اعتادت الأسر الجزائرية بحلول شهر شعبان، التحضير لاستقبال الشهر الفضيل الذي بات على الأبواب، وعلى الرغم من أن بعض العادات زالت بحكم التغيرات التي عرفها المجتمع، إلا أن الحرص على إحياء بعض التقاليد المتوارثة لايزال ساريا. من جملة ما تحرص عليه النسوة بمجرد دخول شهر شعبان، انتقاء أجود أنواع التوابل التي يشترط أن تكون على أصلها، أي غير مطحونة كأعواد القرفة والفلفل الحار على شكل حبات لتجنب تلك المغشوشة، حسب الحاجة سعيدة التي كانت منهمكة في اختيار بعض الأواني الجديدة والتي قالت ل»المساء»: «للحصول على شوربة رمضان المعطرة والمنكهة، يستوجب أن تكون التوابل المستعملة من النوع الجيد، لهذا نحضرها بأيدينا وعلى رأسها «رأس الحانوت» الذي يتكون من 7 أنواع من التوابل ننتقيها لدى خيرة المحلات، وفي بعض الأحيان نوصي أحبابنا ومعارفنا ليقتنوها لنا من بعض ولايات الغرب مثل تلمسان، ونقوم بعدها بغسلها وتجفيفها وطحنها ووضعها داخل قوارير مغلقة لكي لا يتسرب إليها الهواء وتحافظ على قوة عطرها»، مشيرة إلى أن التحضير لا يقتصر فقط على التوابل، بل يتم أيضا بشواء حبات الطرشي والفلفل الحار والطماطم ودرسها وإخفائها متبلة لاستعمالها كسلطة. وهو ذات الانطباع الذي لمسناه عند سيدة أخرى كانت تنتقي بعض النعناع الجاف والمشمش المجفف، وحسبها فإن شهر رمضان ضيف عزيز من أجل ذلك لا بد أن نحسن ضيافته بجملة من التحضيرات وتقول في هذا الخصوص: «التجهيز لا يقتصر على التوابل فقط، بل يتعداه إلى تغيير كل ما تستطيع سيدة البيت تغييره طبعا حسب إمكانياتها، ولعل أول عمل تقوم به أغلب النسوة هو تنظيف المطبخ، أو تغيير طلاء جدرانه باعتباره المكان الذي تمضي فيه ربات البيوت وقتا كبيرا للتفنن في تحضير أشهى وأطيب المأكولات». من جهتها، تأسفت الحاجة يمينة على ترك بعض العادات التي لطالما اختص بها شهر شعبان، والاعتماد على كل ما هو مسوق وجاهز، الأمر الذي أفقد رمضان بنّته وطعمه ويتمثل حسبها في تحضير المقطفة يدويا وفتل الكسكسي للتسحر، وتنظيف الفريك بفرز الخشن عن الرطب للتنويع في طبق الشوربة، مشيرة إلى أنها تذكر في الأيام السالفة أنه ما إن يحل شهر شعبان حتى تدخل النسوة في سباق مع الزمن لصنع مقطفة الشوربة وفتل الكسكسي وتحضير الأواني التي يشترط أن تكون جديدة، وبمجرد حلول الشهر الفضيل تجد نفسها مستعدة ومن ثمة تتفرغ للعبادة. لعل من بين العادات التي لا تزال بعض النسوة تحرص عليها، حسب عقيلة من القليعة، تقطير ماء الزهر من زهرات الياسمين التي يجري جمعها يدويا وبكميات كبيرة. وقالت «لا يحلو عبق رمضان إلا بتعطير بعض أطباقه ومختلف حلوياته بماء الزهر الذي يعد تحديدا في شهر شعبان بالطريقة التقليدية، التي تعتمد على البخار. وحسب محدثتنا «حلويات رمضان تفرض صنع ماء الزهر لتعطيرها، على غرار المقروض والقريوش والسيقار». بعد الانتهاء من تنظيف