باتت مشاهد المؤثرين وهم ينقلون على المباشر حياتهم الخاصة دون فلاتر، نوعا جديدا من "التسلية السامة" في الجزائر، دون مراعاة للعواقب الأخلاقية أو النفسية، سواء على المؤثر نفسه أو على جمهوره. والأخطر أن هذه الممارسات أصبحت نموذجا يُحتذى به، مما يؤدي إلى مزيد من الاستعراض الزائف والتلاعب بالمشاعر على نطاق أوسع. فرضت ظاهرة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي وجودها أكثر في السنوات الأخيرة، إذ ثمة من يعتبرها وظيفة يمارسها البعض من أجل اكتساب الشهرة، خاصة الذين يسمون أنفسهم بالمؤثرين أو المصطلحات التي يتداولها شباب اليوم أنستغراموز، أنفيلونسوز، أو يوتيوبرز، وهناك من يرى أن المؤثرين هم من يشاركون متابعيهم مواضيع متنوعة قصد التفاعل معها واقتراح حلول بديلة لمشاكل معينة. وسرعان ما تحولت فكرة "المؤثرين" إلى ظاهرة يعتبرها البعض طريقا سهلا وسريعا للربح أو الشهرة، من خلال استخدامها لأهداف تسويقية وأيضا من خلال مشاركتهم يومياتهم على تطبيق الأنستغرام والتيك توك واليوتيوب بنشر "فلوغ" يتضمن يومياتهم ومشاركتها لمتابعيهم. وأصبح المؤثرون يشاركون حياتهم الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي وقصص عائلتهم لاستقطاب الشباب بالفكاهة والتفاهة ويسوقون أنفسهم كنماذج سهلة للإقتداء، حيث يشاركون حياتهم اليومية وأسرارهم مع المتابعين ويرسلون لهم رسائل على أساس أنه يمكن تحقيق النجاح بطرق سهلة، من خلال تصوير طريقة معيشتهم. وهو ما أصبح يؤثر على الشباب وخاصة المراهقين الذين أصبحوا يحبذون تقليدهم بشتى الطرق، فمن الضروري إدراك الشباب وخاصة المراهقين أن ما ينشر على هذه المواقع مجرد واقع افتراضي. فالمؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي قد يستمرون في تشكيل المشهد الرقمي والتأثير في حياة الناس، ولذلك يتعين على أن يكون واعيا لهذا الواقع ويستفيد منه بطريقة تعزز التواصل الإيجابي والتنمية الشخصية. وفي استطلاع قامت به "الخبر"، مع بعض المتتبعين لأخبار مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، أكد البعض أن هذا لا يمنع من وجود بعض المؤثرين الذين يقومون بصناعة محتوى هادف، تعليمي، ترفيهي، تثقيفي وحتى سياحي. فهؤلاء يقومون بتأثير إيجابي على الشباب، ويمكن الاعتماد على محتواهم كمحتوى ترفيهي أو تثقيفي للاستفادة منه، ويمكن اعتماده كبديل للمسلسلات الدرامية مثل أولئك المؤثرين الذين يحملون معدات تقنية كالكاميرا والميكروفون ذات جودة عالية، يمكنهم نقل المتابع إلى أماكن سياحية تجعل المشاهد يبقى على شاشة هاتفه طويلا للاستمتاع بالمحتوى، أو أن يقدم المؤثرون محتوى خاصا حلا لمشاكل جمهورهم، وبذلك سيكسبون ثقة متابعيهم والاعتماد على المصداقية مع جمهورهم، مما سيزيد من التفاعل مع محتواهم الإيجابي. وذكرت السيدة دلال بوجلال، شابة جامعية متزوجة حديثا، تعمل في مجال التسويق الرقمي، أن بعض المحتويات تعبر فعلا عن صفة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى جمهور واسع وتغيير سلوكياتهم وآرائهم إلى الإيجابية. ومع ذلك، تقول، أنه من الضروري أن يكون لدينا نظرة نقدية ووعي للتمييز بين المؤثرين الحقيقيين والمصداقية في محتواهم الذي يجب أن يكون فيه توازن بين قوة التأثير والشفافية. من جهة أخرى، قال