تحولت التدفئة التقليدية، خلال تساقط الأمطار والثلوج في أغلب قرى ومداشر عنابة، إلى لوحة فنية رائعة تعكس التلاحم الاجتماعي والدفء العائلي، وقد نجحت في لم الشمل رغم أنها من الوسائل القديمة، حيث استطاعت أن تكسر الرتابة وتنافس المدافئ العصرية الموجودة في الأسواق. يعود حرص سكان مداشر عنابة إلى استعمال الموقد الناري للمحافظة على التراث الشعبي، وحسب الحاج محمد، فإن التدفئة الطبيعية التي ترتكز على الحطب أو الفحم تعتبر وجها حقيقيا للسياحة الجبلية في عنابة، لأن المنتجعات الغابية المتواجدة في قلب جبال سرايدي وشطايبي تعرف خلال فصل الشتاء إقبالا كبيرا من طرف الزوار والسياح الذين يستنجدون بحطب السنديان والزان للاستمتاع بالتدفئة الطبيعية، كما أن لعملية الالتفاف حول الموقد صورة مميزة تعكس اللحمة الاجتماعية، علاوة على وهج لون النار الذي يزيد الغابة جمالا ويساهم في الإضاءة. ويشهد سوق الرحبة الشعبي ببرحال إقبالا كبيرا نظير خدماته، حيث يباع فيه الحطب والفحم. وخلال جولتنا في السوق، لاحظنا إقبال العائلات على اقتناء الحطب والفلين والفحم لاستعمالها في التدفئة التقليدية بدل اقتناء المدفأة الاصطناعية التي يعتبرها البعض قاتلة، خاصة المقلدة والمغشوشة، ومنه فإن التدفئة التقليدية أضمن، تفاديا للحوادث الخطيرة كاستنشاق غاز ثاني أكسيد الكربون، علما أن سكان القرى يصنعون في إحدى زوايا منازلهم الكبيرة مدفأة طبيعية، ويضعون فيها الحطب بمختلف أنواعه، خاصة النوع الخشن لإشعال النار التي تمر على مراحل متعددة، أولها وضع حزمة من الحطب في الموقد التقليدي الذي يضاف إليه القليل من البنزين للتذكية، ثم إشعال النار عن طريق عملية النفخ بالأفواه. ورغم صعوبة اقتناء حطب أشجار الفلين والزان من الغابة، إلا أن ذلك يدخل ضمن فعاليات الحياة البسيطة لأهل القرى الذين يحتطبون ويستمتعون بهذا المشهد المميز، حيث تتعدى فوائد الموقد الطبيعي التدفئة إلى طهي مختلف الأكلات الشعبية على الفحم أو الحطب، خاصة منها تحضير الخبز التقليدي، و»الملة» و»المحاجب» وطبق «العيش بالقديد». وهناك من سكان الأحياء الشعبية في مدينة عنابة، على غرار «بلاص دارم» و»لاكولون» من يستغل فصل الشتاء لإشعال الكانون، وهو موقد طبيعي لكنه مصنوع من الطين المشبعة بمياه الأمطار، حيث توضع فيه كميات معتبرة من الفلين الجاف أو الفحم لتحضير القهوة والشاي في أباريق مصنوعة من الطين، النحاس والحديد، لتعبق رائحة المشروب والحطب المحترق المكان وتعطي شعورا لا يضاهى بالسعادة. خاصة عندما تلتف العائلة حوله وتكون سيدة الموقد الجدة أو الأم التي تطلق العنان لقصصها الشعبية التي تؤنس بها أهل المنزل الكبير في الأمسيات والليالي الباردة التي تصفر فيها الرياح خارج جدران المنازل.