المنزل وإعادة دهن المطبخ وتغيير الشراشف واقتناء أواني جديدة، تختم النسوة بتقليد طالما عرفن به، ويتعلق الأمر بحمام شعبان. وحسب الحاجة خديجة فإن «التحميمة» تعتبر شرطا لازما قبل حلول شهر الصيام حيث يتوجه كل أفراد الأسرة إلى الحمامات الشعبية التي أصبحت قليلة اليوم للاغتسال والاستعداد لصيام هذا الشهر المبارك مردفة «أن حمام شعبان لا يزال بالنسبة إلى سكان القصبة تحديدا تقليدا لابد منه وتحديدا في الأيام الثلاثة المتبقية من شهر شعبان. التأكيد على الاغتسال بالحمامات الشعبية قبيل حلول شهر الصيام، دفعنا ونحن نجري الاستطلاع بساحة الشهداء إلى زيارة واحد من الحمامات التقليدية الشعبية الموجودة بأزقة القصبة الضيقة، حيث أكدت لنا نادية وهي صاحبة الحمام أن أكثر المواسم التي يكثر فيها التردد على الحمامات الشعبية هو فصل الشتاء والأعياد والمناسبات، وبحكم أننا بشهر شعبان أؤكد لكم أن هذا الحمام سيعرف اكتظاظا كبيرا في الأسبوع الأخير من شعبان، حيث تأتي النسوة مرفقات بالحلويات التقليدية وأباريق الشاي للحصول على تحميمة مطولة والاسترخاء بعد المجهود الذي بذلنه في التحضيرات، حيث يجلسن لاحتساء الشاي رفقة الجارات للدردشة حول كل ما يخص رمضان. آخر شيء يختم به شهر شعبان والذي يعتبر هو الآخر تقليدا، التحضير لعشاء توديع شعبان واستقبال شهر الخيرات بإعداد طبق الكسكسي باللحم أو الدجاج أو الشخشوخة أو المختومة بالنسبة لبعض المناطق من الوطن. تهافت مبكر على الأواني رغم الوفرة في الأسواق يكتسي شهر رمضان أهمية كبيرة لدى الأسرة الجزائرية، باعتباره شعيرة دينية تربط الفرد بخالقه كما تربط الأسرة بأفرادها بعد أن فرقتهم مشاغل الحياة لعام كامل. وفي مجتمعنا ليس الأسرة فقط من تتحضر لرمضان، بل الأسواق أيضا تتسابق لعرض جديدها واستقطاب جيوب المستهلكين أينما كانوا. وبعيدا عن لهيب الأسعار باقتراب شهر الصيام، تبقى هذه المناسبة الدينية من أجمل المناسبات التي تنتظرها الأسر وتتحضر لاستقبالها بأشهر قبل حلولها. اتفقت نسوة تحدثن ل»المساء» على هامش المهرجان الاقتصادي «التسوق العائلي بمناسبة رمضان 2015»، على أنه بالرغم من المصاريف اليومية الكثيرة لتغطية حاجيات الأسرة الكثيرة، وبالرغم من توفر الكثير من المستلزمات في الأسواق سواء المحلية أوالمستوردة، ما يعني توفرها بكل الأسعار، إلاّ أن الكثير من الأسر لا تزال محافظة على عادات توارثتها عبر الأجيال والقاضية بمنح شهر رمضان مقاما عاليا. ولا تقتصر العادات هنا على تحضير العولة، وإنما أيضا على الكثير من الحاجيات ولا بأس في تأمين المزيد حتى وإن وصل إلى الفائض، هنا تؤكد سيدة من تيزي وزو أنها تشتري مع حلول كل رمضان قِدرا جديدا لتحضير الشوربة، تقول: «من العادات التي مازلت متمسكة بها لما يزيد عن ال40 سنة، شراء قدر جديدة لتحضير شوربة الإفطار مع اقتراب شهر الصيام، لا يمكنني