استقبل المدرب نور بن زكري مكالمتنا الهاتفية بحفاوة شديدة، بعد ابتعاده عن مجال التدريب في المدة الأخيرة، بسبب ما حدث له مع فريقه الأصلي نصر حسين داي، بعدما دفعه المسيرون آنذاك إلى الانسحاب، حيث فتح لنا قلبه بالتطرق إلى عدة نقاط، أهمهما ما أصبح يسمى بالحدث وهو المنتخب الوطني، الذي قال أن حظوظه في التأهل إلى كأس إفريقيا تبقى ضئيلة جدا. أولا كيف هي أحوال السيد بن زكري وهو بعيد عن عالم كرة القدم؟ الأمور تسير على ما يرام، حاليا أنشط في مجال التجارة الذي وجدت راحتي فيه، مثلما وجدتها في أي عمل قمت به من قبل، وفضلت الانسحاب من عالم كرة القدم، بعد خيبة الأمل التي حدثت لي مع نصر حسين داي، في آخر مرة دربت فيها الفريق، وقد قررت أن تكون تلك آخر تجربة لي في عالم الكرة. وهل بإمكانك أن تذكرنا بما حدث لك مع فريق نصر حسين داي؟ لا يخفى عنكم أنني ابن النصرية، الفريق الذي قطعت فيه مشواري الكروي كلاعب، وأشرفت على تدريبه خمس مرات، لكن للأسف الشديد، هناك بعض الأطراف تسعى في كل مرة لإبعاد أبناء الفريق عنه بأية وسيلة، وما حدث لي هو أن سياسة الفريق آنذاك لم تكن تناسبني، بعدما عملت تلك الأطراف على تحطيم كل ما قمت به، فوقتها اكتشفت أنه لم تعد هناك ضرورة لبقائي وفضلت الانسحاب. لكننا علمنا أن السبب الرئيسي في مغادرتك كان سوء معاملتك لبعض اللاعبين؟ لا، أبدا فأنا لم أكن يوما ضد اللاعب الجيد، إذ كنت أطبق طريقتي في العمل، والتي جنيت ثمارها، بدليل أن الفريق كان يحتل المرتبة الأولى، وبمجرد فوزنا على مولودية الجزائر بالنتيجة والأداء "42"، انقلبت الأمور رأسا على عقب، حين بدأ بعض الغيورين من نجاحنا يتحركون لتحطيم كل شيء، وأنا شخصيا لا أقبل أبدا رؤية عملي يذهب في مهب الريح، ما جعل الانسحاب أحسن وسيلة لي، وبعدها بموسم واحد فقط سقط الفريق إلى القسم الأسفل بسبب نفس الأشخاص. ألا تفكر في العودة إلى عالم التدريب؟ لم أغلق الباب أمام العودة لكن عودتي ستكون بشروط، أولها التعامل مع أشخاص نزهاء يقدرون العمل، لكن ومن خلال متابعتي للأحداث أقول أن الأمور لن تتغير أبدا على مستوى بطولتنا على الأقل في الوقت الراهن، والأشخاص الذين يسيرون الأندية لا يفكرون سوى في الأموال والربح السريع على حساب التكوين والنتائج، كل واحد يبحث عن مصالحه، أنا لا أنتقد المدربين وإنما أقولها صراحة أني لم ألاحظ عملهم فوق الميدان، نفس الشيء بالنسبة للمسيرين. هل تقصد عملية استقدام لاعبين كبارا بمبالغ خيالية دون أن يكون المقابل فوق الميدان؟ أولا ، نحن لا نملك لاعبين كبارا، بدليل عدم تواجدهم مع المنتخب الوطني، لكنهم يبحثون عن المبالغ الخيالية والرفع من قيمتهم في سوق التحويلات لتخيب آمال المتتبعين، بمجرد دخول هؤلاء أرضية الميدان، لذلك يجب إحداث تغييرات جذرية، باتباع سياسة معقولة في التسيير، حتى نكون لاعبين ممتازين يمكن الاعتماد عليهم في أي وقت. يحدث هذا في الوقت الذي دخلت فيه بطولتنا عالم الاحتراف في أول موسم؟ هو احتراف بالاسم لا غير، من أجل الحصول على أكبر قدر من الأموال فقط، لأن الاحتراف لا يخص الأكابر فحسب، وإنما يجب الاهتمام أيضا بالفئات الشابة، التي تعاني من نقص فادح في الإمكانيات، لذلك أقول أنه لا يوجد احتراف في الكرة الجزائرية. ألم تتلق أي عرض بالعودة إلى التدريب بعد توقفك كل هذه المدة؟ لقد أتيحت لي الفرصة للعودة بعدما تلقيت بعض العروض، لكني رفضتها بلباقة، إذ لا أرى أي داع للعودة لمجرد العودة فقط، صحيح أن كرة القدم دم يسري في عروقي، لكنني لا أريد أن يتكرر لي نفس ما عشته في المدة الأخيرة. لنتحدث قليلا عن مشوارك الكروي فكيف تقيمه؟ بدأت مشوار التدريب في بلجيكا، أين أشرفت على الفئات الشابة هناك، وذلك في سنة 1978 ، وفي سنة 1982 عدت إلى أرض الوطن وأشرفت على تدريب فريق براقي، ثم نصر حسين داي، وكانت انطلاقتي الحقيقية مع شباب برج منايل عام 1985 ، وقد دربت هذا الفريق أربعة مواسم، على مرتين كانت الأمور حينها تسير على ما يرام مع الرئيس المرحوم تحانوتي. وماذا عن رصيدك من الألقاب طيلة هذا المشوار؟ أولا شاركت في صعود فريق براقي عند إشرافي عليه، ثم نهائي كأس الجزائر مع شباب برج منايل الذي أعتبره بمثابة إنجاز كبير بالنظر إلى وصول الفريق إلى هذا الدور المتقدم لأول مرة، كما كنا على وشك التتويج بلقب البطولة الوطنية، قبل أن تعود الكلمة الأخيرة إلى اتحاد الشاوية بسبب فارق الأهداف. وماذا عن الألقاب الأخرى؟ تحصلت على لقبين مع فريق اتحاد العاصمة ويتعلق الأمر بلقب البطولة عند صعود الفريق إلى القسم الأول، وكأس الجزائر عام 1999 ، ولقب البطولة مع شباب بلوزداد عام 2001 ، فضلا عن كأس المرحوم بوضياف مع شبيبة القبائل عام 1992 . يبدو أنك عشت أياما وذكريات جميلة في هذا الميدان؟ أكيد، خاصة في الثمانينات، حيث كانت الأندية تسير من قبل المؤسسات، صحيح أننا لم نكن نكسب الكثير من الناحية المادية، لكن الأجواء كانت رائعة والعمل كان أروع، وهنا لا أريد تفويت الفرصة لأقول أنني عشت أحلى أيام مشواري الكروي مع فريق شباب برج منايل. وإذا تحدثنا عن رؤساء الأندية الذين تعاملت معهم؟ علاقتي بهم كانت جيدة، وكان هناك احترام كبير بيننا، على غرار كل من عليق، حناشي، وكذلك المرحوم تحانوتي الذي كانت علاقتي به خاصة جدا، مع هذا أقول أنه لا تربطني أية علاقة حاليا برؤساء الأندية، في حين بقيت على اتصال دائم مع بعض مسيري اتحاد العاصمة ويتعلق الأمر بكل من كمال حسينة وعبدوش. ومن هم اللاعبون الذين كنت وراء بروزهم وتألقهم؟ هناك مجموعة منهم على غرار كل من ياسف، غازي، أشيو، بلقايد، أكنيوان ومؤخرا خليلي ودرارجة في نصر حسين داي. لنعد إلى الحدث الذي يشغل بال الجميع وهو المنتخب الوطني، فماذا تقول عنه؟ أظن أنه بعد رحيل المدرب رابح سعدان، مستوى الفريق الوطني انخفض، والناخب الوطني الحالي بن شيخة أمام مهمة جد صعبة، فسعدان قام بعمل جيد من قبل وكنت أدافع عنه دائما، ليس مجاملة له وإنما تقديرا مني للعمل الكبير الذي قام به، كما قلت له أنه يجب إحداث بعض التغييرات بعدم الاعتماد على اللاعب المحترف لمجرد أنه محترف فقط. وهل يعني هذا أنك ضد تدعيم المنتخب الوطني باللاعبين المحترفين؟ أنا لست ضد اللاعب المحترف، لأنه جزائري قبل كل شيء ومن حقه حمل الألوان الوطنية، لكنني ضد توجيه الدعوة للاعب محترف لا يشارك مع ناديه، لكنني أقول أنني أتفهم المسؤولين على ذلك، لأن اللاعبين عندنا يرفضون العمل ولا يبذلون مجهودات مضاعفة تجعلهم يلفتون الانتباه، رغم هذا أقول أن هناك لاعبين محليين يستحقون فعلا حمل الألوان الوطنية. رغم اعترافك بالعمل الكبير الذي قام به سعدان، إلا أنه انتقد المدربين المحليين إلى درجة غضب بعضهم منه، ألم تغضب منه أنت أيضا؟ لا أظن أن سعدان قام بتصرف مثل هذا، لأنني لا أعرفه هكذا، لكن ربما الضغط الشديد الذي كان عليه والانتقادات الكثيرة التي كان عرضة لها جعلته يفقد صوابه، لأنه تعرض إلى أمور لا يتقبلها العقل وهو ما يكون قد دفعه إلى ذلك، رغم هذا أبقى أعترف بما قام به مع المنتخب الوطني، إذ ليس من السهل قيادة الفريق إلى كأسي العالم وإفريقيا في نفس الوقت. يبدو أن العلاقة التي تربطك به جيدة، أليس كذلك؟ تربطني علاقة صداقة بسعدان، حيث بدأنا مشوار التدريب في نفس الفترة، فعندما كنت أشرف على نادي براقي، كان هو يدرب فريق تابلاط، وعملنا مع بعض في قسنطينة أين كنت أشرف على المولودية المحلية وكان هو مدربا للسياسي، صراحة هو رجل محترم وهادئ، ويملك خبرة كبيرة. وماذا عن بن شيخة؟ تنقصه الخبرة، فهو لا يملك نفس خبرة سعدان، ولا يملك أيضا خبرة ناخب وطني، إذ الأمور تختلف بين تدريب ناد ومنتخب وطني، رغم هذا نتمنى له كل التوفيق في مهمته التي ليست أبدا بالسهلة، خاصة وأن المنتخب الوطني لم يسجل معه انطلاقة موفقة، وبعد كل ما حدث فإن الناس سوف لن ترحمه في حال حدوث أي تعثر. وما رأيك في بن شيخة بعدما سبق لك التعامل معه في شباب بلوزداد؟ صراحة لم نتعامل مع بعض سوى في موسم واحد فقط، إنه شخص يحب عمله، لكنه أمر غير كاف في كرة القدم، في غياب الخبرة الكفيلة بتحقيق النتائج المرجوة. وماذا استنتجت من خلال مباراة المغرب الأخيرة؟ لو كنت مكان بن شيخة، لقلت نفس ما قاله، لأنه في مثل هذه اللقاءات لا تهم سوى النقاط الثلاث، ورغم هذا فإن المقابلة كانت متوسطة على العموم، صحيح أن المنتخب المغربي لعب بطريقة جيدة لكن دون أن يشكل أية خطورة على منتخبنا، الذي كانت تنقصه الفرص وتجسيدها، لكن مع عودة كل اللاعبين أظن أن الأمور ستتحسن. وكيف ترى حظوظ الخضر في التأهل؟ هي ضئيلة جدا، وأعتقد أن حظوظ المنتخب المغربي أوفر بكثير في التأهل، بعدما ضيع منتخبنا فرصة الفوز في إفريقيا الوسطى، وكذلك التعادل فوق أرضية ميدانه أمام منتخب تانزانيا، صحيح أن الفوز الأخير يفيد منتخبنا كثيرا من الناحية المعنوية لكنه غير كاف، خاصة وأن مقابلة العودة في المغرب سوف تكون في غاية الصعوبة. إذا تحدثنا عن الحارس شاوشي ، فماذا تقول عنه وعن تصرفاته بحكم معرفتك الجيدة لأهل برج منايل وهو واحد منهم؟ أقول أنني أعرف والده جيدا، بعدما دربته في صفوف شباب برج منايل وكان حارسا بارعا من الناحية التقنية، بل ومن أحسن الحراس في وقته، وفيما يخص ابنه فقد تعلم أساليب حماية العرين من والده، وهو رائع أيضا من الناحية التقنية، لكن جانب الانضباط يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ولا ينبغي التخلي عنه أو إبعاده، لأن المنتخب الوطني يبقى بحاجة إلى حارس بإمكانياته. ماذا تقصد من وراء قولك هذا؟ شاوشي يجب أن يتابع من الناحية النفسية، بإخضاعه إلى طبيب خاص يعرف منه أسباب تصرفاته، لأنه يرتكب في كل مرة نفس الأخطاء، وهذا التصرف كان يجب أن ينتهج معه من قبل، حتى يكون على أتم الاستعداد هذه المرة، لأنني أظن أن مشكلته نفسية أكثر من أي شيء آخر، لذلك يجب مساعدته. وهل أنت مع فكرة المدرب الأجنبي لإنقاذ المنتخب الوطني؟ أنا ضد المنتوج الأجنبي في كل شيء لأن المنتوج المحلي أحسن بكثير، وفيما يخص المدرب الأجنبي، فأنا ضد فكرة استقدامه سواء على مستوى الأندية أو المنتخب الوطني، إذ هناك خصائص على مستوى الكرة المستديرة عندنا لا يفقهها سوى الجزائري، وما يحدث مع بعض المدربين الأجانب على مستوى الأندية خير دليل على ما أقوله. يعاب على بن زكري مزاجه الصعب، فماذا تقول؟ كل ما يمكنني قوله هو أنني جدي في عملي، وما عليكم سوى أن تسألوا اللاعبين الذين سبق لي التعامل معهم، فأنا أدافع عنهم بشدة ولا أقبل منهم سوى العمل أما خارج الملعب فهم أصدقائي، وفيما يخص المعارضين لي فأقول: إن النقد البناء يساعد على التطور، وأنا لست بالشخص السيء مثلما يقول البعض، خاصة بعد الذي بدر من أحد اللاعبين مؤخرا. وما الذي بدر منه؟ تصوروا أن لاعبا من اللاعبين لا أريد حتى ذكر اسمه، تجرأ وقال أنني كنت آتي ثاملا إلى التدريبات، وهو أمر غير معقول، كما لا أقبل أن تشوه سمعتي بمثل هذه الطريقة حتى وإن كنت بعيدا عن ميدان كرة القدم، بعدما بدأت مشواري فيها وأنا أبلغ من العمر 11 سنة، وعقب قضائي أربعين سنة في هذا المجال تلطخ سمعتي بمثل هذه الطريقة. صحيح أنني ارتكبت بعض الأخطاء مثل أي إنسان، لكن لا يجب الافتراء على الناس. وبماذا تريد أن تختم؟ أنا سعيد بالمشوار الذي قطعته في كرة القدم، ومستعد للعودة في ظروف أحسن، كما أشكركم على هذه الالتفاتة إلي وأنا بعيد عن هذا العالم.