يبدو أن التغييرات التي أحدثتها وزيرة الثقافة، نادية لعبيدي في قطاع السينما على وجه التحديد في إطار نظرتها لتسيير القطاع قد أسفرت قبل انقضاء سنة 2014 على عديد المفاجآت، وهو ما كشفه التقرير الأخير لمجلس المحاسبة، والذي يضع الكثير من المسؤولين والمنتجين السينمائيين في قفص الاتهام والمحاسبة أمام نادية لعبيدي من جهة، وأمام وزارة المالية من جهة أخرى. وذلك على خلفية الأرقام التي رصدها تقرير مجلس المحاسبة الذي يكشف الفساد المالي الذي نخر قطاع صناعة السينما لسنوات طويلة. ورغم توقيع الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي على أغلب المشاريع السينمائية التي تم تقديمها قبل انقضاء 2014، إلا أن حصة الأسد من الاتهامات طالت هذه الهيئة التي وصفها تقرير مجلس المحاسبة بسوء التسيير وخرق الجداول المالية المنصوص عليها في القانون المتعلق بنظام المحاسبة المالية، حيث أهملت جدولة المخصصات المالية لإنجاز عدد من الأفلام، كما لم تقم بأي عمل رقابي من طرف مصالح الآمر بالصرف من أجل الاستعلام عن استعمال الأموال كما هو منصوص عليه في القانون. كما أدان التقرير إصرار هيئة ”الإشعاع الثقافي” على تمويل المنتجين الذين لم يحترموا الآجال التعاقدية، ويتعلق الأمر بأحد عشر فيلما معنيا بهذا التمويل الذي وصل مبلغه الإجمالي خلال سنة واحدة إلى 22 مليون دينار جزائري، و هو ما كانت وزيرة الثقافة نادية لعبيدي قد أكدت بشأنه في ردها منذ أسابيع على أسئلة المجلس، أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية في إطار إلزام الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي برفع تقرير استعجالي حول تمويل تلك المشاريع السينمائية. بالمقابل، كان للمنتجين السينمائيين نصيبهم أيضا من المساءلة ضمن نفس التقرير الذي يجعلهم تحت طائلة الاتهام في حال عدم إرجاع أموال دعم الأفلام. ويأتي المخرج والمنتج ”عبد الكريم بهلول ” في مقدمة السينمائيين المطلوبين للمحاسبة فيما يتعلق بإنتاج فيلم ”رحلة إلى الجزائر” الذي أنتج سنة 2007، وقد قررت وزارة الثقافة مطالبته باسترداد مبلغ الدعم المالي الممنوح له في إطار سياسة الدولة لدعم السينما وذلك بناء على قرار المديرية المركزية المكلفة بالسينما والتي تقوم بمتابعة الآجال المنصوص عليها في الاتفاقية المبرمة بين الوزارة والمنتج. كما أدرج ذات التقرير اسم المخرج والمنتج أحمد راشدي ضمن أسماء المتخلفين عن مواعيد الاتفاق وذلك بعد تجاوز الآجال على غرار أفلام ”العقيد لطفي” و«كريم بلقاسم”، وكذا فيلم ”سركاجي” و«لامبيز”. كما يقف منتج فيلم ”العربي بن مهيدي” بدوره أمام مساءلة الوزارة حيث كان من المنتظر أن يقدم الفيلم للعرض في ربيع السنة المقبلة فيما يؤكد تقرير وزارة الثقافة بان الفيلم لم يدخل مرحلة التصوير وذلك على خلفية تأخر الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي عن دفع ال42 بالمائة من مبلغ إنتاج الفيلم. وذكرت وثيقة مجلس المحاسبة أن وزارة المجاهدين رصدت مبالغ لصالح المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية من أجل إنجاز 10 أفلام حول الثورة، غير أنه لم يتم تقديم سوى ثلاثة أفلام من مجموع العشرة مشاريع. إلغاء مهرجان الفيلم العربي كما شكل إلغاء مهرجان وهران للفيلم العربي الحدث السينمائي الأبرز بالنسبة للعام 2014، وهو الحدث الذي شكل منذ ترسيمه العام 2007 الموعد الثقافي الأهم في الجزائر ليس فقط