وصف موقع "أورو نيوز"، اليوم الإثنين، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون ب"المنعزل"، وسط مشهد سياسي ينذر بحالة انقلاب غير مسبوقة، مع جمعية وطنية (برلمان) من دون أغلبية واضحة، حيث يتراجع معسكره بشكل حاد لصالح كل من اليسار واليمين المتطرف. في نهاية الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، فاز مرشحو ماكرون في إطار تحالف "معًا" ب 245 مقعدًا، متقدمين على الائتلاف اليساري بزعامة جان لوك ميلونشون ب 131 مقعدا وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي حقق إنجازًا تاريخيًا بحصوله على 89 مقعدا. وقد فقد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حد كبير الأغلبية المطلقة التي تتطلب 289 نائبا من أصل 577، وهو مؤشر على دخول ماكرون مرحلة صعبة من دون أغلبية مريحة خلال السنوات الخمس المقبلة في ظلّ مواجهة معارضة قوية معادية له ولبرنامجه الإصلاحي. وأعلنت مارين لوبان الإثنين من معقلها في هينين بومون في با دي كاليه شمال البلاد أنها لن "تتولى زمام القيادة" لحزبها، التجمع الوطني لتكريس نفسها لرئاسة كتلة التجمع الوطني المستقبلية في الجمعية الوطنية. قالت لوبان: " لن أتولى رئاسة الجبهة الوطنية. سوف أركز على رئاسة هذه الكتلة الكبيرة جدًا". واعتبرت لوبان أن 89 نائبا، رقما قياسيا لأن الحزب كان يراهن على دخول حوالي 60 نائبا إلى الجمعية الوطنية. الجمهوريون الذين مثلوا القوة الثانية في الجمعية المنتهية ولايتها، احتفظوا بحوالي 70 نائبًا مع حلفائهم الوسطيين، وهو رقم غير متوقع تقريبًا نظرًا لانهيارهم في الانتخابات الرئاسية. سيكون موقعهم مركزيًا في الجمعية لأن معسكر ماكرون سيحتاج إلى حلفاء للحصول على الأغلبية المطلقة. وقال زعيم الحزب كريستيان جاكوب إن الحزب الجمهوري سيظل "في المعارضة"، ولكن رئيس بلدية مو جان فرانسوا كوبيه دعا الأحد إلى "اتفاق حكومي" مع إيمانويل ماكرون، قائلاً إنه "ينتمي إلى النهج الجمهوري الصحيح لإنقاذ البلاد". وأوضح كوبيه أن "اتفاقًا حكوميًا بين ماكرون والجمهوريين سيكون حيويًا في مواجهة صعود المتطرّفين". ومن شأن تكتّل مؤلّف من نوّاب تحالف "معًا!" وحزب "الجمهوريون" بلوغ الأغلبية المطلقة. ومن بين خمسة عشر عضوا في حكومة اليزابيث بورن خسر ثلاثة وزراء رهان الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية على غرار وزيرة التحول البيئي إميلي دي مونشالأن ووزيرة الدولة لشؤون البحار جوستين بنين ووزيرة الصحة بريجيت بورغينيون. وكما جرت العادة منذ ولاية نيكولا ساركوزي، يتعهد الوزراء الذين فشلوا في انتخابهم كأعضاء في البرلمان بالاستقالة من مناصبهم. بالإضافة إلى ذلك، خسرت عدة شخصيات مركزية "ماكرونية" الأحد، ولا سيما رئيس الجمعية الوطنية المنتهية ولايته ريتشارد فيران وكذا رئيس مجموعة "الجمهورية إلى الأمام" ووزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير. واحتفظ 12 عضوًا في الحكومة بمناصبهم، بما في ذلك رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، التي تم انتخابها بصعوبة في كالفادوس بنسبة 52.46 في المائة من الأصوات. داميان آباد، رغم الاتهامات الموجهة إليه بالاغتصاب، فاز في مقاطعة لين وأعيد انتخاب جيرالد دارمانين بشكل مريح في دائرته الانتخابية في توركوان في الشمال وفاز كليمان بون بهامش ضئيل في باريس. وبالتالي يخسر المعسكر الرئاسي الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية وهو ما يقابله فقدان الرئيس إيمانويل ماكرون لمكانته كرئيس مع صلاحيات واسعة تؤمنها الأغلبية المريحة له في البرلمان منذ العام 2017. عمليًا، أمام تحالف ماكرون خياران وهما إما أن يبرم اتفاقًا مع أحزاب أخرى على غرار الاتفاقات الحكومية في ألمانيا، أو أن يتفاوض على كلّ نصّ يريد تمريره. لكن كلّما كان عدد النواب الناقصين لبلوغ الأغلبية أكبر، كلّما كانت المسألة أكثر صعوبة. ومنذ مساء الأحد، أكدت كل الأحزاب من اليسار إلى اليمين المتطرّف أنها ستتحمّل "مسؤوليتها"، ملمحةً إلى أنها لن تقف في صفوف المعارضة بشكل منهجي لعرقلة الحكومة فقط إنما ستكون منفتحةً على التفاوض. ورأت صحيفة "لوفيغارو" أن فرنسا "تقوم بقفزة نحو المجهول السياسي. زلزال في الجمعية: فرق متناحرة تثير ضجيجًا ستستقر في المجلس وتحوله إلى قدر يغلي... إن نقاشنا الديمقراطي برمّته (...) سيتأثر بشكل عميق". وكتبت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية "الرئيس المنتخب مؤخرًا بات يواجه الآن انعدام يقين بشأن التحالفات التي ينبغي تشكيلها لتبني إصلاحاته الرئيسية هذا الصيف". وأكدت صحيفة "إل باييس" الاسبانية أن "فشل إيمانويل ماكرون يبشّر بتشكيلة تصادمية جدًا في الجمعية الوطنية".