قال الصحفي الجزائري المقيم بفرنسا علاء الدين بونجار بأنه لا يستبعد ان تطيح أزمة نقص الكمامات والمستلزمات الطبية في ظل تفشي فيروس كورونا برئيس الحكومة الفرنسية بعد انجلاء الجائحة، وقارن في حواره مع "الخبر" بين ادارة ألمانيا للأزمة وما قامت به فرنسا، مشيرا إلى ان ألمانيا تبقى تشكل الاستثناء، كما وقف الصحفي بونجار عند مشكلة دفن جثت الجزائريينبفرنسا خاصة الذين يحملون فقط بطاقة الاقامة، في ظل الحجر وتعليق الطيران من والى فرنسا، حيث تواجه مصير الحرق في حال لم تنقل لدفنها بالجزائر. كيف تعيشون يومياتكم في ظل تفشي فيروس كورونا خاصة وأن فرنسا مقبلة على مرحلة الذروة؟ نعيش في ظل الحجر الصحي منذ 27 مارس الماضي، وهو حجر جزئي بكامل التراب الفرنسي، أي الجامعات والمدارس والمطاعم والمتاحف مغلقة عدا محلات بيع المواد الغذائية والصيدليات والبنوك التي تبقى مفتوحة، فيما تم اعتماد العمل من البيت عدا القطاعات الحساسة، فيما اختارت مؤسسات أخرى البطالة الجزئية، حيث يبقى العامل في البيت إلى غاية عودة النشاط الاقتصادي مقابل أجر في حدود الثمانين في المائة، ولا يوجد حظر تجوال إلا في بعض المناطق في الشمال والجنوب، حيث اتخذ رؤساء بلديات ومحافظات هذا القرار. الحجر الصحي في الحقيقة ساعد في خفض عدد الحالات الخطرة ومن انتشار الفيروس، لكن الوضعية تبقى خطرة جدا حيث الوفيات في تزايد مستمر، فأعداد الحالات الخطرة يوم السبت 11 أفريل، بلغت 6838 ونحو 94 ألف مصاب بالفيروس وأكثر من 26 ألفا شفيوا من الفيروس وهذا مؤشر جيد.
ما الذي جعل فرنسا تكون أقرب إلى السيناريو الإيطالي والإسباني وليس السيناريو الألماني حيث تم التحكم في عدد الإصابات والوفيات؟ بعيدا عن المعطيات الموضوعية والعلمية، فمثلا فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، شعوبها تحب الحياة ولا يوجد بها الكثير من الصرامة مقارنة بدول الشمال مثل ألمانيا المعروف شعبها بالصرامة. وتمثل ألمانيا الاستثناء في أوروبا، هناك نحو 80 ألف مصاب، وعدد الوفيات يقدر ب1800 وفاة، أي بمعدل 1.3 في المائة، أما في فرنسا فهناك أكثر من 90 ألف مصاب لكن الوفيات بلغ معدلها ما بين 6 و7 في المائة. والسر بين النسبتين يعود إلى عدد اختبارات الكشف عن كورونا، ميركل قالت إنها ستتبع نموذج كوريا الجنوبية ووصلوا إلى حد مائتي ألف فحص يوميا وهذا عدد كبير، لأن الألمان بطبيعتهم وبتاريخهم لديهم ما يسمى باقتصاد الحرب، حيث يتم تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية والبنزين والمستلزمات الطبية والأدوية، وهذه السياسة استفادت منها ألمانيا اليوم مع جائحة كورونا، وهو ما سبب مشاكل لفرنسا التي تخلت عن هذه السياسة. هناك عامل آخر، هو سياسة دعم البحث العلمي، لا ننسى أول اختبار للكشف عن فيروس كورونا صاحبه عالم ألماني، وتم اعتماده من قبل منظمة الصحة العالمية قبل الجهاز الصيني. وعلى سبيل المثال تنفق فرنسا حوالي 50 مليار أورو سنويا من طرف القطاعين العام والخاص على البحث العلمي، في حين تخصص ألمانيا له 90 مليار أورو سنويا، لهذا تبقى ألمانيا استثناء وطريقة تعاملها مع كورونا يجب أن تدرس في معاهد الطب.
فرنسا كانت من بين الدول التي استولت على شحنات مستلزمات طبية وعلى رأسها الكمامات، هل التبريرات التي قدمتها الحكومة مقنعة وكيف تعامل الرأي العام في فرنسا مع هذه القضية؟ هناك توتر كبير لدى الدول الأوروبية ودول العالم بسبب الحاجة الكبيرة للمعدات الطبية، وهذا أدى بدول عريقة وديمقراطية بأن تتصرف برعونة وبطريقة غير أخلاقية، ففرنسا أصدرت قرارا يعطيها منذ بداية الأزمة الحق في الاستيلاء على المنتجات الطبية داخل حدودها لاستخدامها في مكافحة الفيروس. فنحن دخلنا في حالة طوارئ طبية تتيح للدولة أن تستخدم القوة وعدم احترام الأعراف والقوانين لحماية شعبها، وعلى هذا الأساس استولت على الشحنة السويدية التي كان جزء منها موجه للإسبان والإيطاليين، ورغم التدخلات الدبلوماسية ففرنسا أرجعت نصف الشحنة أي حوالي 2 مليون كمامة. وبالنسبة للرأي العام الفرنسي، لم يكن هناك تنديد كبير لأن الفرنسيين مهتمون بما يحدث في فرنسا، ولما سمعوا بما قامت به الولاياتالمتحدة بالشحنة الفرنسية التي حولتها، وجدوا الأمر عاديا أن تقوم فرنسا بنفس الشيء مع الشحنة السويدية، بالنسبة لهم تصرفت من أجل حمايتهم وكل الوسائل تصبح مباحة.