إحصاء كم قدر اشتريت طوال سنوات طويلة، كما لا يمكنني تصور تحضير شوربة الإفطار في أول يوم للشهر الفضيل في قدر قديمة، أما إذا كانت أحوالي المادية لا تسمح لي فإني اشتري قدرا لا يتعدى سعره ال500 دينار، فقد سبق لي واشتريت قدورا يتراوح سعرها ما بين 2000 إلى 3500 دينار، وبعد انقضاء رمضان أهديها لبناتي أوأخواتي أو غيرهن». من جهتها، تعلق مواطنة مُسنة كانت في زيارة للتظاهرة الاقتصادية، أن التحضيرات لرمضان لا تكتمل إلا إذا تم شراء أوان منزلية جديدة، معلقة بأن هذا يعود لتعلق النساء بالأواني وخاصة منها الصحون والكؤوس التي لا بد أن تكون جديدة، تقول: «نحن النساء لا أحد يفهم سر تعلقنا بالأواني المنزلية الجديدة، فبالرغم من توفر كل المستلزمات في «الكوزينة» سواء لرمضان أو لغيره من المناسبات، إلا أننا نجري دائما وراء التجديد ولا أدري سبب ذلك ربما لأنها من العادات التي ورثناها عن الأمهات والجدات». ولعلمهم المسبق برغبة النساء في التجديد باقتراب رمضان، فإن التجار أيضا يتسابقون من جهتهم لجذب اهتمام النسوة واسترضائهم لاقتناء معروضاتهم، فبمعرض التسوق العائلي المقام مؤخرا بمدينة زموري، كان يكفي فقط أن يصيح هذا البائع أو ذاك بالكلمة السحرية «رمضان قريب» حتى تتهافت عليه المتسوقات، حتى وإن اعتمد التجار على تخفيضات ترقوية تصل إلى حدود 30 % وحتى أسعار مغرية لدرجة اقتراح كل أواني «الكوزينة» بسعر موحد 500 دينار. كما أن العمل بنظام المعارض في هذه البلدية أو تلك الولاية، يعني تقريب السلعة من المواطن وليس العكس، ولكن يعني أيضا أسعارا ترقوية، وهذا ما يؤكده التاجر جمال غربي المشارك بالمهرجان عن ولاية الجزائر والذي يستحسن إقامة المعارض الاقتصادية خاصة مع اقتراب المناسبات التي تعرف إقبال المستهلك عليها، بالنظر لكونها تخدم الطرفين، فالتاجر تسمح له بتصريف بضاعته والزبون باقتناء حاجياته بأسعار تخدم مدخوله، فيما أكد محمد بائع أواني منزلية مشارك من ولاية المسيلة أن سوق الأواني المنزلية لموسم رمضان 2015 سيعرف عكس السنوات الماضية ارتفاعا في الأسعار بسبب انهيار سعر البترول، ويوضح أنه شخصيا قد لمس ذلك من خلال 30% زيادة أسعار بضاعته المستوردة، وضرب مثلا بصحن كان سعره فيما سبق 50 دينارا يعرضه اليوم بسعر 90 دينارا، ولكنه استحسن فكرة إقامة المعارض الاقتصادية باقتراب المناسبات، إذ فور انقضاء شهر الصيام فإن أنظار الأسر ستتجه صوب شراء الهدايا لموسم الأفراح، ما يعني أن الإقبال على الأواني المنزلية سيمتد من حيث الزمن إلى انقضاء عطلة الصيف. كذلك قال عباس تاجر هدايا، مشارك من المسيلة، إن الوفرة التي أصبحت السوق الجزائرية تضمنها للأسر، وفي شتى المتطلبات والحاجيات، تجعل الأسعار تنافسية وهو ما يمنح، حسبه، الأريحية للأسر لاقتناء مستلزماتها وفق مدخولها، إلا أنه بالمقابل يعترف بوجود «اللهفة» باقتراب شهر رمضان.