في نيويورك كما في باريس٬ في مدريد كما في بئر لحلو والرباط عادت القضية الصحراوية لتحتل الصدارة في مواضيع النقاش داخل وزارات الخارجية وسفارات الدول المؤثرة، على صفحات الجرائد وفي تقارير المراسلين الأجانب٬ ويعود هذا الحراك الدبلوماسي إلى الأسباب التالية: أولا: الخطوة الجديدة غير المسبوقة التي أقدمت عليها إدارة الرئيس بايدن، حيث سافر مساعد وزير الخارجية ليلتقي بالرئيس إبراهيم غالي وبالسلطات الصحراوية وينقل لهم اهتماما أمريكيا جديدا بعيدا عن مهاترات إدارة ترامب المنافية للشرعية وللمنطق. ثانيا: الكلمة التي ألقاها الوزير الأول الإسباني من على منصة الأممالمتحدة وأمام إسماع المنتظم الدولي والتي شدد فيها على ميثاق الأممالمتحدة ولوائح مجلس الأمن الدولي٬ ولم يتطرق بتاتا للطرح المغربي المتهافت. ثالثا: الأزمة المتفاقمة التي لم تعد صامتة بين المخزن وراعيه وحاميه الفرنسي٬ هذه الأزمة المرشحة للتصاعد إذا ما استمرت السلوكيات الرعناء والصبيانية للبنية السرية الحاكمة بأمرها في الرباط. رابعا: تأكد استحالة تجديد اتفاقيات الصيد غير القانونية بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال المغربي التي كانت توفر للمخزن غطاء مغشوشا عن اعتراف واهم بسيادة لا توجد إلا في ذهن بوريطة المهوس بالاعترافات الزائفة وبالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء. خامسا: إقدام مجموعة البريكس على دعوة الرئيس الصحراوي إلى قمة جوهانسبورغ وشعور المغرب بمرارة الخيبة والعزلة والتهميش من طرف القوى الجديدة الصاعدة في العالم. سادسا: الزيارة الأولى للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى الأراضي الصحراوية المحتلة والتي عرت أمام العالم رضوخ الاحتلال وقلة حيلته أمام الضغط الأمريك٬ وأنه لا يملك الفيتو ولا سبيل لديه لفرض الأمر الواقع. هكذا وبعد ثلاث سنوات من حرب الاستنزاف التي يشنها الجيش الشعبي الصحراوي يكتشف الاحتلال زيف الأوهام والدعاية البهلوانية التي طالما تغنى بها بوريطة وهلال حول حسم موهوم واعترافات زائفة وحل لا يوجد إلا في مخيلاتهم غير القادرة على رؤية الحقيقة الماثلة أمام أعينهم٬ حقيقة الصمود الصحراوي الملحمي الذي أثبت بما لا يدع مجالا للتشكيك أنه لا حل ممكن خارج الشرعية ولا مخرج يمكن تصوره دون تلبية مطالب الشعب الصحراوي واحترام حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال. القوى الغربية تتخلى عن المغرب رويدا رويدا وتحاول إقناعه بأن الحل الذي يدعي امتلاكه لا يلبي أدنى مقاييس الشرعية ولا يستجيب لتطلعات الصحراويين، وأنهم، أي الغربيين، أضاعوا سبع عشرة سنة طوالا في شكر ومدح اقتراح ولد ميتا وتجاوزته الأحداث٬ اقتراح أثبت فشله في تيمور وفي جنوب إفريقيا٬ بل تظهر محدوديته يوميا حتى في أوروبا وخاصة في كاطالونيا واسكتلندا. القوى القديمة تبتعد عن المغرب بينما القوى الجديدة المتمثلة في الصين والبريكس تتعامل مع الجمهورية الصحراوية وتشارك إلى جانبها في النشاطات الدولية٬ ولم يبق للمغرب إلا صديقه الصهيوني الجديد لينزويا معا في صقيع العزلة كنظامي احتلال ينتهكان الشرعية ويسرقان ثروات الشعوب وتطاردهما العدالة وتذمهما الصحافة والرأي العام٬ وبكل تأكيد سينتهيان نهاية مأساوية مثلما كان عليه الحال في كل مكان. * كاتب صحراوي