نجاح دراسي، ختان، زفاف.. تلك هي مناسبات سعيدة يحتضنها فصل الصيف، الذي غالبا ما تتهاطل من خلاله بطاقات الدعوة للمشاركة في الأفراح والليالي الملاح، لكن طبعا الحضور ليس بالمجان، بل هو مشروط بإحضار هدية! وهذه مجموعة من الآراء حول موضوع هدية الولائم وفواتيرها ننقلها لنكشف حجم الميزانية التي تخصصها الأسرة الجزائرية خلال هذا الموسم استجابة لمتطلبات أعراف متوارثة أبا عن جد. يلاحظ الزائر للأسواق في هذه الأيام الحارة، حركة تسوق غير عادية لا يوقفها لا لهيب الحرارة ولا الخمول الناجم عنها، لكن تظل أكثر الملاحظات جلاء تهافت الناس على اقتناء هدايا المناسبات السعيدة.. ألبسة، أوان، أفرشة، تحف للديكور ومجوهرات ذهبية، هي كلها سلع مطلوبة في الأسواق والمحلات، حيث يجد المتسوقون ضالتهم من الهدايا التي لم تعد مجرد عربون محبة، إنما "تأشيرة" للدخول إلى قاعات الأفراح! وعلى لسان العديد من ربات البيوت المستجوبات، اتضح أن هدية الولائم "مشكلة" تتجدد مع كل صيف، ذلك لأن الدعوة للعرس صارت تحمل في طياتها "إزعاجا" بسبب الظروف المعيشية التي لا تسمح للكثيرين بتحمل نفقات الولائم العديدة، على حساب أجر شهري لا يلبي حتى المتطلبات الأساسية للحياة اليومية.. ولأن الأمر كذلك، فإن المواطن البسيط تجتاحه مشاعر متنوعة مع كل بطاقة دعوة تصل، إذ بين الرغبة في حضور اللقاء الاجتماعي السعيد لكسر رتابة الأيام العادية، وبين الخوف من ضريبة تتطلب ترتيبات خاصة بدءا بملابس الفرح وتسريحة الشعر وانتهاء بالهدايا التي قد تخرج من جيب مكبل بالديون. وتقر السيدة (حسناء.ب) موظفة: "اضطر للاستجابة ل 10 دعوات فما فوق كل صيف.. ومنذ يومين فقط أنفقت أكثر من 10 آلاف دج لتقديم هدايا لأحباب قصدوني من تونس الشقيقة.. أما عن هدايا الأعراس، فحدث ولا حرج بعد أن صار أصحاب الولائم يعترضون سبيل المدعو عند مدخل القاعة لانتزاع الهدية من يده وتدوين اسمه. للأسف، لقد غيرت العادات أثر الهدية في نفوس البعض، بعدما صارت بمثابة "دين" يجب إعادته إلى المهدي مع أول حفل ينظمه، وإلا امتلأ صدره بالضغينة! ... "صحيح أن الإنسان مرتبط بعلاقات إنسانية مع الأصدقاء والأحباب، لكن مع غلاء المعيشة أصبحت الهدية بالنسبة لي ضريبة تتحكم فيها عدة متغيرات منها : هل يتعلق الأمر بقريب أم لا، وما هي مكانة صاحب الوليمة في القلب؟ لأن تلبية جميع دعوات الأفراح غاية مستحيلة." استطردت نفس المتحدثة.
أستنجد بالفوائد السيدة (فضيلة. س) من ولاية بومرداس تقول: "إن زوجي المتقاعد يتكهرب لمجرد أن أطلب منه ثمن هدية الولائم، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالأقارب، ففي هذه الحالة لا يقل ثمن الهدية عن 2000 دج.. وتصوروا أن عدد الدعوات يصل أحيانا إلى 16 مناسبة! ". أما عن مصدر ثمن الهدايا فأجابت: "صراحة أنا أستنجد بما تمنحه لي ابنتي الموظفة من الفوائد التي تتحصل عليها من صندوق التوفير والاحتياط". سيدات أخريات استوقفتهم "المساء" بسوق ساحة الشهداء كانت لهن كلمة بخصوص هذا الموضوع.. محدثتنا الأولى ذكرت ما يلي: "لحضور خمس ولائم على الأقل كل صيف ندفع أكثر من 20 ألف دج، والمشكلة هي أننا في نهاية المطاف لا نجني سوى التعاليق بعد عملية »الفرز« التي تطال الهدايا !".
