بتأكيده استكمال عهدته الرئاسية التي منحته إياها أغلبية الشعب،يكون رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة قد قطع الشك باليقين في الرسالة التي بعث بها بمناسبة الذكرى ال 53 لعيدي الاستقلال والشباب؛ حيث وضع حدا للتأويلات المثارة مؤخرا من قبل بعض أطراف المعارضة، التي روّجت لإشاعات لا تستند لأي معطيات دقيقة بهذا الخصوص. فحرص الرئيس بوتفليقة على استكمال عهدته والمضي قدما في أداء الواجب استجابة لنداء الشعب رغم ظروفه الصحية، بمثابة دحض للقراءات التي تحاول اصطناع سيناريوهات جديدة للوضع السياسي في البلاد على ضوء المتغيرات الإقليمية والاقتصادية التي تعرفها المنطقة والعالم بشكل عام. والمتمعن في مثل هذه القراءات يلاحظ أنها لا تتعدى أن تكون مجرد اجتهادات شخصية واحتمالات مرتبطة في غالب الأحيان بمصالح حزبية ضيّقة، أو حسابات أخرى سياسية واقتصادية. تأكيد رئيس الجمهورية على استكمال عهدته بمثابة تذكير بأحقيته في مواصلة ممارسة واجبه أمام الشعب، وفقا لقوانين الدستور والجمهورية. وقرار التخلي عنه أمر يخصه لوحده في إطار ما يكفله الدستور. فبعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفوزه بالعهدة الرابعة، مازالت هذه الأطراف تحاول الطعن في خيار الشعب، الذي تبين أنه غير متحمس لمواجهة المجهول، ومن ثم العودة إلى نقطة الصفر، لا سيما بعد سلسلة الورشات التنموية التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة؛ استكمالا لمكاسب أخرى سابقة لا تقل أهمية، والتي تتمثل أبرزها في استعادة الأمن والاستقرار بفضل تطبيق سياسة المصالحة الوطنية. ونستشف من تصريح الرئيس بوتفليقة بخصوص هذه المسألة وفي مناسبة كعيد الاستقلال، الإرادة على مواصلة الورشات التي أطلقها في البلاد منذ انتخابه سنة 1999، حيث جدّد دعوته لكافة الأطراف السياسية لضم جهودها من أجل بناء الوطن، بدل الدوران في نقاش عقيم لا يجدي نفعا. ومن هنا كانت رسالة رئيس الجمهورية واضحة عندما دعا جميع التيارات إلى ترقية دورها في إطار نقاش ديمقراطي "من أجل زرع الأمل ومؤازرة ما يجب بذله من جهد"، في سياق إرساء رؤية استشرافية لرفع التحديات الكثيرة التي تنتظر البلاد، مع مواصلة "تعزيز دولة الحق والقانون بالتواتر مع الإصلاحات التي سيتم دعمها في جميع المجالات؛ من خلال مراجعة الدستور التي بلغ مشروعها مرحلة إعداده النهائية أو كاد". ومن هذا الباب يرى رئيس الجمهورية أهمية إشراك هذه التيارات خلال مرحلة التحضير للاستحقاقات السياسية المذكورة، على ضوء المسار الديمقراطي الذي اعتمدته البلاد، إلى جانب مواصلة ترقية المشاريع التنموية؛ من منطلق أن ذلك يتطلب المزيد من الالتفاف الجماعي والتجند الكامل لتحقيق الأهداف المنشودة. ويسعى الرئيس من خلال هذه الدعوة لتكريس رؤية واضحة بخصوص ضرورة الارتقاء بالمصلحة العليا للبلاد، ووضع الخلافات السياسية جانبا؛ كون الأمر مرتبطا أساسا بتجنيب البلاد انزلاقات خطيرة على ضوء المتغيرات الجيو سياسية. ومن هنا يمكن القول إن الأطراف السياسية ملزمة خلال الفترة المقبلة بإبداء المزيد من النضج السياسي والرؤية الاستشرافية الجادة؛ كون أمر العهدة محسوما، لا يستدعي الدوران في حلقة مفرغة، بل إن مسؤولية الأطراف السياسية تكمن في التفكير في إضفاء بعد جديد على العمل السياسي حتى تكون أكثر جذبا وقربا وإقناعا للرأي العام. فتوسع فكرة الخوف من المجهول التي تراود أغلبية الشعب الجزائري الذي لم ينس مأساة العشرية العصيبة، كان من بين الأسباب الرئيسة التي دفعت بالناخبين خلال الانتخابات الماضية للتصويت لصالح الرئيس بوتفليقة، إلى جانب الجوانب الاجتماعية والنقلة التي تحققت لملايين الأسر الجزائرية في مجال السكن، الشغل، الصحة والتعليم وما شهدته البلاد من أعمال في البنية التحتية. كما ساهم غياب البرامج القوية لدى منافسي رئيس الجمهورية في الانتخابات الأخيرة، في إبراز فارق كبير بين رجل يتحدث وفي يده حصيلة مادية، ومن جاء للحديث عن الوعود التي قد تتحقق وقد لا تتحقق إطلاقا. ويرى مراقبون أن غياب شخصية من الوزن الثقيل لمنافسة الرئيس بوتفليقة، ساهم في تكريس فكرة "الذي نعرفه أحسن بكثير من الذي نجهله"، خاصة في ظل الاعتقاد السائد محليا وعلى نطاق واسع، بأن الانتخابات في الجزائر مرتبطة في ذهنية الناخب، بالأشخاص ومدى الثقة الذي توضع فيهم. أما على المستوى الدولي فإن شخصية الرئيس بوتفليقة تحظى بالكثير من التقدير، حيث يرى الغرب أن الجزائر أبلت تحت حكمه بلاء حسنا في حربها على الإرهاب الدولي، وفي منع آلاف المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين من الوصول إلى سواحل القارة التي أنهكتها الأزمة الاقتصادية العالمية. كما بات يُنظر إلى الجزائر، في ظل حكم الرئيس بوتفليقة، على أنها شريك موثوق الجانب في المجال الاقتصادي والأمني، وحتى من حيث الحدود الدنيا للحريات والديمقراطية والحكامة، وهذا ما يهم الغرب عندما ينظر إلى واجهة الأنظمة السياسية في العالم الثالث.