بحثا عن محاولة فهم ما يجري في مدينة غرداية من أحداث عنف سنحاول توضيح الصورة من خلال ما اطلعنا عليه من صور وروبورتاجات ومعلومات من مصادر مختلفة. تقع مدينة غرداية على بعد 600 كلم عن الجزائر العاصمة يتميز أهلها وشعبها بأنهم مسالمون وأناس منضبطون، أمازيغ يعرفون ببني مزاب يعتنقون المذهب الإباضي السني يعيش بجانبهم عرب سنة أيضا ذو مذهب مالكي مما يؤدي ذلك لتنوع في العرق والمذهب. ورغم هذا التنوع والاختلاف إلا أن العرب والمزابيين دائما ما كانوا يعيشون في توافق وسلام، لكن في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ أحداث 1989 بدأت تطفو بعض الصراعات لتكبر مع مرور السنوات خاصة في السنتين الماضيتين أين شهدت غرداية أحداثا مؤلمة في بريان أو المنيعة وهذه المرة في القراراة. ولما نريد أن نسلط الضوء على أحداث القرارم الأخيرة وما حدث من تخريب لأملاك عمومية وخاصة لم تسلم منها حتى المقابر والموتى، بالإضافة إلى تحيز بعض الجهات الأمنية الفاضح في إدارة النزاع، يتبادر للكثير أن مرد العنف سببه عروشي قبلي عشائري مذهبي طائفي مناطقي جهوي إثني عرقي لغوي سياسي. صحيح أن الأمر يبدو ذلك، لكن لو تعمقنا أكثر لنرى أن مثل هذه الحالات الصراعية الطائفية المذهبية العرقية حالة عامة جزائرية عربية إسلامية إفريقية وليست خاصة بغرداية فقط. مما يؤدي بنا إلى طرح تساؤلات عن ما يجري حقيقة من أحداث على الأرض، وإلى ماذا يرجع ذلك، ما هي العوامل والأسباب التي تقف وراء أحداث قرارة خاصة وغرداية عامة؟ للإجابة على تساؤلاتنا يمكن إرجاع مثل هذه الأحداث التي تعرفها غرداية على وجه الخصوص كما يمكن تعميمها على مختلف الأحداث التي تحدث من حين لآخر في جميع المناطق الجزائرية. 1- يمكن أن نعتبر أن أزمة المشروع الوطني سببا وعاملا من العوامل، ويتمثل ذلك انطلاقا من اعتبار التنوع مشكلة، ففي الحقيقة المشكلة والاستغراب يكمن في استخدام العنف لتحقيق مصالح معينة خاصة وأن الانتخابات على الأبواب، أو محاولة فرض هوية أحادية للوطن أو سذاجة طلب التدخل الأجنبي. إن جوهر الأزمة هو تسويق فكرة أحادية الهوية وعدم الاعتراف بتعددية انتماءاتنا مما يؤدي بنا إلى سجن أنفسنا في علب صغيرة في عالم أصبح كالقرية الصغيرة، بينما كان حريا بنا أن نستفيد من التنوع للتبادل المعيشي. 2- فشل المنظومة التربوية الاعلامية المدرسية والمسجدية والعائلية في تحضير وتوعية المجتمع ونقله من الحالة العنفية لما قبل الوطنية وما قبل الحداثة إلى الحالة السلامية الوطنية المعولمة المنفتحة على الجميع، فمثلا على المستوى السياسي لازلنا بعيدين عن بناء الدولة ولم ترضنا لا المشاريع الوطنية ولا الإقليمية ولا القومية ولا المغاربية ولا حتى الاسلامية، دون التكلم عن البناء الديمقراطي الذي أصبح هشا بعد أن استبشر الجميع بالتعددية التي جاءت بها ثورة 1988. وفي هذا السياق مازالت الكثير من القرى والأرياف والقرارة خصوصا تعاني من الثورة الزراعية الظالمة، إذ مازال الكثير من ملفات التعويض لم تسو بعد، كما أنها تعاني التهميش الاقتصادي والبيروقراطية المركزية سواء من عاصمة البلاد نحو الولاية، أو من الولاية نحو القرى الطرفية كبريان المنيعة والقرارم وغيرها. 3- بالإضافة إلى ذلك نلاحظ نوعا من حالة التعارض بين التقسيم الاثني العروشي للعمل والتقسيم الوظيفي للعمل في الجزائر، هذه المحسوبية التي أصبحت عنوانا لإيجاد عمل ومنصب في الجزائر تعتمد في الكثير من الأحيان على القبلية والاثنية في وقت كان يجب النظر للمستوى التعليمي وللكفاءة للتوظيف، مما يؤدي بالشباب إلى اللجوء لتفريغ مكبوتاتهم عن طريق استخدام العنف فشاهدنا إحراقا للمخابز والمحلات، دون إدراكه أنه سبتضرر من ذلك ولو كانت تابعة لأناس مختلفين عن مذهبه وعرقه، لغياب الوعي بضرورة التبادل المعيشي. 4- أضف إلى ذلك التغطية الإعلامية غير المهنية والمتحيزة، فالكثير من الاعلاميين يلجأون لتوظيف مثل هذه الأحداث في زيادة مبيعات ومقروئية جرائدهم وقنواتهم مما يزيد من حدة العنف وإشعال لنار الفتنة، ويتوجب المتابعة القضائية لمثل هذه الأعمال الانحرافية غير المهنية، كما أن مشكل التحكم في شبكات التواصل الاجتماعي يزيد من فرص نشر الإشاعة والتحريض على التطرف والعنف. ومهما تكن الأسباب والعوامل التي تقف وراء أحداث قرارة الأخيرة إلا أنه لا يمكن إغفال وجود أطراف تغذي وتشعل الصراع بين الفئتين لتحقيق مصالح وأهداف انتخابية سلطوية من خلال تحريك الحلقات الأضعف في الشارع الجزائري وخلق الفوضى، وما يدعم هذه الفرضية تصريح وزير الداخلية الذي قال بالحرف الواحد وجود أطراف خفية داخلية ولم يقل خارجية مثلما اعتدنا على سماعه، مما يعتبر مؤشرا قويا على الصراع القائم على مستوى هرم الدولة الجزائرية والنظام الجزائري، فهل هم المطرودون من المخابرات مؤخرا؟ أم البوليس. أم مساندي العهدة الرابعة أو معارضيها؟ في الأخير لا يسعنا القول إلا بضرورة توخي الحيطة والانتباه للخطر الذي يحوم بالبلد ومنه كشف الأعداء، وكما يقال الحروب تبدأ في العقول فلنسلحها بالوعي بخطط الأعداء لإفشالها، كما يجب أن نؤكد أن الاثنية والطائفية لم تكن أبدا مصدرا للاحتراب وإنما المصالح هي جوهر الصراعات وأن استهدام الدين والمذهب بغرض المصلحة هو ظلم لهذه العناصر أولا مما يتوجب علينا الوقوف ضد هذه الممارسات سلميا. مساهمة: بن حداد محمد / عضو بمنتدى كرة جزائرية