كشف وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور عبد الباقي بن زيان، عن وضع كل الترتيبات للانطلاق في الموسم الجامعي اليوم وتحت أي ظرف بإعداد بروتوكول صحي صارم، واتباع نظام التفويج لتحقيق التباعد، وتقليص الحجم الساعي للسداسيين، على أن يتم تدارك الدروس بتمديد الدراسة الحضورية إلى غاية السادسة مساء وتعزيز التعليم عن بعد. وأضاف الرجل الأول في القطاع في حوار خص به جريدة "الخبر"، أن القطاع أمام إصلاحات عميقة انطلقت بترسانة قانونية هي قيد المراجعة والتي ستسمح بتطوير الكثير من المسارات، على رأسها الخدمات الجامعية التي سينصّب لأجلها لجنة تفكير لمراجعتها يقودها خبراء ويشارك فيها كل الفاعلين ونتائجها ستطبق بعد موافقة الطلبة، مشيرا إلى نهضة واسعة في نوعية التكوين بإبرام اتفاقيات مع مختلف القطاعات والمؤسسات والجامعات الدولية. ينطلق الموسم الجامعي الجديد اليوم، ما هي أهم الإجراءات التي وضعتها الوزارة لضمان استئناف الدراسة دون الاصطدام بمشكل انتشار عدوى فيروس كورونا في الوسط الجامعي؟ من بين التدابير والإجراءات التي اعتمدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاستئناف الدراسة في هذا الدخول الجامعي بعنوان السنة الجامعية 2020/2021، وضع بروتوكول صحي عملياتي صارم يتضمن كل التدابير الوقائية من أجل المحافظة على سلامة كل مكونات الأسرة الجامعية على مستوى المجمعات البيداغوجية ومرافق الخدمات الجامعية، وهو البروتوكول الذي تم إعداده بطريقة تشاورية وتشاركية مع مختلف الشركاء في القطاع، إضافة إلى ذلك إنشاء خلايا محلية لمتابعة الوضعية الوبائية على مستوى مؤسسات التعليم العالي وتكون من الهيئات الإدارية وممثلي الأساتذة والطلبة والعمال والأطباء ويرأسها مدير الجامعة، حيث منحت صلاحيات واسعة لمديري مؤسسات التعليم العالي وسلطة التقدير في اتخاذ الإجراءات الملائمة والمناسبة في الوقت المناسب، وبإمكانها كذلك التنسيق والتعاون مع السلطات المحلية ودون الرجوع كل مرة إلى الإدارة المركزية.
كيف ستتم الدراسة وفق الوضع الصحي؟ سيتم التعليم وفق الوضع الصحي بتفويج الطلبة في التدريس وفي النقل والإطعام والإيواء، لتفادي مظاهر الاكتظاظ على مستوى المرافق البيداغوجية والخدماتية والحرم الجامعي. وتجدر الإشارة إلى أن البروتوكول الصحي الإطار الذي جرى اعتماده لهذا الغرض، يتضمن علاوة على مسألة تفويج الطلبة وتقسيمهم في دفعات، تبني نمط مختلط في تنظيم النشاطات البيداغوجية يزاوج بين التعليم الحضوري والتعليم عن بعد وفق ثلاث سيناريوهات، حيث تركت لكل مؤسسة جامعية حرية المبادرة باختيار السيناريو الذي يتلاءم وخصوصياتها وكذا الوضعية الوبائية السائدة في المدينة التي تتواجد فيها. علما أن السلطة التقديرية تبقى لدى مدير المؤسسة في اتخاذ التدابير الملائمة، بعد استشارة الهيئات البيداغوجية والعلمية وكذا استشارة الشركاء الاجتماعيين والسلطات المحلية في إطار الخلية المحلية المنصّبة لهذا الغرض، والتي تضم علاوة على الفئات المشار إليها، ممثلين عن التنظيمات النقابية والجمعيات الطلابية وممثلين عن الخدمات الجامعية ووحدات الطب الوقائي.