لقدرته على استقطاب التجارب والأعمال البارزة منذ دورته الأولى، ولكن أيضاً لكونه مختصّاً في السينما العربية، الأمر الذي جعل بعض المتتبعين يُرجعون تذبذبه، ثم إلغاءه إلى الصراع المعروف بين المعربين والمفرنسين في المشهد الجزائري. كما كانت للانتقادات اللاذعة التي تعرضت لها إدارة المهرجان من قبل وسائل الإعلام سببا آخر لإلغاء الدورة التي يبدو أن الوزيرة ”رأت أن تمنح نفسها فسحة كافية من الزمن، حتى تعيد النظر في سياسة المهرجان، وفي الفريق الجدير بتسييره”، وهو ما أدى بها إلى اتخاذ قرار إلغاء دورة 2014 و تأجيلها إلى مارس 2015. حامينة يصنع الحدث السينمائي صنع المخرج الجزائري، محمد لخضر حامينة، الحدث السينمائي والفني في الجزائر وفي الوطن العربي، قبل أسابيع من نهاية 2014 وذلك بعد عرضه لفيلمه الجديد ”غروب الظلال” وسط موجة الجدل الكبير حول أسلوب المخرج العالمي الذي عاد بعد حوالي 30 عاما، خلال تناوله لموضوع الثورة التحريرية الكبرى، وثانيا بإعلان تتويج مسيرة السينما الجزائرية بشرف المشاركة في مسابقة ”الأوسكار”، حيث أعلن حامينة مشاركة فيلم ”غروب الظلال” الترشيحات الخاصة بجوائز الأوسكار لعام 2016. من جهته، وقّع المخرج الجزائري ”بلقاسم حجاج”، عودة متميزة إلى قاعات العرض بفيلمه الجديد ”فاطمة نسومر”، لتعكس كاميرا حجاج للجمهور الجزائري والعربي، صورة السينما الجزائرية الجديدة وتحدد مستوى تحولاتها، سواء على مستوى الكميات المطروحة أوالأدوات الإخراجية التي تصنع الفارق وتحدد ملامح الإنتاج السينماتوغرافي الجزائري كجزء لا يتجزأ من السياق العام للإنتاج الجزائري. واستطاع بلقاسم حجاج، باحترافية عالية تناغمت فيها بلاغة الصورة، بجمالية السرد وشاعرية الرواية، أن يعيد صدى بطلة المقاومة الشعبية فاطمة نسومر إلى جبال جرجرة ويشكل بذلك قفزة نوعية في خط الإنتاج السينمائي التاريخي الذي يكون حجاج قد هز أركانه بتغلبه على شح المصادر التاريخية وتمرده عن الصورة النمطية للأفلام التاريخية التي تركز في الغالب على إظهار الجانب الثوري للأبطال. كعادته استطاع المخرج المغترب ”الياس سالم” أن يوقع اسمه في المشهد السينمائي لسنة 2014 بعد الجدل السينمائي والسياسي الكبير الذي خلفه عرض فيلمه الأخير ”الوهراني” الذي ورغم النجاح الكبير الذي حققه في كل مشاركته الدولية، إلا انه قوبل بالرفض من قبل الأسرة الثورية في وهران والتي اتهمت الياس سالم بالإساءة لمجاهدي المنطقة على خلفية الطريقة الجريئة التي يتعاطى فيها الياس سالم مع التاريخ في فيلمه ”الوهراني”، وهو ما جعل الأسرة الثورية تطالب بمصادرة الفيلم ومنعه من العرض.. موقف رفضته وزيرة الثقافة التي بررت نظرة الياس سالم السينمائية للتاريخ وباركت جرأته التي أضاءت جزء من تاريخ الثورة التحريرية. أسماء ثقافية رحلت عنا سنة 2014 ودعت أسماء ثقافية جزائرية، الحياة، خلال سنة 2014 والبداية بالممثل والمخرج والمؤلف المسرحي محمد بن قطاف (75 عاما)، الذي قدم الكثير للخشبة طيلة أربعين سنة من الوجود، كما احتك بالعديد من الأسماء المعروفة في مجال الفن الرابع مثل علال المحب ومصطفى كاتب ورويشد والسيدة كلثوم وسيد علي كويرات. كما تعامل مع فنانين من جيله على غرار المرحوم عزالدين مجوبي وصونيا وزياني شريف عياد. وفي الثالث من مارس للسنة الفارطة، رحلت عنا المطربة الجزائرية القبائلية شريفة واسمها الحقيقي وردية بوشملال وهي التي تربعت على عرش الأغنية القبائلية