نظّم الديوان الوطني للثقافة والإعلام مؤخّرا زيارة إعلامية للمركز الثقافي "عبد الوهاب سليم" بشنوة (تيبازة) للوقوف على التحضيرات الخاصة بافتتاح تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية" في 16 أفريل القادم. وتتمثّل الاستعدادات في إنجاز عرض ضخم يتمثل في "ملحمة قسنطينة الكبرى"، يجسّده أكثر من 400 فنان فتحت له ورشات خاصة بالكوليغرافيا والتمثيل بهذا المركز الواقع وسط الطبيعة الخلابة. بمناسبة هذه الزيارة، نشط السيد لخضر بن تركي، المدير العام للديوان وعلي عيساوي مخرج الملحمة والسيد سمير مفتاح، مدير الاتصال في الديوان ندوة صحفية لإعطاء بعض التفاصيل عن هذا العرض الذي يعتبر واجهة التظاهرة والجزائر. في كلمته الترحيبية، أوضح السيد مفتاح أنّ الهدف من الزيارة هو تقريب ورشات العمل والفنانين من الوسط الإعلامي لمعاينة التدريبات، مشيرا إلى فتح ورشات مماثلة بقسنطينة وبقرية الفنانين بتيبازة. افتتحت اللقاء "المساء" بسؤال وجهته للمخرج علي عيساوي يخصّ علاقته بالإخراج المسرحي كونه مخرجا تلفزيونيا في المقام الأوّل فردّ "أنا ابن المسرح وترعرعت في المسرح الجهوي بقسنطينة منذ بداية السبعينيات وسبق لي أن أخرجت مسرحيات عدّة قبل أن أنتقل إلى العمل التلفزيوني، واعتبر ذلك ميزة فأنا أجمع بين تقنيات ورؤى العمل التلفزيوني والمسرحي معا". وأضاف "أيّ عرض بالنسبة لي هو فرجة وهو لقاء للاستفادة والمتعة معا بشرط أن تتوفّر عناصر العرض وتكون شاملة كاملة، كما أنّ قراري بقبول هذا العمل دفعني لدعوة أهل المسرح وأن أكون ملتزما بتقنيات أب الفنون وبالصورة وكلّ ما له علاقة بالفرجة وجماليات العرض، فنحن في الأخير نستهدف الجمهور ونوظّف في سبيل ذلك كلّ الأدوات والتقنيات اللازمة التي "تعمّر عين الجمهور" وتخلق حوارا معه، وهي تجربة لا أظنها جديدة في الديوان الوطني للثقافة والإعلام بحيث تبناها من قبل كتصوّر"، وأكّد المخرج الفنان عيساوي أنّ الملحمة تسطر كلّ المراحل التي مرّت بها قسنطينة عبر التاريخ منذ العهد النوميدي وصولا إلى استقلال الجزائر في سنة 1962 وطبعا فإنّ لكلّ مرحلة شخصياتها وأحداثها وبالتالي لكلّ حقبة لوحة تتضمّن مشاهدا يتراوح عددها بين 5 و12 مشهدا وكلّها تثمّن ألفية المدينة وديكورها الربّاني الذي لم يتغيّر منذ الأزل. كما أشار المتحدث إلى أنّه اعتمد على عاملين اثنين في العرض، أوّلهما الصورة ذات الأبعاد، وهي بمثابة عنصر درامي في العرض تسمح بظهور الممثلين على الخشبة وشاشة العرض في آن واحد والعامل الثاني هو الإضاءة لدعم السينوغرافيا وتشويق الجمهور وتجسيد الحكاية أكثر عبر ساعتين من العرض. كتب نص الملحمة خمسة مؤرّخين أكفاء يتقدّمهم الدكتور عبد الله حمّادي، بعد أن نقبوا في أمهات الكتب وأحاطوا بكلّ ما له علاقة بقسنطينة من تاريخ ومناظر وأمن وهواء وأرض وغيرها. أمّا النص المؤدى على الخشبة فهو من توقيع المخرج وبعض معاونيه المسرحيين، كما سيحضر على الركح العملاق ذو 600 متر مربع، فنانون من 25 ولاية، وسيحضر أيضا الغناء والشعر والمالوف والرقص والصورة وغيرها من الفنون، من جهته، ثمّّّّن السيد بن تركي العمل مؤكّدا أنّ كلّ الإمكانيات وفّرت له وسيكون 450 فنانا وتقنيا وفنيا حاضرا في الملحمة، وسيسبقها بيوم أي في 15 أفريل عرض شعبي عبر شوارع قسنطينة العتيقة (يضم 250 فنانا) وصولا إلى وسط المدينة بمشاركة أجنبية. وأكّد المسؤول الأوّل عن الديوان أنّ طاقم التظاهرة في عمومه يضمّ بين 600 و700 فرد وأنّ مناصب شغل فتحت لشباب قسنطينة. أشار بن تركي أيضا إلى أنّ ما يهمّه في الأساس هو الافتتاح الرسمي والشعبي لأنّهما سيكونان واجهة الجزائر في الداخل والخارج، مؤكّدا أنّه