ما هي الكيفيات العملية لتنظيم النشاطات التعليمية وفق النمط المختلط الذي أشرتم إليه؟ اعتمدنا التعليم التناوبي أو المختلط (التعليم عن بعد والتعليم الحضوري)، حيث سيخصص التعليم الحضوري للوحدات التعليمية الأساسية والأعمال التطبيقية المرتبطة بها، أي بما يمثل ثلثي الحجم الساعي المخصص للتعليم (16 ساعة أسبوعيا)، في حين سيخصص التعليم عن بعد لوحدات العرضية (الأفقية) والاستكشافية، أي ما يعادل (08 ساعات أسبوعيا)، وبذلك سيتم اعتماد 12 أسبوعا للتعليم في السداسي الأول، وأسبوعين لتنظيم التقييمات و15 أسبوعا بالنسبة للسداسي الثاني، يخصص أسبوعان منها للتقييمات وأسبوع واحد للدورة الاستدراكية ومداولات نهاية السنة، كما ستقلّص مدّة العطل الفصلية لفصل الشتاء والربيع، واستغلال يوم السبت وكذا تمديد الزمن البيداغوجي بالنسبة للفترة الصباحية من الساعة الثامنة صباحا إلى غاية منتصف النهار، ومن الساعة الواحدة زوالا إلى غاية الساعة السادسة بالنسبة للفترة المسائية.
ما هي الخطة البيداغوجية لتحسين التكوين وربط الجامعة بالاقتصاد الذي أصبح الفرصة الوحيدة لتوظيف ألاف المتخرجين؟ يتم هذا عن طريق مُراجعة خريطة التكوين، بما يضمن تنويع طرائق التعلّم، وإدخال أنماط جديدة للتكوين، على غرار التكوين عن بعد والتكوين التناوبي، وبما يجعل عروض التكوين متلائمة مع احتياجات التنمية ومتطلبات تهيئة الإقليم من جهة، ومتماشية مع التطورات العلمية والتكنولوجية والمهنية التي يعرفها العالم من حولنا من جهة أخرى، وضبط العلاقة مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي، من خلال إنشاء آلية للتنسيق فيما بين القطاعات، وتفعيل التواصل بين الجامعة والمؤسسة، وتعزيز التكوين والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي وربطهما باحتياجات التنمية، وفق مُقاربة قطاعية مُشتركة من أجل إرساء روابط دائمة بين كيانات التعليم والبحث والقطاعات المستعملة، في إطار مسعى يرمي إلى تفعيل البحث التطويري والتطبيقي وتثمين نتائجه والاستثمار في الابتكار. وتعزيز تشغيلية خريجي التعليم العالي، ستتدعم أكثر من خلال المسعى الهادف إلى وضع الآليات العملية التي تسمح بتحضير أطروحات الدكتوراه في المؤسسات الاقتصادية، حيث قمنا مؤخرا بتنصيب لجنة مشتركة مع كونفديرالية أرباب العمل لتجسيد هذا المسعى الذي سيسمح أيضا بوضع قانون أساسي جديد للحائز على الدكتوراه من أجل دعم تشغيليته وتيسير سبل إدماجه المهني في كل قطاعات النشاط، بدلا من أن تبقى هذه المسألة مقتصرة على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي دون سواه مثلما هو الآن.
هل هناك اتفاقيات بين قطاع التعليم العالي وقطاعات أخرى ومؤسسات لإنجاح هذا المخطط؟ هناك عدة اتفاقيات أبرمت بيننا وبين مختلف الجهات التي تضيف للقطاع، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الاتفاقيات الموقّعة مع قطاع الصناعة وقطاع المناجم وقطاع الصيد البحري والمنتجات الصيدية والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية والمجمع الصيدلاني لمؤسسة فايزر وغيرها، وتبقى الاتصالات قائمة وحثيثة مع عدد آخر من القطاعات والهيئات، بما يسمح لقطاعنا من إرساء شبكة من العلاقات والروابط القطاعية المشتركة التي سيكون لها الأثر الإيجابي على مؤسسات التعليم العالي في مجال توطيد العلاقة بين الجامعة والمؤسسة وتوسيع فضاءات التدريب والتربص لفائدة الطلبة في الوسط المهني، وكذا فتح آفاق واعدة لتحضير أطروحات الدكتوراه في المؤسسات الاقتصادية. والأمر لا يقتصر على مؤسسات داخل الوطن، بل يتعداه إلى دول العالم بانفتاح الجامعة على محيطها الدولي، وهذا بتكثيف الاتصالات مع الجامعات الأجنبية لإقامة علاقات تعاون وتبادل، وتوأمة ومشاريع وبرامج مشتركة للاستفادة من الخبرات والتجارب في المجالات العلمية والبيداغوجية، وفي مجالات الإدارة والتسيير، وكذا تفعيل برامج التبادل البيني وتنشيط التعاون والشراكة، لاسيما في طور التكوين في الدكتوراه.
