يعترف العديد من مجاهدي الرعيل الأول بمنطقة الأوراس، أن "دشرة أولاد موسى" الواقعة أسفل جبل، إيشمول بولاية باتنة، والتي كان لها شرف احتضان لقاء توزيع الأسلحة ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 بحضور الشهيد مصطفى بن بولعيد، ستبقى الشاهد الحي على عبقرية ثورة، وأكد المجاهد عمار بن شايبة، المدعو علي، الذي نجا بأعجوبة من حادثة المذياع الملغم التي استشهد فيها مصطفى بن بولعيد، كما يعد من المجاهدين الأوائل الذين عايشوا التحضيرات المبكرة للثورة التحريرية في تصريح حصري ل(وأج)، بأن اختيار دشرة أولاد موسى لهذا اللقاء التاريخي كان اضطراريا وتم في آخر لحظة. نفى المجاهد قطعيا أن يكون بن بولعيد هو من اختار هذا المكان، حيث قال؛ "إن الاتفاق تم في لقاء لقرين الشهير في منزل المناضل بن مسعودة عبد الله، على الطريق الرابط بين الشمرة وبولفرايس بباتنة، يوم 20 أكتوبر، على أن يكون الاجتماع في منزل أحد المناضلين الذين يشرف عليهم الطاهر نويشي، الذي كان آنذاك مسؤولا على منطقة بوعريف". وأضاف أن "يومها، حضر بن بولعيد اللقاء رفقة عدد من المجاهدين، منهم شيحاني بشير وعاجل عجول وعباس لغرور ومصطفى بوستة وآخرون"، مذكرا بأن المكان الذي يقع في منطقة تيغزة بعرش أولاد لحدادة، شمال غرب جبل إيشمول، محصن ولا خوف فيه على الرجال والسلاح، "حتى وإن اكتشف العدو سرنا، سنكون في لمح البصر وسط الجبال وسنبدأ الثورة في الحين". لكن القرار المفاجئ للمناضل بتيغزة، برفض احتضان منزله للقاء الذي هيئت كل الترتيبات على أساسه قبل رحيل بن بولعيد إلى الجزائر العاصمة "اضطررنا بعد أن أخبرني الطاهر نويشي بالأمر، إلى أن نختار بيت العائلة (منزل الإخوة بن شايبة) في دشرة أولاد موسى، ليكون مكانا للقاء، لأن الخيار الثاني الذي كان أمامنا، أي منزل المجاهد من الرعيل الأول بعزي علي بن لخضر، لم يكن صائبا، حيث تم في الأول إخفاء السلاح، بينما كان الثاني صغيرا ومكشوفا". وأضاف؛ "سارت الأمور بعد ذلك كما تم التخطيط لها ولم نؤخر الموعد، لأن أب الثورة أوصانا أن نكون في أوقات الشدة كلنا بن بولعيد، ونتحمل المسؤولية، وكنا قبيل الفاتح من شهر نوفمبر 1954 بحوالي 5 أيام 4 فقط، على علم بتغيير مكان اللقاء أنا وابني عمي بن شايبة بلقاسم بن محمد الشريف وبن شايبة علي بن بوبية وكذا بعزي علي بن لخضر، لنخبر بعدها عاجل عجول الذي كان حينها في تكوت". ذكر هذا المجاهد الذي يبلغ من العمر حاليا 92 سنة، بأن بن بولعيد ابتهج بالقرار لما عاد من العاصمة، لكنه اعترف بأن في الواقع لو كان بن بولعيد حاضرا وقتها لما قبل بالمكان، رغم أن موقعه إستراتيجي ويضم 3 أفنية كبيرة و20 غرفة. سرية تامة أحاطت اللقاء التاريخي بالدشرة ذكر كل من التقتهم ‘وأج' من المجاهدين الذين حضروا ذلك اللقاء التاريخي الذي تم فيه توزيع الأسلحة على الطلائع الأولى التي فجرت الثورة التحريرية، ليلة الفاتح نوفمبر 1954 في دشرة أولاد موسى، بأن كل من دخل دار الإخوة بن شايبة، لا يخرج منها إلا بأمر من مصطفى بن بولعيد. ويروي محمد بيوش بن عمر الذي عاد بذاكرته ب60 سنة إلى الوراء، قائلا؛ "التقينا ليلة 30 أكتوبر وكنا 3 مجموعات؛ الأولى أتت من كيمل والثانية من جبل الهارة والثالثة من المنطقة المطلة على جبل تفرنت أولاد عيشة، وهي التي قادتنا إلى منزل بعزي علي بلخضر الذي أصبح دليلنا لمخبأ الأسلحة التي حملناها في ستر الله ودخلنا بها إلى دشرة أولاد موسى". وأضاف المتحدث؛ "بقينا طيلة يوم 30 أكتوبر ننظف الخراطيش، فيما خصصنا يوم 31 أكتوبر لتنظيف الأسلحة، وفي نهاية اليوم، أطل علينا بن بولعيد الذي كان مصحوبا بشيهاني بشير وعاجل عجول ومصطفى بوستة وعزوي مدور، وكانت ساعة الصفر قد حانت وعلمنا بأن موعد الثورة حان". من جهته، روى المجاهد صوالح محمود المدعو زروال (84 سنة) بأنهم وحدهم رؤساء الأفواج من كانوا على علم بموعد الثورة دون باقي المجاهدين الذين ظلوا يجهلون هذا التاريخ إلى آخر لحظة، عندما ظهر بن بولعيد ورفاقه ليخطب في الأفواج ال13 ويوزّع السلاح عليهم. "تعاهدنا ألا نتراجع حتى نحرر الجزائر أو نموت" كانت هذه هي الكلمات التي عاهدنا بها بن بولعيد ونحن متشابكي الأيادي، قبل أن نتوجّه إلى الهدف المحدد لنا ليلة الفاتح نوفمبر 1954، بعد اجتماع دشرة أولاد موسى، "أتذكر جيدا يقول المجاهد بيوش أننا رددنا عبارة ‘عهد ربي لا نتراجع ولا نرجع إلى الوراء حتى نحرر الجزائر أو نموت' وراء بن بولعيد الذي علِمنا بعد ذلك أنه رددها مع كل فوج على حدة". وتؤكد شهادات مجاهدين، أن أب الثورة الجزائرية أراد التركيز على مواقع العدو بمدينة باتنة ليلة الفاتح نوفمبر 1954، وتوجيه ضربات عديدة في آن واحد للمستعمر في عاصمة الأوراس، وذكر بن شايبة أن بن بولعيد خصص 7 أفواج لباتنة، تضم حوالي 70 مجاهدا، لكن عدم وصول الشاحنة المكلفة بنقلهم إلى المنطقة في وقتها المحدد حال دون ذلك، لينتقل إلى المدينة فوجان فقط؛ الأول بقيادة قرين بلقاسم والثاني بإشراف بعزي علي بن لخضر. ويذكر المجاهد محمد جرمون بأن عددا كبيرا من المجاهدين تنقّل إلى مناطق تنفيذ العمليات مشيا على الأقدام، فمنهم من تمكن من الوصول في الوقت، ومنهم من تأخر، لكن البارود دوى في تلك الليلة المباركة، معلنا عن ميلاد ثورة كلّلت باستقلال الجزائر.