قرار استقالة بلاتر كان أمرًا متوقعًا لدى بعض المراقبين باعتبار أن تهم الفساد التي تم اكتشافها من قبل مكتب التحقيقات الأمريكية FBI كانت عاتية الرياح وستكون لها ما بعدها، ورغم أن ملفات الفساد في الفيفا الذي لم تتمكن من جعل بلاتر يخسر الانتخابات أمام الأمير الأردني علي بن الحسين ولم تجعل رجل الفيفا القوي يخسر الأصوات المؤيدة له خصوصًا في موطن قوته قاراتي أفريقيا وآسيا ولكن ملفات الفساد كانت الأكبر في تقديم بلاتر استقالته وهو الذى تمسك بمنصبة بقوة في انتخابات العام 2011 وأطلق وعدًا بانه سيتخلى عن المنصب في العام 2015، ولكنه أتى مجددًا ورشح نفسه في الانتخابات الأخيرة الأمر الذي جعل بعض مناصريه ينقلبون عليه وعلي رأسهم رئيس الاتحاد الاوربي مشيل بلاتيني. انتهاء حقبة هافيلانج بلاتر استقالة بلاتر تعني انتهاء حقبة طويلة سيطر عليها نهج البرازيلي جو هافيلانج عراب الفيفا الأول وهي الحقبة التى بدأت منذ عام 1974 حتى إعلانه تخليه عن المنصب في انتخابات عام 1998 التي أتت بخلفه وتلميذه السويسري بلاتر رئيسًا واستمر حتى الانتخابات المنتهية التي حسمها لصاحله أمام علي بن الحسين وبفارقٍ كبير في الجولة الأولى قبل أن ينسحب الأمير الأردني لمصلحة إمبراطور الفيفا في الجولة الثانية. وهي حقبة لها ما لها وعليها ما عليها من الكثير من الإيجابيات والسلبيات. الانتصار ثم الاستقالة عقب فوزه فى الانتخابات الأخيرة انتصر بلاتر على وزيرة العدل الأمريكية ومكتب التحقيق الفيدرالي وعلى رئيس وزراء بريطانيا وعلى بلاتيني رئيس الاتحاد الأوربي، وحقق عدد كبير من الأصوات كاد أن يحسم به الانتخابات من الجولة الأولى بمجموع الثلثين، ولكن يبدو أن التحالف الاوروبي الأمريكي السياسي الرياضي كان أكبر من رجل الفيفا القوي، فاجبر في النهاية على تقديم استقالة عللها بلاتر بسبب أنه لم يحظي بإجماع كل مكونات أسرة كرة القدم من إعلام وجماهير وأندية ولاعبين، ولكن باطن الأمر يشير الى أن بلاتر خير بين الإقالة أو الاستقالة. روسياوقطر وكان فوز بلاتر قد وجود تأييد كبير من قبل دولتي روسياوقطر على اعتبار أن فوز العجوز السويسري يدعم بقوة قيام مونديالي 2018 و2022 في الدولتين بعد فوزهما بالملف في انتخابات العام 2010 المثيرة للجدل. والآن فإن الدولتين تعتبران الخاسرتين باستقالة بلاتر وبات في حكم المؤكد عدم قيام مونديال 2022 في قطر مع فرضية قوية بعدم قيام مونديال روسيا. وكان بلاتر قد أوضح في تصريحات صحفية أن فوز روسياوقطر بتنظيم المونديال هو السبب الأساسي لكل الأزمات التي أثيرت الأن. الحرب الباردة بالإشارة إلى أن فوز روسيا التي رحبت بفوز بلاتر وأمريكا التي وقفت ضد ترشيح بلاتر وكانت اللاعب الأول في إجباره على الاستقالة، فإنها حرب عالمية باردة على الصعيد الرياضي بين الدولتين الأكبر في العالم. وهو صراع يمكن أن