عندما يشعر المواطن البسيط بالظلم الشديد المسلطّ عليه من طرف الآلهة (الحكام)، لا يجد ضررا في أن يتحوّل إلى "كلب" حيث يطّبق الأوامر دون نقاش ويسعى للحفاظ على حياته حتى ولو كانت حياة كلب!. عرض المسرح الجهوي لباتنة، مسرحية "ليلة غضب الآلهة" للكاتب محمد بورحلة وإخراج جمال مرير، وهذا أوّل أمس بالمسرح الوطني الجزائري، وهو من تمثيل سمير أوجيت، صالح بوبير، عبد القادر محاملية، عز الدين بن عمر، لحسن شيبة، عبد القادر خنصال وكذا حسين موستيي وعصام تعشيت. وتبدأ أحداث المسرحية باقتحام عسكر للمنصة، ويؤدون رقصات ومن ثم يحضرون المساجين وهم أربعة إخوة يجدون أنفسهم في السجن بعد أن دخلوا المدينة في يوم منحوس، حيث أنّ المدينة لا ترضى بأن يدخلها زائر في ليلة مقدسة من الربيع المقدس ومن يفعل يسجن وهو ما حدث للإخوة الأربعة الذين أرادوا الهروب من شظف العيش نحو مدينة اعتقدوا أنّهم سيجدون فيها ضالتهم ففقدوا حريتهم. ويصاب الإخوة بالذهول حتى أنّهم لا يدرون كم من الوقت بقوا في السجن ولا لأيّ سبب سجنوا، فنراهم يركضون ويقومون بحركات جنونية ليتوقّفوا ويتّهمون بعضهم البعض بلا شيء، ويزدادون اضطرابا حتى أنّهم يقلدّون الحيوانات في أصواتها وحركاتها وبالأخص الكلب..أليست حياتهم اليوم أسوء من حياة كلب؟. وبعد سنة من المعاناة الشديدة والفراغ القاتل والأسئلة غير المتناهية، يزورهم "الفم الذهبي" رفقة معاونيه ويطلب منهم أداء طقوس معينة كي يكتشف هوية أوّل من اقتحم المدينة في الليلة المقدسة الذي نتج عنه غضب الآلهة وسيكون مصير البائس الذبح بالسكين الذهبي من طرف الكاهن الأعظم. ويرتبك الإخوة بينما لا ينكفئ أكبرهم عن الضحك فيقصى من الطقوس، باعتبار أنّ الفاعل يجب أن يكون خاليا من العيوب الجسدية والنفسية كي يكون خير قربان مقدّم للآلهة الغاضبة، ويطلب من الإخوة تسليم الفاعل ولكنهم لا يتمكّنون من اختيار الضحية إلى حين قدوم الكاهن الأعظم الذي وبعد خطاب طويل حول قرارات الآلهة التي لا تخطئ وعدلها الدائم يكشف عن المخطئ الذي هو في الحقيقة الفم الذهبي. وفي هذا السياق، يطلب الإخوة من الكاهن الأعظم إطلاق سراحهم بحكم أنه اخبرهم بتحقيق ذلك فور اكتشافه المخطئ الذي سيتعرّض للذبح ولكن هيهات هيهات، فالجميع نسي الإخوة الذين سيمضون ما تبقى من حياتهم في السجن. للإشارة، اعتمد المخرج على موسيقى صاخبة أحيانا ومفزعة أحيانا أخرى وكذا على الإنارة القوية والملوّنة في عمله هذا، كما وضع أقنعة على وجوه الحكّام سواء الفم الذهبي ومعاونيه أو الكاهن الأعظم الذي يمثل الآلهة وكأنّه أراد أن يظهر زيف ونفاق الحكام الذين يختفون وراء الأقنعة ولا يظهرون وجههم الحقيقي. كما شبّه حياة المواطنين التعساء الذين تاقوا إلى حياة كريمة بحياة الكلاب حينما سلبت منهم حريتهم وأصبحوا تحت حكم ظالم يؤمن بالخرافات ويزين الحقائق بما يشتهيه من أكاذيب، بالمقابل قد يكون نسيان الكاهن الأعظم لوعده للأخوة بإطلاق سراحهم، رمز لاهتمام السلطة بالمواطنين في وقت من الأوقات مثل الانتخابات ونسيانهم من بعدها.