دكتوراه وماستر للجميع التي أقرها رئيس الجمهورية، أحدثت ردود فعل متباينة، هل لكم أن تطلعونا كيف سيطبّق مثل هكذا قرار في ظل صعوبة تحقيقه وخاصة على مستوى التأطير؟ بالنسبة للماستر، فإن الأمر ليس جديدا على الإطلاق، ذلك أن نسبة الالتحاق بطور الماستر تصل في كثير من الأحيان 80 في المائة من الحاصلين على الليسانس، زيادة على فتح مسارات التكوين في الماستر عن بعد في عدد من الجامعات الجزائرية، مما مكن خريجي الليسانس الراغبين في الالتحاق بالماستر، بالتسجيل في هذا الطور. أما الدكتوراه فهي تمكين حاملي الماستر من المشاركة في مسابقات الالتحاق المنظمة لهذا الغرض، في ضوء مناصب التكوين المفتوحة في كل مؤسسة من المؤسسات الجامعية المؤهلة.
تعد الخدمات الجامعية محل شكوى سنوية من الطلبة رغم التحسينات المستمرة، كيف ستكون التحسينات التي تحدثتم عنها مرارا، وهل أنتم مع خيار التمويل المباشر للطلبة؟ رئيس الجمهورية سبق وأن دعا على إثر مناقشة ملف الدخول الجامعي 2020/2021 على مستوى مجلس الوزراء، إلى ضرورة الشروع في إصلاح عميق لمنظومة الخدمات الجامعية. وعليه، فإننا سنعتمد في دراسة هذا الملف الهام، على مقاربة تشاركية، حيث سيتم تنصيب لجنة تضم ممثلين عن كل الأطراف المعنية من أجل وضع رؤية لإصلاح الخدمات الجامعية، تكون شاملة في تصوّرها، تشاركية في مسعاها وتدريجية في وضعها موضع التنفيذ في المدى القصير والمتوسط، والإصلاح سيشمل الخدمات الجامعية كلها بما فيها المنح والإيواء والنقل والإطعام، وهذا بإشراك جميع الفاعلين في القطاع، من مسيرين حاليين وسابقين والشركاء الاجتماعيين والاستعانة بالخبراء، وكذا القيام بدراسات ميدانية واعتماد سبر الآراء في هذه العملية والاستطلاعات لمعرفة تصورات الطلبة وهم المعنيون بالدرجة الأولى بالخدمات الجامعية وكذلك درجة رضاهم عنها. وفي هذا السياق، سننشئ فريق تفكير، والذي سترفع نتائج أعماله إلى السلطات العليا، لكن في هذه المرحلة سنعمل على تحسين التسيير من أجل تحسين الخدمات المقدّمة للطلبة في انتظار القيام بإصلاح في العمق للخدمات الجامعية.
هل هناك مراجعة للقوانين، خاصة وأن الإصلاحات تصطدم بمراسيم قديمة؟ في مجال مراجعة العدّة التشريعية والتنظيمية الضابطة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، فإنه يجري إعداد مشاريع عدد من النصوص القانونية، وذلك بالتشاور مع كل مكوّنات الأسرة الجامعية. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالقانون الأساسي النموذجي للجامعة والمرسوم المتعلق بالتأهيل الجامعي والمرسوم المتعلق بنظام الليسانس والماستر والدكتوراه، والمشروع التمهيدي للقانون التوجيهي للتعليم العالي، الضابط لسير القطاع وتنظيمه، والذي نظرا لأهميته قدّم في نهاية شهر نوفمبر 2020 إلى الأسرة الجامعية لمناقشته وإثرائه، وهي العملية التي ستستمر إلى غاية 30 ديسمبر2020، والمرسوم التنفيذي المتعلق بالبرامج الوطنية للبحث والمتعلقة بالأمن الغذائي والأمن الطاقوي، والتي تشكل أولوية في مخطط عمل الحكومة. وفي السياق ذاته، فإنّ بلوغ أهداف الإصلاح والتطوير، لن تتحقق إلا بالتفاف الأسرة الجامعية حول أخلقة الحياة الجامعية، وأولوية تعزيز فلسفة ميثاق الأخلاقيات والآداب الجامعية، من أجل تحسين صورة الجامعة في المجتمع وحماية مكتسباتها، ووضع حدّ لكل أشكال التعسّف والتجاوز والتطرّف والعنف، حيث تم في هذا الإطار إثراء ميثاق الأخلاقيات والآداب الجامعية، وتنصيب المجلس الوطني بتشكيلته البشرية الجديدة، والذي سيعكف من خلال نشاطاته المنتظرة في تعزيز أخلقة الحياة الجامعية في إطار توطيد القيم الأخلاقية والمقاييس العلمية.