السيد ناصري فارس، أستاذ في الابتدائي، أن ظاهرة مشاركة المؤثرين لقصصهم العائلية والشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أشبه بعروض الواقع التي تمزج بين الترفيه والدراما، لكنها تثير العديد من التساؤلات حول حدود الخصوصية والاستغلال العاطفي للجمهور. ويضيف أنه بينما يدعي البعض أنها نوع من الصراحة والانفتاح، إلا أنها في الواقع قد تكون وسيلة لتحقيق الشهرة السريعة أو التربح من المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات العائلية والمواقف الحساسة. وحذّر المتحدث من أن التأثير على الجمهور، خاصة الشباب، قد يكون خطيرا، إذ يخلق توقعات غير واقعية عن العلاقات العائلية والحياة الشخصية، مما يدفع البعض إلى مقارنة حياتهم الخاصة بتلك الروايات المجمّلة أو المفبركة، وإضافة إلى ذلك، يساهم هذا النمط في انتهاك خصوصية الأفراد الآخرين من العائلة، الذين قد لا يرغبون في مشاركة تفاصيل حياتهم، لكنهم يجدون أنفسهم جزءا من "عرض" غير مرغوب فيه. أما سامية عسكراتني، وهي سيدة في الخمسينات متقاعدة، قالت أنها تقضي بعض الساعات مع الهاتف النقال، غير أن ما تشاهده أصبح يفوق حدود الخيال، إذ كيف يمكن أن تكون حياة الأزواج مثلا مفتوحة على الجميع دون حذف؟ تتساءل. وتؤكد أن أبرز الجوانب السلبية لهذه الظاهرة التلاعب بالعواطف، حيث يتعمد بعض المؤثرين تضخيم المشكلات أو عرض جوانب انتقائية من حياتهم لكسب التعاطف وزيادة التفاعل. وهذا النوع من المحتوى يحول القصص العائلية إلى دراما مفتعلة، مما يجعل المتابعين وكأنهم جمهور لمسلسل مستمر بلا نهاية، حيث يعاد تدوير الأزمات والمشاكل لجذب الانتباه وتحقيق الأرباح. "يقتاتون على اختلاق فضائح أخلاقية" وترى الأستاذة صبرينة بوراوي، مختصة نفسية تربوية ومختصة في العلاج النسقي الأسري، أن العصر الرقمي لم تعد الشهرة فيه مقتصرة على المشاهير التقليديين، بل أصبحت في متناول أي شخص يمتلك هاتفا ذكيا وحسابا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث برزت ظاهرة مشاركة تفاصيل الحياة الشخصية بشكل مفرط، لدرجة أنها أصبحت مسرحا مفتوحا، وجزءا أساسيا من المحتوى الرقمي. لذا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم، وهو ما يدفع هؤلاء المؤثرين إلى مشاركة أدق تفاصيل حياتهم مع ملايين المتابعين؟ هل هي رغبة في الإلهام أم استراتيجية تسويقية مدروسة؟.
وأكدت أنه من الناحية النفسية، يميل الإنسان بطبيعته إلى مشاركة تجاربه والتفاعل مع الآخرين، لكن في حالة المؤثرين، يبدو أن الأمر تجاوز ذلك ليصبح استراتيجية مدروسة. فمشاركة اللحظات الشخصية، سواء كانت سعيدة أو حزينة، تخلق شعورا بالتقارب مع المتابعين والوصول إلى تحقيق الحاجة إلى القبول الاجتماعي. وتوضح أن التفاعل مع المتابعين، من خلال الإعجابات والتعليقات، يعتبر مصدرا للتعزيز الذاتي مما يخلق شعورا بالمكافأة ويعزز الرغبة في الاستمرار بالمشاركة. ومع ذلك، تقول أن هذا الارتباط بالمحتوى الشخصي قد يؤدي إلى تآكل الحدود بين الحياة الخاصة والعامة، مما يجعلهم عرضة للضغط النفسي والتدخلات غير المرغوب فيها من المتابعين. وأضافت الأساتذة بوراوي أن المؤثرين يسعون إلى بناء هوية رقمية تعكس صورة مثالية عن حياتهم تعزز صورتهم، كما أن القصص الشخصية أداة تسويقية