انطلقت، مؤخرا، بمسرح باتنة الجهوي، التحضيرات الأخيرة لمسرحية ”ليلة غضب الآلهة”، من إخراج جمال مرير ونص للمؤلف بورحلة محمد، سينوغرافيا زعبوبي عبد الرحمان، ومن المنتظر أن تشارك في المهرجان الوطني للمسرح المحترف. تشارك في العمل مجموعة مميزة من الممثلين المسرحيين، هم سمير أوجيت، صالح بوبير، زاوي محمد الطاهر، عز الدين بن عمر، شيبة لحسن، عبد القادر خنصال، موستيري حسين وعصام تعشيت، إضافة إلى مساعد مخرج متربص لفائدة الممثلة عائشة مسعودي لصقل إمكاناتها. ويأتي العمل المسرحي الجديد تكملة لنشاطات مسرح باتنة المتواصلة، ويروي قصة أربعة إخوة زجّ بهم في زنزانة واحدة دون أن يعلموا سبب ذلك، ثلاثة منهم حائرون، يحاولون نسيان وضعهم، الأول لا يكف عن المشي، الثاني يجتهد في تمارين رياضية والثالث يغلب عليه الحزن، أما الرابع فيدندن ويترنم ويسخر، كأنه لا يعي مدى خطورة الورطة التي وقعوا فيها، فيثير بذلك حفيظة أشقائه فتتوتر العلاقة بينهم إلى درجة بعث الأحقاد القديمة بينهم. تتشابك خيوط المسرحية حين يتقدم الكاهن الأعظم نحوهم ويخطرهم بذنبهم الكبير، والمتمثل في تعديهم على أمر مقدس للغاية، بدخولهم المدينة ليلة غضب الآلهة، وبالتالي لن يشفى غليلها ويهدأ غضبها حتى يضحى بأحدهم ذبحا. لا تتوقف المعضلة هنا، بل يأمرهم الكاهن بالخضوع لفحص سحري لكشف عيوبهم، بما أن الضحية يجب أن تكون سليمة من العيوب، ويتشاورون فيما بينهم لاختيار المذنب الذي يقدم قربانا للآلهة. تتوالى المشاهد بتبادل ثلاثة إخوة الاتهام فيما بينهم، في حين يستمر شقيقهم الرابع في التهكم ويواصل تصرفاته الغريبة حتى يفاجئهم الكاهن الأعظم بالكشف عن هوية المذنب. جاء النص في فصل واحد وستة مشاهد يستقي موضوعه من الخيال دون إغفال الواقع، من خلال الإشكاليات المطروحة. يجمع النص بين المأساة والإضحاك من غير أن يكون ملهاة صرفة، كما يحاول المؤلف من جهة إبراز تعثر العقل والمنطق حال تصادمهما بالعبث، ومن جهة أخرى هشاشة الروابط الإنسانية، منها أواصر الأخوة، أمام مطلق الاستبداد، حيث لا ينفع تحليل ولا فهم ولا قرابة، إذ يوضع الإنسان في حلقة رهيبة تشل عقله، تستأصل عفويته وتنسيه الوشائج التي تجمعه بغيره وهنا تنقلب الموازين ويزداد اللبس غموضا وتعقيدا ولا مجال إلا لسطوة العبث، فيما تعتمد الحبكة على الصراع الدائر بين الشخصيات وسلسلة الأحداث الناجمة عن مواقف الشخصيات، ترسم توتر العلاقة بين الأشقاء وصعوبة الانصياع لنزوات كاهن مجنون يعتقد حقا أنه ينوب الآلهة في الأرض. تبلغ العقدة ذروتها بطلب الحكام من الأشقاء السجناء تحديد المذنب، أي قتل أحد منهم. مرحلة حل العقدة تخضع لفكرة النص المبنية على أساس العبث والاستبداد، إذ يتم الحل ويتحدد المذنب بطريقة عجيبة لم تخطر ببال السجناء، لكنها مستقاة من داخل الحدث نفسه. وتتراوح لغة العمل بين النثر والشعر الفصيح، كما تم اللجوء إلى العامية قصد إضحاك المتلقي وتحيين الحدث.