وصفالدكتور بقاط بركاني محمد، رئيس العمادة الوطنية للأطباء وعضو اللجنة الوطنية العلمية لمتابعة ومراقبة تطور فيروس كورونا بالجزائر، التسابق العالمي المحموم الجاري هذه الأيام بين مختلف الدول للظفر باللقاح المضاد لفيروس كورونا بالحرب الحقيقية، مضيفا بأن "هذه الحرب تتم تحت شعار "طاڤ على من طاڤ"، أمام أعين منظمة صحية عالمية باتت عاجزة عن السيطرة على كبرى المخابر لتأمين اللقاح لسكان الدول الفقيرة والمتوسطة". أوعز بقاط الذي أدلى بتصريح ل"الخبر"، أمس، أسباب التسابق المحموم حول اللقاح، إلى الضغوطات الكبيرة التي تستشعرها كل دول العالم بالنظر إلى المخاطر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ترتبت نتيجة طول غمر هذه الأزمة الصحية العالمية غير المسبوقة، مضيفا بأن "طابع الاستعجال الذي فرضه الوباء للعودة إلى الحياة الطبيعية في أقرب الآجال الممكنة أنتج حربا مسعورة بين مكونات المجتمع الدولي، أبانت توزيعا غير عادل للقاح من خلال إعطاء الأولوية لمواطني الدول القوية على حساب سكان الدول الفقيرة والنامية". وفي هذا السياق، اعتبر بقاط بأن "الرهان على مجمع كوفاكس (وقعت عليه 190 دولة من بينها الجزائر) الذي اعتمدته المنظمة العالمية للصحة، كإطار لتأمين اللقاح للدول الفقيرة والمتوسطة في ظل المعطيات الراهنة، خيار فاشل ستكون عواقبه وخيمة جدا في المستقبل المنظور"، معزيا ذلك إلى "عجز المنظمة العالمية للصحة في فرض استراتيجيتها على معظم المخابر العالمية، بدليل عدم تورع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعد أقوى دولة في العالم، عن الخروج من عضوية هذه المنظمة التابعة لهيئة الأممالمتحدة والمكلفة معنويا بالسهر على صحة سكان المعمورة". وأمام هذا الوضع المتأزم الموسوم بعجز واضح للمنظمة العالمية للصحة في مجابهة مخابر دواء تسعى لتحقيق الأرباح والاستثمار في أزمة صحية تتواصل منذ أزيد من سنة كاملة، لم ينف ذات المتحدث مسؤولية السلطات الوصية في الوضعية الراهنة التي تعيشها الجزائر، حيث أوضح بقاط بأنه "رغم المجهودات الكبيرة التي قامت بها الدولة لاحتواء الوباء وتحجيم الإصابات إلى الحدود الدنيا من خلال غلق كل المنافذ الحدودية وفرض الحجر الصحي وإلزام المواطنين بالتباعد الجسدي وغيرها من التدابير الوقائية الأخرى، إلا أن الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة الصحة أثبتت فشلها في تسيير هذه الأزمة، لاسيما في الشق المتعلق بتوفير اللقاح ومباشرة عملية التلقيح، إذ تم استغراق وقت طويل في التفكير في نوعية اللقاح المناسب للجزائريين، ومن ثمة تأخر كبير في طلب الدفعات المناسبة، الأمر الذي أنتج نقصا فادحا في الكميات، باعتبار أن كل ما تحصلنا عليه فعليا لحد الساعة هو 50 ألف جرعة من أصل 500 ألف جرعة تضمنها العقد الموقع مع سبوتنيك الروسية"، مضيفا بأنه "في ظل السباق المحموم على اللقاح، لم يعد أمامنا سوى الاعتماد على علاقاتنا الودية والدبلوماسية مع بعض الدول لتوفير ما أمكن من لقاح، خاصة في ظل استمرار عجز المنظمة العالمية للصحة عن مساعدة الدول الفقيرة والمتوسطة مثلما تعهدت بذلك في أوقات سابقة". من جانبه، يرى البروفيسور رشيد أوسليم، في اتصال أجراه مع "الخبر" أمس، أن "التطاحن الحاصل على اللقاح بين الدول أمر منطقي، في ظل استمرار انتشار الوباء وظهور سلالات وطفرات جديدة للفيروس"، مضيفا بأن "المخابر العالمية الكبرى هي في نهاية الأمر مؤسسات ذات طابع اقتصادي تسعى نحو تحصيل الربح، واسترجاع قيمة أموال الاستثمارات الضخمة التي أنفقتها لتأمين اللقاحات المناسبة". وحمّل أوسليم مسؤولية محدودية كميات اللقاح المحصل عليها من قبل الجزائر، إلى القائمين على تسيير هذه الأزمة الصحية، "باعتبار أن كل الدول القوية اكتشفت بأن الحل الوحيد لهذه الأزمة يكمن في التلقيح ومن ثمة سارعت منذ عدة أشهر إلى حجز طلبيات بكميات كبيرة من مختلف أنواع اللقاح لتلقيح مواطنيها، مع ضخ أموال كبيرة نظير ذلك. في حين انشغلنا نحن في التفكير الملي في اللقاح الذي يناسبنا، علما بأن جل الدول سددت النفقات بشكل مسبق، ومع ذلك لم تحصل إلا على أجزاء من الكميات التي تضمنتها عقودها المبرمة مع المخابر". وكانت المنظمة العالمية للصحة قد اعترفت ضمنيا مؤخرا بعجزها في فرض توزيع عادل للقاح يراعي حال الدول الفقيرة والنامية من المجتمع الدولي المهدد بهذا الوباء المستجد وغير المسبوق، حيث صرح المدير العام للمنظمة خلال جلسة للمجلس التنفيذي انعقدت قبل أيام، بأن "التوزيع العادل للقاحات المضادة لفيروس كورونا يمر بمرحلة خطر جدي"، محذرا من أن "العالم يمر على أعتاب فشل أخلاقي كارثي، بسبب الطرح غير العادل للقاحات، مما يجسد لبنة أخرى في جدار عدم المساواة بين من يملكون ومن لا يملكون في العالم"، في إشارة واضحة منه إلى الفارق بين الدول الغنية والفقيرة. وقد كان الاتحاد الأوروبي بدوره، قد بادر مؤخرا إلى فرض ضوابط صارمة لتصدير لقاحات فيروس كورونا المنتجة فوق أراضيه، من خلال منع تصديرها إلى خارج دول الاتحاد في أعقاب أزمة هذا الأخير مع شركة أسترازينيكا، حيث صرحت المفوضية الأوروبية بأن "حماية مواطني الاتحاد وسلامتهم هي أولوية اليوم"، مضيفة بأن "التحديات التي نواجهها لم تترك لنا خيارا آخر سوى اتخاذ هكذا إجراء".