لسنوات طوال. وفي شهر مارس أيضا رحل الممثل والفنان التشكيلي عصمان بن شيخ، وكذا المغني حكيم تارسيناسو. أما في شهر أفريل، وبالضبط في 17منه، رحل أول مدير وعضو متحف السينما الجزائرية ”السينيماتاك”، ألا وهو أحمد حسين، عشرة أيام من بعد رحيله، يغيب عنا الشاعر محند أكلي الملقب بمحند أكلي آث عمارة، صاحب كتب ”أشو غران أقشيش ذا درويش” و«أنفثاغ أنشنو ثايري نتمازيغت” و« نكدامازيغ”. وتوفي صاحب منحوتة الدلافين باسطاوالي (الجزائر العاصمة)، النحات التشكيلي بلقاسم حركات، عن عمر ناهز 64 سنة، وهو الذي حقق رسم أول قطعة نقدية لخمسة دنانير للجزائر المستقلة. أما الباحث في علم الآثار، عبد القادر بورحلة، فقد رحل عنا يوم 13 ماي. وفي ماي أيضا، توفي الممثل الكوميدي والمخرج المسرحي عبد الله أورياشي، ليغيب الموت في الفاتح من جوان، عميدة الطرب الجزائري نورة التي أدت الأغاني القديمة للتراث الوطني، حيث يبلغ رصيدها الغنائي ال500 أغنية كاملة. وقبيل قدوم صيف 2014 وبالضبط في 18 جوان، توفي الممثل الكوميدي عمر زلوم، ليلتحق به في 22 جوان، المطرب عبد القادر بوحي والذي ترك العديد من الألبومات. وفي 23 من نفس الشهر، رحل عنا المخرج والمؤلف الجزائري عبد الرزاق هلال، صاحب عدة إنجازات مثل ”المصباح العجيب”، التي تكشف عن الجرائم الاستعمارية في الجزائر منذ 1830 إلى الاستقلال. عودة إلى الفنون التشكيلية وهذه المرة مع الفنان محمد بوزيد، أحد مؤسسي الإتحاد الوطني للفنون التشكيلية الذي توفي عن عمر ناهز 84 سنة يوم 24 جوان، أما في أواخر هذا الشهر، فشهد رحيل الصحفي والكاتب بلقاسم بن عبد الله والعضو السابق لاتحاد الكتاب الجزائريين. أما في شهر جويلية وبالضبط في الرابع منه، غيّب الموت الفنان التشكيلي عبد الحميد عروسي، رئيس الاتحاد الوطني للفنون الثقافية منذ سنة 1993والى غاية رحيله، أما في يوم 14 من نفس الشهر، توفي الفنان لعربي جدي، مؤدي أغنية تاغرغنت (وهو نوع موسيقي أمازيغي الذي أطلق عليه اسم ”بلوز الواحة” وأدى أكثر من 22 ألبوما بالأمازيغية وبالعربية لترحل عنا في نفس الشهر وهي في ريعان شبابها، المصورة الشابة نسرين سلال التي كانت قد تحصلت على جائزة أحسن قصة في المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب (2011) بعد معاناتها من مرض عضال. وشهد شهر أوت أيضا رحيل أسماء فنية، حيث توفي الكاريكاتوري وفنان الشريط المرسوم، محمد بوصلاح الذي ألف العديد من ألبومات الشريط المرسوم من بينها ”من أجل أن تعيش الجزائر”، بالمقابل رحل عنا في شهر سبتمبر، النحات داود سباع، بينما توفي قائد المجموعة الصوتية التابعة للأوركسترا السيمفونية الوطنية، عزيز حمولي في الخامس من أكتوبر ويوم من بعده رحل عنا فنان الأغنية السطايفية سمير سطايفي. وتوفي الممثل الكوميدي شريف حجام المعروف ب«حميميش” في 13 نوفمبر إثر حادث مرور خطير، آخذا معه ابتسامته وحبه للأطفال، في حين توفي الممثل الكوميدي الآخر حميد لوراري المعروف بقاسي تيزي وزو يوم 19 نوفمبر.. ودائما في هذا الشهر، رحل الفنان مصطفى بن قرقورة، قائد جوق الموسيقى الأندلسية والرئيس السابق للجمعية الفنية ”الودادية”. ولم تكتف سنة 2014 برحيل كل هذه الأسماء الثقافية، بل أخذت معها قبل أن ترحل هي الأخرى، أسماء عديدة من بينها رحو بوتليليس عن عمر ناهز 75 سنة والذي رافق العديد من الفنانين مثل صباح الصغيرة، صوريا كنان، أحمد وهبي، بلاوي الهواري وبن خدة.