شد الحزام أو الاقتراض محدثتنا الثانية أشارت إلى أنها تنفق نفس القيمة عندما يتعلق الأمر بالهدايا الموجهة لغير الأقارب، في حين أن فاتورة الهدايا تفوق 40 ألف دج لما تشارك الأقارب أفراحهم. وعن طرق تدبير مصاريف الهدايا كشفت " نشد الحزام من خلال سياسة التقشف، وعندما تفشل هذه الأخير ة في الاستجابة للغاية المنشودة نضطر للاقتراض".
بعت خاتمي الذهبي أما محدثتنا الثالثة التي كانت أمام أحد محلات الأواني رفقة شقيقاتها، فصرحت بأسلوب يحمل بين طياته الكثير من الامتعاض: "قد تكون ساعة اليد هدية مواتية لتهنئة الناجحين دراسيا، لكن حفلات الزفاف مكلفة ولا يمكن أن يقل المبلغ اللازم لحضور خمس أو ست أعراس عن 30 ألف دج.. والواقع أني اضطررت في إحدى المرات لبيع خاتمي الذهبي لاقتناء ثلاث هدايا.. والآن ندمت على فعلتي التي جرت تحت تأثير الشدة". ما يحز في النفس - حسب نفس المتحدثة - هو التعاليق التي تتداول على لسان أصحاب الولائم، ففي واقعة جرت أمامي، خرجت منظمة العرس لتسأل عن ثمن طاقم معجون أحضرته إحدى المدعوات ثم عادت لتقول: "أنظروا ماذا أحضرت لي".. والمشكلة هي أنها تدرك جيدا أن زوج صاحبة الهدية عامل جد بسيط. بيع الهدايا بعد العرس! ومن الوقائع التي سجلتها محدثتنا أيضا، إقدام إحدى السيدات على بيع مجموعة من الهدايا غير المرغوب فيها بعد انقضاء العرس.. وهو سلوك لا يعترف بالمثل القائل : "الحجرة من عند لحبيب تفاحة". وتستنكر الشاهدة مثل هذه التصرفات قائلة: "إن العيب عموما يكمن في عامة الناس الذين وافقوا بذهنياتهم السلبية على تفشي ظاهرة التحقير من شأن الهدايا، فالبعض ورغم تدني مستواهم المعيشي، يكلفون أنفسهم ما لا طاقة لهم به من أجل إحضار هدايا تضاهي في السعر هدايا المقتدرين ماليا، استجابة للرغبة في التفاخر واتباعا لما تفرضه المظاهر، رغم أن ديننا الحنيف لا يكلف النفس إلا وسعها".
ضرورة الثورة ضد الأعراف وفي هذا الإطار، أجمع مستجوبونا على ضرورة الثورة ضد الأعراف التي جعلت حضور الأعراس مرهونا بضريبة ثقيلة و"بموافقة الجميع". داعين إلى تطليق العادات السيئة التي حولت الهدية من رمز للمحبة إلى وسيلة لنشر الحقد، من منطلق أنه لا ينبغي للأعراف أن تتحكم في سلوكاتنا على حساب الضوابط الشرعية.. والحل هو أن يدرك صاحب الوليمة بأنه لا وجود لقوانين شرعية و لا وضعية تفرض أن تكون الهدية على مزاجه، وأن الناس يتفاوتون في هداياهم بسبب إمكانياتهم..وعلى الناس عامة أن لا يكلفوا أنفسهم بدفع مبالغ لا يملكونها لاقتناء الهدية.. فلم التصنع والتكلف؟