ينتهي بانتصار المعسكر الغربي الخاسر في نيل شرف تنظيم مونديالي 2018 و2022 إنجلتراوأمريكا، وهو صراع يعيد إلى الأذهان الصراع الرياضي في أوج الحرب الباردة عندما قاطعت دول المعسكر الغربي أولمبياد موسكو عام 1980 فردت عليها دول المعسكر الشرقي بمقاطعة أولمبياد لوس انجلوس عام 1984. الدور الإسرائيلي استقالة بلاتر لها سبب آخر يمكن أن يبررها وهو أن النفوذ الإسرائيلي قد توغل في الفيفا وبدأ يسيطر عليها فالرجل أعلن التصويت على لجنة تقوم بدراسة المقترح الفلسطيني ضد عنصرية إسرائيل الرياضية وعدم حرية التنقل للاعبين ليكسب عداء إسرائيل في الجمعة العمومية إلى جانب عداء أمريكاوإنجلترا، والعارفين بالسياسية والمختصين بها يعرفون مدى تأثير إسرائيل في القرار السياسي في أمريكاوإنجلترا وهو أمر يشير إلى أن استقالة بلاتر أو إجباره على الاستقالة أمر يشير إلى الكثير من السياسية والقليل من الرياضة وأن ملفات الفساد كان الذريعة التي دخل منها الأمريكان وحلفائهم إلى البيت الزجاجي في سويسرا. عودة الدور الأوروبي ذهاب بلاتر من باب الفيفا يعني الكثير والكثير جدًا في عالم كرة القدم ودخول معطيات جديدة أولها عودة الهيمنة الأوروبية على الفيفا وهو الأمر الذي ذهب مع خسارة الإنجليزي سنتالي راوس لانتخابات الفيفا عام 1974 بعد أن سيطر على عرش كرة القدم لنحو 13 عامًا، فالأوروبيون لا ينسون دومًا أن هافيلانج وخلفه بلاتر وضعا مفهوم أن كرة القدم ليس أوروبا فقط وهو أمر صرح به بلاتر علنًا قبل شهورٍ قليلة، وأن بطولات الفيفا نظمت في دول ما كان لها أن تنال هذا الشرف لولا نهج بلاتر وسلفه هافيلانج. السيطرة الأمريكية الأمر الثاني هو النفوذ الأمريكي على بيت الفيفا الذي كان تمثيل أمريكا فيه لا يتعدى تمثيل دولة أفريقية فقيرة مثل الصومال، فالجميع في برلمان الفيفا يملك صوت واحد فقط دون حق النقض، دولة مثل الصين بتعدادها الذى يفوق مليار نسمة ودولة مثل أمريكا التي تملك أكثر من 50% من الاقتصاد العالمي وقوة عسكرية عظمي مثل روسيا أو اقتصادية مثل اليابان، وحتى البرازيل سيدة كرة القدم في العالم فإن جميعهم يملك كل منهم صوت واحد وتملك دول مثل زنزبار و جزر القمر ومكاوي صوت لكل منهم وجنوب السودان العضو الأحدث في الفيفا تملك صوتًا مثلهم مثل الإنجليز مخترعي كرة القدم وسادتها كما يدعون. تغيرات كبيرة بهذه المعطيات يكون النفوذ الأمريكي قد بدأ في التوغل بقوة في بيت الفيفا وهو أمر ينذر بتغير خارطة كرة القدم للكثير من الأمور الجديدة والمفاهيم التي قد تخلط السياسية بالرياضية وهو امر حاول الفيفا تجنبه كثيرًا ورفض تدخل السياسية في كل ما هو شأن رياضي. وبغض النظر أن كرة القدم يمكن أن تكون أفضل مع الرئيس الذي سيخلف بلاتر أم ستكون أسوأ، ولكن التطور سيكون لمصلحة الذين سعوا بقوة لإزاحة بلاتر من على سدة الحكم في الفيفا.