تستقطب منتجات الفنون التقليدية في هذا الموسم، العديد من الأشخاص الذين يبحثون عن عبق التاريخ ولمسات الفن الأصيل عبر مختلف المحلات المنتشرة في أرجاء العاصمة، وعن سر هذا الانتعاش الذي تعرفه تجارة التحف، الأدوات والأواني التقليدية، استقصت "المساء" بعض باعتها... محلات كثيرة تدعو المارة إلى التوقف أمام فنون تمتد جذورها في الماضي العريق، حيث جسدتها عصارة الذهن الفنية في شكل أدوات، تحف وأوان تقليدية ما تزال تشهد على أزمان غابرة.. فهي باختلاف أحجامها، أشكالها ومواد صنعها، تعكس صور مهن تراثية أساسها الإبداع الذي سخره الإنسان منذ الماضي البعيد لخدمة حياته اليومية، لتتحول منتجاته اليوم من أدوات للاستعمال إلى تحف للذكرى تحمل تاريخ الشعوب وبصمات الأصالة التي تبعث لدى الكثيرين الحنين إلى الماضي. ويبدو حسب المعاينة الميدانية، أن محلات منتجات الفنون التقليدية تعرف إقبالا ملحوظا مقارنة بأيام الشتاء، حيث تبقى سلعها مجرد ديكور في الواجهات يغازل العين دون الجيب، إلى حين أن يطل فصل الصيف الذي تسطع خلاله فكرة اقتناء بعض القطع ذات البصمات التقليدية منها التماثيل، اللوحات الزيتية، الشمعدانات، الحقائب الجلدية، إلى جانب الحلي، ولو أن الواقع يؤكد أن اقتناءها مرهون في العديد من الأحيان بتوافد أصحاب الذوق والمال في آن واحد، إذ لا يمكن للمواطن البسيط سوى اقتناء بعض القطع ذات الأسعار المعقولة. إشباع الفضول الثقافي للسياح ... في هذا الشأن، يقول أحد أعضاء الجمعية الوطنية للمبادلات السياحية والثقافية الدولية "نجمة" : "إن تجارة منتجات الفنون التقليدية غالبا ما تعرف موسمها الذهبي خلال شهري جويلية وأوت، حيث يكثر الإقبال من طرف السكان المحليين و المغتربين، وكذا السياح الأجانب، فهم يجدون ضالتهم من الأدوات والقطع الفنية المرغوب فيها". ويسجل محدثنا أن المغتربين والسياح عامة يبحثون عموما عن المنتوجات التي تعكس الأصالة الجزائرية بالتحديد.. ولا تتوقف رغبتهم في الاحتكاك بالماضي العريق عند هذه الحدود، بل تتعداها نحو السؤال عن تواريخ الأدوات والقطع التراثية والاستقصاء عن معاني الرموز التي تحملها، ليكون المشتري بذلك قد حمل معه تاريخ وثقافة شعب وليس شيئا ماديا فحسب". وعلى العكس من ذلك يستهوي التنقيب عن البصمات الفنية للدول الأخرى المواطنين المولعين بالاكتشاف. تراث للذكرى أو للإهداء تبرز لدى العديد من المغتربين والسياح الذين يتوافدون لزيارة الجزائر في هذه الآونة - تضيف زميلته - فكرة اقتناء هدايا للأصدقاء أو تحف للذكرى، إذ من ضمن ما يستقطب اهتمامهم، الحلي الفضية والتحف المصنوعة باليد على غرار الفوانيس، الصناديق الفضية والنارجيلة، في حين يعشق الجزائريون، لاسيما منهم المنحدرون من منطقة القبائل، اللباس والحلي القبائلية التقليدية.. كما أن هناك من يكن حبا للحقائب الجلدية والقطع المصنوعة من الخزف، وهو ما لمسناه بالفعل خلال تواجدنا ببعض المحلات. سألنا محدثتنا أيضا عن أصل المنتجات المعروضة للبيع، فذكرت بأنها تتنوع بين المحلية والأجنبية، منها الإيرانية، المصرية والتركية. طغيان المنتجات المستوردة وفي محل يوجد على مستوى شارع العربي بن مهيدي، كشف لنا البائع أن نسبة منتجات الفنون التقليدية المستوردة، لا سيما منها السورية، تطغى على نسبة المنتجات المحلية نظرا لقلة الإنتاج المحلي. مضيفا أن المغتربين والسياح يتهافتون على اقتناء القطع النحاسية، الخزفية والرملية، لكن الأمر يختلف بالنسبة للمواطنين الذين يكنون حبا للنحاس بصفة خاصة، ما يدفعهم إلى اقتناء بعض الأواني بغرض إهدائها إلى أصحاب الولائم مثل الصينيات النحاسية التي تصبح جد مطلوبة في مواسم الأفراح. ومن جهته، لم ينكر بائع آخر على مستوى نفس الشارع، وجود إقبال من طرف بعض المواطنين أو المغتربين والسياح ممن يكنون حبا لكل ما هو أصيل أو يفضلون تصميم ديكور المنزل على الطريقة التقليدية، لكنه إقبال ضعيف على حد وصفه... وبصيغة تعبر عن التحسر ذكر مستجوبنا أن تجارة بيع منتجات الفنون التقليدية التي تنتعش نوعا ما في فصل الصيف، تعرف ركودا كبيرا في سائر الأيام الأخرى، مبررا غزو المنتجات التقليدية المستوردة للمحلات بالتراجع الكبير للمنتوج المحلي الذي يكاد ينعدم.