قوية. فالشراكة مع العلامات التجارية تعتمد بشكل كبير على تفاعل الجمهور، مما يدفع المؤثرين إلى توظيف تفاصيل حياتهم لجعل الإعلانات تبدو أكثر "طبيعية" قائلة: "هناك دراسة أظهرت أن المنشورات التي تحتوي على قصص شخصية تحصد تفاعلا أعلى بثلاثة أضعاف مقارنة بالمحتوى التقليدي". وقالت المتحدثة أنه من السهل التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مفبرك في عالم التواصل الاجتماعي، فبينما يشارك بعض المؤثرين تجاربهم بصدق، يلجأ آخرون إلى تضخيم الأحداث أو حتى اختلاقها بالكامل من أجل إثارة الجدل وجذب المزيد من المشاهدات، معتمدين على القصص الدرامية مثل المشكلات العائلية أو الأزمات العاطفية أو حتى الفضائح الأخلاقية. وفي بعض الحالات تتطور ليصبح المؤثر أسيرا لصورة يحافظ عليها ولو كان ذلك على حساب مصداقيته أو استقراره النفسي. وأوضحت أن الظاهرة لا تخلو من المخاطر، خاصة على الشباب، حيث نواجه خطر "تشويه الواقع"، حيث تعرض نسبة كبيرة من المؤثرين حياة "مثالية" غير واقعية، مما يخلق شعورا بعدم الرضا لدى المتابعين ويثير المقارنات السلبية، ما يؤدي إلى تدني الثقة بالنفس وزيادة مشاعر القلق والاكتئاب. إضافة إلى أن هذه الظاهرة تعمل على "تآكل الخصوصية وتطبيعها"، حيث تحولت العلاقات الإنسانية إلى سلعة تعرض للجمهور تضعف الحدود بين الحياة العامة والخاصة، إضافة إلى خطر التأثير على "الهوية الاجتماعية" والخطر الأكبر هو الإدمان على متابعة المؤثرين، ما يؤدي إلى نوع من التعلق غير الصحي الذي قد يؤثر على تفاعلهم في الحياة الحقيقية. وللأسف، تواصل، أن بعض المؤثرين يستخدمون قصصا شخصية كأداة للابتزاز العاطفي واستغلال مشاعر المتابعين، لتحقيق أهداف معينة قد تؤدي إلى خلق أزمة ثقة بين المؤثر والمتابع، خاصة عندما يكتشف الجمهور أن القصص كانت مبالغا فيها أو مختلقة، بالإضافة إلى أن التعرض المستمر لمثل هذه القصص يؤدي إلى "استنزاف عاطفي" يرهق المتابع من كثرة المشاعر السلبية. نماذج عن التعامل مع المؤثرين واختتمت بوراوي أن كفار قريش كانوا يقولون قصائد تذم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، لكن لم تصل لنا هذه القصائد لأن المسلمين لم يتناقلوها ولم يعيروها اهتماما فاندثرت. وفي مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" وفي مشهد خارج عن السيناريو، سأل البطل القاضي إن كان يعرف محل قصب السكر في آخر نفق العباسية في مصر، وأخبره القاضي أنه يعرفه، فطلب منه البطل أن لا يشرب من ذلك المشروب. المقطع عادي جدا، ولكن الغريب أنه كان هناك بالفعل في آخر نفق العباسية في مصر محل قصب سكر يقدم عصيرا سيئا جد، وعندما انتشر المقطع واشتهرت المسرحية، أخذ الفضول الناس هناك لزيارة المحل الذي تحدث عنه البطل لتجربة عصيره السيء، والتأكد من أنه فعلا سيء، فانزعج صاحب المحل في البداية وكان يريد رفع قضية ضد البطل، لكنه تفاجأ بتوافد آلاف الزبائن. وبالرغم من أن الدعاية كانت سلبية، إلا أنها كانت سببا في شهرة محله وفتح عدة فروع لنفس الشراب السيئ، فالخدمة التي قدمها بطل المسرحية لصاحب المحل هي نفسها الخدمة التي نقدمها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي للأشخاص الذين يمتلكون محتوى سيئا وفاسدا، والذين جعلنا لهم قيمة في المجتمع.