسساتي جزئي متعلق بالظرف الحالي، وتحتاج المنظومة إلى مرافقة ودفع من المجتمع". وأشار بكيس إلى "تغيير في معايير التسيير بالاعتماد على استحضار الكفاءات على كافة المستويات، فالمنظومة تعطلت تقريبا أمام تبعات "كورونا"، فكان لابد من الاستحضار للكفاءات من المجتمع بهدف تخفيف الأزمة في هذا الظرف الاستثنائي"، مبرزا أن "حتى الخطاب السياسي أصبح يتخفى وراء الخطاب الطبي، نظرا لافتقاده لقدرة الإقناع". ويرى بكيس أن "الوضع الاستثنائي فرض حالة الرجوع إلى الأصل، بالاعتماد على الكفاءات في كل المستويات، فهنالك حاجة ملحة للاستعانة بها حتى التي تم إقصاؤها في وقت سابق، فاليوم لغة الكفاءات هي التي تخرجنا من الأزمة والتخفيف من آثارها، وإن طالت الأزمة لا قدر الله، فستستمر الكفاءات المهمشة وحتى المستقيلة في الظهور، فالنفسية لدى هؤلاء كغيرهم من البشر تحركهم الآن غريزة البقاء أكثر من أي مشروع سياسي آخر". ونصح بكيس بأن "تكون الأزمة فرصة اليوم لتصحيح البوصلة والتأسيس لمراجعات حقيقية لكي يتصالح المجتمع مع منظومات كان المواطن متذكرا منها ويشهر بها باستمرار، وعلى رأسها المنظومة الصحية".