لم تحدّد بعد قائمة الأسماء الفنية الجزائرية والعربية التي ستشارك، علما أنّ الدعوات أجلت إلى ماي القادم. نوّه نفس المتحدث أيضا ببعض الإنجازات المحقّقة التي استفادت منها عاصمة الشرق الجزائري وعلى رأسها قاعة "زينيت" المتوفّرة على كلّ التجهيزات والتي تسع 3500 مقعد وبها أيضا 3 قاعات أخرى وعدّة فضاءات بمقاييس عالمية، ولكن حسبه - فإنّ ما تحقّق قد يزعج البعض لذلك شنّت حملة دعاية كاذبة ضدّ التظاهرة تسيء للجزائر أكثر مما تسيء للأشخاص، في حين أنّ دولا أخرى تسخّر دعايتها لإنجاح تظاهراتها على الرغم من بساطتها وإمكاناتها المتواضعة ليقول منفعلا "أرجوكم أعطوا فرصة لهذي البلاد كي ترفع رأسها ويظهر مبدعوها وهذا لا يعني أن تغطوا علينا بل اطلبوا المعلومة الموثقة من مصدرها". بالمناسبة، شكر السيد بن تركي الجيش الوطني الشعبي على المساهمات التي بادر بها منها مثلا السهر على المعاينة وتأمين العروض الشعبية، ففي إحدى ليالي الأسبوع الفارط قامت وحدات الجيش بمعاينة مسار القافلة الشعبية التي ستمر بشوارع قسنطينة على مسافة 5 كم. كما نوّه بتوفير أماكن التدريبات مثل ما حدث في تظاهرة المهرجان الإفريقي سنة 2009 عندما تدرّبت الفرق بثكنات الجيش بالدار البيضاء بسبب نقص الأماكن اللازمة لمثل هذه التظاهرات الضخمة. بالنسبة للترميمات، أكَّّّّد بن تركي أنّّ قسنطينة ورشة مفتوحة تتطلّب الوقت الكافي خاصة في ترميم المعالم القديمة الذي هو أصعب من البناء نفسه، وهو غير مرتبط بآجال التظاهرة عكس الفضاءات الأخرى كدور السينما والمسارح وغيرهما، كما أعلن أنّ هناك 22 دولة عربية ستشارك خاصة عبر أسابيعها الثقافية والبداية ستكون مع فلسطين ثم مصر فالسعودية، أي إلى غاية شهر جوان 2015، وستنتقل نشاطات التظاهرة إلى 9 ولايات مجاورة لقسنطينة أما القوافل الفنية الجزائرية فستجوب 48 ولاية. للإشارة، حضرت "المساء" التدريبات في ورشة المسرح التي ضمّت العديد من الفنانين الشباب كلّهم من ذوي تكوين عال أدوا أدوارهم بتمكّن وبلغة فصحى راقية بها الكثير من الحضور الشعري، وفي إحدى المشاهد تمّ التطرّق إلى تراث العلماء والشعراء والفلاسفة والرحّالة الذين كتبوا عن قسنطينة.. كلّ ممثل يؤدي مقطعا من شهادات هؤلاء منهم مثلا البكري في "مسالك وممالك"، الإدريسي في "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" والعبدلّي وكذا ياقوت الحماوي وحسن الوزّان وابن القنفذ والخالوف وغيرهم، وكان في كلّّ لحظة يحضر الراوي ليقرأ من سجل التاريخ ويوجّه العرض. ومن المشاهد العنيفة تلك المتعلّقة بالثورة التحريرية الذي ينضم إليها العنصر النسوي شرف الجزائر وكرامتها ويتم الحديث عن فضائع سجن الكدية وعن الثوار وعلى رأسهم بن بولعيد. في ورشات الرقص، يعج المكان بالراقصين من الجنسين مع تدريبات شاقة وممنهجة ومؤطرة. وبالمناسبة التقت "المساء" مع السيدة تويا رئيسة البعثة الصينية الحاضرة بالتدريبات والمختصة في المؤثرات الضوئية والبصرية التي قدمت من الصين خصيصا للتأطير والعمل، علما أنّه سبق للجزائر أن تعاملت مع الصين في عرض افتتاح "الستينية" وقالت محدثة "المساء" إنها عملت كثيرا في العروض الضخمة والصغيرة ببلدها واكتسبت الخبرات وحصلت على العديد من الجوائز وتجربة الجزائر لها مكانتها في قلبها ومشوارها المهني". استغلت "المساء" حضورها بالمركز الثقافي "عبد الوهاب سليم" لتتجوّل عبر أقسامه في شتى الفنون والمعارف وترى خصوصيته المعمارية والسياحية العالية ونشاطه الثقافي اليومي المتنوع، كما حضرت عرضا خاصا بالقاعة المخصصة للفلك (ذات قبة تشبه السماء هي شاشة العرض) وهي أول قاعة من نوعها على المستوى الوطني ستفتتح قريبا أمام الجمهور.