تشن وسائل الإعلام المغربية، منذ منتصف فيفري الماضي، حملة "تضليل" واسعة على المستوى الداخلي، لإيهام مواطني المملكة أن "الجيش الجزائري اعتدى على ممتلكات مواطنين مغاربة" في منطقة العرجة الفلاحية التابعة لإقليم فيڨيڨ. في الوقت الذي تلتزم فيه السلطات المغربية الصمت كعادتها، تاركة "أدواتها الدعائية غير الرسمية تتكفل بالحملة"، ويقابله أيضا صمت رسمي من جانب السلطات الجزائرية حول هذه القضية. وكانت قضية منطقة "العرجة" الفلاحية الواقعة شمال غربي دائرة بني ونيف بولاية بشار، قد برزت في 20 فيفري الماضي، عندما سمع دوي تفجيرات كثيفة في المنطقة. وانطلقت تحريات السلطات العمومية الجزائرية حول الموضوع، ليتبين أن تلك التفجيرات وقعت في ضواحي مدينة فيڨيڨ المغربية. وادعت السلطات المغربية أن "الأمر يتعلق بتفكيك ألغام مزروعة في المنطقة". وكشفت تحريات الجانب الجزائري أيضا أن "حملة واسعة لتوسيع المزارع وتسييج الأراضي، يقوم بها فلاحون مغاربة من عرش أولاد سليمان من المناطق المجاورة لمزارع العرجة، خاصة منذ بداية السنة الجارية 2021". وكشفت مصادر محلية ببشار ل"الخبر" أن "جهات في المملكة المغربية باشرت تطهير مساحات واسعة في إقليم فيڨيڨ من الألغام المزروعة في الفترة الاستعمارية الفرنسية في إطار مخطط شال وموريس، وألغاما أخرى "جديدة" زرعها الجيش الملكي المغربي بعد احتلاله للصحراء الغربية. وهذا لتحويل مساحات واسعة إلى مناطق فلاحية لساكنة المنطقة، ولأغراض أخرى". وتدخلت السلطات الجزائرية، بعد الذي تمت ملاحظته من "احتلال مكثف من طرف فلاحين مغاربة لمساحات واسعة على ضفاف وادي زوزفانة. وقيامهم بتسييجها وغرس أشجار حديثة، مع إنجاز بنايات". وتحادثت مع نظيرتها المغربية في الموضوع. وتم تنبيه "الطرف المغربي أن منطقة العرجة شمال غربي بني ونيف تابعة لإقليم ولاية بشار. وأن الحدود البرية الرسمية بين الدولتين يفصلهما وادي زوزفانة، كما هو مرسم في اتفاقية 1972، والتي رسمتها معاهدة ترسيم الحدود بين الدولتين سنة 1992. وكان الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي تم ترسيم الحدود في عهده، قد التزم مع نظرائه المغاربة بأن "تترك الجزائر العائلات المغربية القليلة المستقرة في المنطقة بمواصلة الزراعة في منطقة العرجة"، التي تقع خلف الوادي الذي يفصل البلدية لظروف إنسانية". علما أن المنطقة صحراوية. ومعلوم أيضا أن إقليم فيڨيڨ التابع للملكة المغربية يقع في منطقة متوغلة بين الحدود الرسمية بين البلدين. ومع أن "المصالح الأمنية الجزائرية نبهت منذ تسعينيات القرن الماضي أن هذه المنطقة تحولت إلى منفذ معروف لتهريب المخدرات المغربية عن طريق الصحراء الكبرى مرورا بليبيا نحو السوق المصرية"، إلا أن السلطات المغربية لم تتخذ إجراءات. وبالعودة إلى الموضوع الجديد، علمت "الخبر" أن السلطات الجزائرية "تعاملت معه برزانة، ودون تهريج إعلامي". حيث أبلغت سلطات إقليم فيڨيڨ المغربي بضرورة التدخل، كونها كانت تعلم أن فلاحين مغاربة استولوا على أراضي موقع العرجة، ونقلوا إليها شتلات الأشجار المثمرة ومنها النخيل، وكذا مواد البناء ولم تتدخل لمنعهم. وبالنظر لعدم تدخل السلطات المغربية، تنقلت السلطات المدنية والأمنية لولاية بشار في 10 مارس الماضي إلى موقع العرجة، وطلبت من الفلاحين حمل عتادهم وأمتعتهم ومغادرة المنطقة. وأمهلتهم إلى غاية يوم الخميس 18 مارس 2021. وذكر فلاحون مغاربة في المنطقة لوسائل الإعلام المحلية أنهم تنقلوا إلى سلطات إقليم فيڨيڨ وأخبرتهم أنهم فعلا يوجدون فوق التراب الجزائري. وأضافوا أنهم تلقوا ضمانات بالتعويض. وعلى خلاف ما أشاعته وسائل الإعلام المغربية بأن أولئك الفلاحين يستغلون تلك الأراضي "أبا عن جد" وأنهم يملكون عقود ملكية تلك الأراضي. فإن الواقع يؤكد أن أراضي تلك المنطقة لم تكن إطلاقا مملوكة لمواطنين مغاربة، والدليل أن السلطات المغربية لم تستظهر أية وثيقة عرفية أو رسمية حول ذلك في مفاوضات ترسيم الحدود سنة 1972 وبعدها سنة 1992. كما تحمل المنطقة "شحنة تاريخية كبيرة" كونها كانت منطقة توقف القوافل الصاعدة من الساحل الإفريقي نحو المتوسط، وكذا موقع التقاء الحجاج قبل انطلاقهم برا نحو الحجاز، بالإضافة إلى كونها "احتضنت منذ القدم يهودا مغاربة، امتهنوا التجارة، بالنظر إلى كونها منطقة عبور مهم. ثم هجروها بعد خروج الاستعمار نحو فرنسا ثم الأراضي المحتلة". كما أنها كانت أحد مواقع انطلاق الجيش الملكي المغربي سنة 1963 في ما يعرف بحرب الرمال، عندما أراد الملك الحسن الثاني اقتطاع أجزاء من تراب الجزائر بعد أقل من سنة من انتزاعها استقلالها. ونشير إلى أن الفلاحين المغاربة في منطقة "العرجة" لم يظهروا أية "مقاومة" أو رفض للسلطات الجزائرية التي طلبت منهم مغادرة المنطقة. حيث نظموا يوم الجمعة 12 مارس الماضي مسيرة صامتة في مدينة فيڨيڨ يطالبون فيها السلطات المغربية بالتعويض. ويقابل ذلك تعالي صيحات وسائل الإعلام في المملكة المغربية التي وصفت ما قامت به السلطات الجزائرية ب"اختراق للتراب المغربي". في ظل استمرار صمت السلطات الرسمية المغربية.