قدّم وزير الاتصال السيد حميد قرين، أهم معالم خارطة عمل الوزارة، التي تمس مختلف الفاعلين في القطاع؛ من خلال تركيزه على المتدخلين الرئيسيين، وهم المعلنون والناشرون والصحفيون؛ إذ دعا هؤلاء إلى الانضمام لما سماه "حلقة المتشبعين بأخلاقيات المهنة" من أجل الوصول إلى "صحافة احترافية"، تقوم على نقل الوقائع والحقائق وليس على إطلاق الأحكام. كما شدّد على ضرورة تخصيص 2 بالمائة من أرباح الشركات الإعلامية لتكوين الصحفيين، مؤكدا أن الوزارة التي أرسلت تعليمة بهذا الشأن، ستتابع الموضوع. وجاءت هذه التوضيحات أول أمس بمناسبة تنظيم دورة تكوينية لفائدة مهنيي الصحافة بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، على شكل محاضرة ألقاها الصحفي الفرنسي ذو الأصول الجزائرية رشيد أرحاب، تحت عنوان "آداب وأخلاقيات المهنة". واعتبر الوزير في كلمة له خلال الندوة المتبوعة بنقاش حول أخلاقيات المهنة حضرها صحفيون من كافة الوسائل الإعلامية الجزائرية، أن إحدى وسائل بلوغ الصحافة الاحترافية يتمثل في الانضمام إلى "فضائل أخلاقيات المهنة". وعاد في السياق إلى ما ورد في رسالة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، التي وجّهها في 3 ماي الماضي للصحافة الوطنية، مذكرا بأنها حددت قواعد الصحافة المحترفة، التي تتمثل مهمتها في "الإعلام الموضوعي والتربية والتكوين وإيقاظ الضمائر، بعيدا عن الانحرافات التي يمثلها الافتراء والقذف والشتم والتشهير". وقال السيد قرين إن حلقة المنضوين تحت لواء فضائل أخلاقيات المهنة، تستجيب لثلاثة معايير مرتبطة ببعضها البعض؛ لذا فإن غياب أي طرف يُفقد هذه الحلقة ميزتها. ويتعلق المعيار الأول بالناشر، الذي يجب أن يجد طريقة للتوفيق بين المعالم الملزمة لأخلاقيات المهنة وخط تحريري يعبّر عن قناعاته، وهو ما يسمح بسلامة الخط التحريري من الانحرافات، لاسيما "الافتراء والقذف والشتم والتشهير". ويخص المعيار الثاني خط سير المؤسسة المعلنة، التي من خلال خيار إدراج إعلاناتها لدى جريدة أو أخرى، تبين خيارها الاستراتيجي لترقية صورتها. ويوضح الوزير بالقول إنه في حال تمتعت هذه المؤسسة بشروط التسيير السليم والعصري والتنافسي، فإنها ستختار فضاءات إدراج إعلاناتها في الصحافة وفقا للمزايا الأخلاقية التي تتمتع بها الصحف، وبالتالي تمنح إعلاناتها لجريدة مهيكلة، تكوّن صحفيّيها، وتمنح لهم رواتب تليق بكرامتهم، وتضمن لهم مسارا مهنيا وتغطية اجتماعية. أما المعيار الثالث فيتعلق بسلوك الصحفي، "الذي يتعين عليه أن يندمج في مسعى الاحتراف، ويسعى باحثا عن الخبر بدقة ويتجنب القذف". وهكذا اعتبر الوزير أن الناشر الفاضل والمؤسسة الفاضلة والصحفي الفاضل ثلاثية، تمكّن من إنجاح مشروع بناء "صحافة احترافية ومسؤولة" في الجزائر، وهو ما قال إنه ينقص الصحافة الجزائرية رغم كل ما تتمتع به من تعددية. وأكد ثقته في انضمام الأغلبية الساحقة من الصحفيين لهذا المشروع؛ "لسبب بسيط، هو أنه ما من صحفي أو ناشر ينكر مزايا أخلاقيات المهنة". وأعرب عن أمله في أن تتغير الأمور عن قريب؛ بتعيين السلطات واللجان والمجالس الكفيلة بضمان "الإطار الملائم لحوار بنّاء أكثر ومهيكل بطريقة أفضل في نفس الوقت، إلى جانب ممارسة جيدة لمهنة الصحافة". وفي تصريحات على هامش الندوة أشار السيد قرين إلى أن هذه الندوة نُظمت في إطار "برنامج عام موجّه للصحفيين وجميع العاملين في قطاع الاتصال"، وقال إنها تدشن سلسلة من الندوات المبرمجة في قطاع الصحافة. وأوضح أن الندوة الأولى تتعلق بضرورة احترام أخلاقيات المهنة كشرط أساسي؛ من أجل ديمومة صحافة ذات مصداقية، "وهو الأمر الذي يتعلق بالدرجة الأولى بالصحفيين ولكن أيضا بالناشرين والمعلنين". وخاطب الصحفيين الذين تجمعوا لأخذ تصريحاته قائلا: "أطلب منكم أن تكونوا موضوعيين، وأن يكون مديروكم احترافيين، ويمنحوكم أجورا جيدة ويلتزموا بالعمل المحترف والصادق... وعلى المعلن أن يتعامل بمنهجية أخلاقية". وعن سؤال حول تعليمة وجهتها وزارة الاتصال للناشرين من أجل تخصيص 2 بالمائة من الأرباح لتكوين الصحفيين، أكد السيد قرين الخبر، وقال إن الوزارة ستتابع مدى تنفيذ التعليمة، كما ستدعّم الناشرين في هذا المجال. وأكد أن الوزارة "مع الصحافة المحترفة، وتحارب الصحافة غير المحترفة... وهي مع الصحفيين الاحترافيين الذين يتمتعون بأجور جيدة وضمان اجتماعي، و100 بالمائة مع المعلنين الصادقين". وركزت المحاضرة التي ألقاها الصحفي والعضو السابق في المجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا رشيد أرحاب، الذي يحاضر في الجزائر لأول مرة، على التجربة الفرنسية في مجال ضبط وتنظيم وسائل الإعلام، لاسيما السمعية البصرية، التي يشتغل فيها أرحاب منذ 30 عاما. كما تطرق لموضوع أخلاقيات المهنة. وسمح النقاش الذي دار مع الصحفيين الجزائريين، بتسليط الضوء على جملة من المسائل، لاسيما الفرق بين الدعاية والإعلام، وطريقة تعامل وسائل الإعلام الفرنسية مع قضايا الشرق الأوسط ومسألة التمييز العنصري والصعوبات التي واجهها، وهو يعمل في المجلس الأعلى للسمعي البصري. وأهم ما أشار إليه هو تأكيده على ضرورة وعي الصحفي بأن الأهم ليس رأيه ولكن رأي المواطن، الذي يجب نقله؛ لأنه يعبّر عن الحقيقة. كما عبّر عن اقتناعه بأن أخلاقيات المهنة تنبع أصلا من أخلاق الفرد، مشيرا إلى أنه تعلّم هذه الأخلاق من "جدته". كما أكد أن فرض أخلاقيات المهنة مسار طويل الأمد، وأنه نضال على الصحفيين خوضه، من أجل التحرر من كافة أشكال التدخل والضغوط السياسية والمالية.