لكن كيف دولة بحجم فرنسا تجد صعوبة في تأمين الكمامات لمواطنيها؟ فرنسا تحتاج ثمانية ملايين كمامة أسبوعيا للطاقم الطبي والصحي، وتوجيه انتقادات لهذه الحكومة بسبب عدم وجود كمامات، هو في الحقيقة ليست لهذه الحكومة، لأنه عندما ظهر فيروس السارس وأنفلونزا الطيور والخنازير، اتخذت الحكومة اليمينة آنذاك في 2009 قرارا بإنشاء هيئة مختصة بالأوبئة وبالأزمات، وعليه تم تخزين مليار كمامة وعدد كبير من الأمصال والمضادات الحيوية. وكان هناك جدل كبير حول ضرورة تلقيح الجميع فظهر جدل بأن المخابر الخاصة تريد الثراء على حساب المواطنين، فجاءت الحكومة الاشتراكية بعد هذا الجدل فوجدت مخزنا كبيرا فقامت بتوزيعه على الدول الإفريقية وعلى الصين وحلت الهيئة، وقالت لو حصلت أي أزمة ستصلهم كل طلبيتهم من الصين في 24 ساعة، لكن لم يأخذوا بالحسبان أن تكون الصين مصدر المشكل. وعليه فالحكومة الحالية ليست مسؤولة لأنها جديدة، بل تتحمل مسؤولية أنها كذبت على الرأي العام ولم تقل الحقيقة، بتأكيدها أن المخزون كاف وأن الدولة لديها خبرة ومستشفيات جيدة، وكان هذا نوع من الاستهزاء والاستخفاف، لكنهم لم يأخذوا في الحسبان ما حصل. ومن بين عوامل انتشار الفيروس في فرنسا هو نقص الكمامات، وكانت هناك طواقم طبية تستقبل المرضى لكن ليس لديها الوسائل الكافية الخاصة بالتعقيم، وهذه الوضعية ستطيح برؤوس كثيرة بعد انتهاء أزمة كورونا في فرنسا، وفي رأيي إن هذه الأزمة يمكن أن تطيح برئيس الحكومة إدوارد فيليب.
الصين اكتسبت شعبية من خلال المساعدات التي قدمتها لعدة دول أوروبية في ظل أزمة كورونا، كيف ينظر الفرنسيون إلى الصين اليوم؟ الصين بالنسبة لفرنسا هي دولة قوية لها علاقة جيدة معها وفي الوقت الراهن لا يمكن أن تدخل في جدل أو تنتقد تعاملها مع فيروس كورونا لأنها بحاجة إليها. فرنسا وكل دول العالم في حاجة إلى الصين لتزويدها بالكمامات التي هي ضرورية في مرحلة لاحقة، إذا قررت الخروج من مرحلة الحجر الصحي فيمكن أن يكون هناك إجبارية ارتداء الكمامات وبالتالي لا يمكن تزويد السوق الفرنسية إلا من الإنتاج الصيني. هناك انتقادات إعلامية للصين بأنها لم تقدم ما يكفي من المعلومات حول الفيروس، لكن فرنسيا سيكون هناك ما بعد كورونا لأن وزير الاقتصاد قال إن فرنسا ستعمل على الاستقلالية عن الصين وعدم التبعية لها في الحاجيات الضرورية والمعدات الطبية.
طرح مشكل دفن المسلمين ضحايا فيروس كورونا بشدة في فرنسا، ما حدة ذلك بالنسبة للجالية الجزائرية، وهل هناك تواصل مع السلطات الجزائرية لإيجاد حل لهذا الإشكال؟ أصدرت فتوى تبيح دفن المسلمين في مقابر غير المسلمين إذا تعذر ترحيل الجثث إلى البلدان الأصلية مع استمرار غلق الحدود، وكما هو معروف في فرنسا هناك مقبرتان خاصتان بالمسلمين، وهناك ما يسمى بمربعات المسلمين داخل المقابر المسيحية، لكن هذه المربعات لا تكفي في الأيام العادية، ومع فيروس كورونا تزايد عدد الموتى، وهناك جمعيات جزائرية تتحدث عما بين مائتي وثلاثمائة جثة لجزائريين لا يحملون الجنسية الفرنسية، وهم خصوصا الذين علقوا بسبب الحجر أو الذين يملكون فقط بطاقة الإقامة، مع العلم أن الحصول على قطعة أرض للدفن تقدر حوالي خمسة آلاف أورو، ومصلحة حفظ الجثث تكاليفها مرتفعة تقدر بحوالي 200 أورو لليوم الواحد. ورئيس رابطة الكفاءات الجزائرية بالخارج، محمد بن خروف، أكد لي أنه راسل المسؤولين في الجزائر وعلى رأسهم الرئيس عبد المجيد تبون، طالبه بتخصيص طائرات شحن لنقل الجثث لحفظ كرامة الموتى الجزائريين، لأنه في حال تعذر على عائلاتهم دفع هذه التكاليف فيمكن أن تحرق جثثهم أو دفنها بأماكن مجهولة أي مقابر جماعية، وعليه فالجالية الجزائر تدعو السلطات الجزائرية التحرك وترحيل هذه الجثث ليدفنوا في بلدهم.. والرئيس تبون كان وعد بترحيل الجثث مجانا لكن لم نر شيئا إلى حد الآن.