فكرة الفوضى الخلاّقة التي أنتجتها "العبقرية" الأمريكية لخدمة مصالحها عبر الحروب بالوكالة، تبدو اليوم في مرحلة متقدمة بالنظر إلى ما يجري في ربوع الوطن العربي خاصة ما جاور فلسطين السليبة من دول. فالاستعمار القديم الجديد لم يعد يتآمر مع الثورين الأسود والأحمر على الثور الأبيض كما تقول القصة العبرة، ولكنه يوفر أجواء تقاتل الثيران الثلاثة لتمرير مشاريعه في كل المنطقة ولا من يعتبر بالأحداث. فقد مر تقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي بعيدا عن الاعلام العربي والغربي الذي اشتغل فقط على الأحداث في تونس أنذاك، وها هي الأنظار تركز على غزة المحاصرة دون الالتفات إلى ما يجري في القدس الشريف من تحرشات واقتحامات تصب بالأساس في مشروع تهويده، تمهيدا لإعلان الدولة اليهودية التي أصبحت المطالبة بها اليوم جهارا نهارا، ويعني ذلك ما يعني عند المتتبعين للمشروع الصهيوني في فلسطين كحجر الزاوية ثم في المنطقة العربية برمتها. فهذه ليبيا يزيد وضعها الأمني تأزما، ومشاكلها السياسية لم يعد لها حل، بالإضافة إلى ضعف مؤسسات الدولة أمام سطوة التشكيلات المسلحة المذهبية والمناطقية، أما العراق فسائر في منحى نسأل الله ألا ينتهي بالتقسيم الذي يفتح باب جهنم على شعبه بالنظر إلى الخلافات الموجودة منها الجغرافية والسياسية والمذهبية وما إليها من توابل الفتنة التي أريد له أن يعيشها. فالعالم العربي اليوم بحاجة إلى هبّة بعيدة عن الحسابات المذهبية والطائفية والعرقية تعيد له تلك اللحمة التي يواجه بها المؤامرات الخارجية، ويطفئ بها الفتن الداخلية، وتعيده كذلك إلى قضيته الجوهرية وهي القضية الفلسطينية المترجمة في الصراع "العربي الاسرائيلي" لأنه هو سبب البلاء الذي حلّ بالعالمين العربي والإسلامي. والمطلوب اليوم إجراء عملية حسابية عكسية للحسابات الغربية بحيث تحول "الفوضى الخلاّقة" بمفهوم الغرب ومصالحه إلى "همّة بنّاءة" عند العرب والمسلمين، خاصة عند من يدركون منهم أن المواجهة مع الغرب كانت وكائنة وباقية إلى يوم الدين.