يشرع الرئيس التركي عبد الله غول اليوم في زيارة تاريخية إلى ارمينيا هي الأولى لرئيس تركي إلى هذه الدولة منذ عقود على خلفية اتهامات متبادلة بين البلدين منذ الحرب العالمية الأولى.ويزور عبد الله غول العاصمة الأرمينية بدعوة من نظيره الأرميني سيرج ساركيسيان لحضور مقابلة في كرة القدم بين الفريقين الوطنيين التركي والارميني ضمن تأهيليات كأس العالم بجنوب افريقيا سنة 2010 . وتكتسي زيارة الرئيس التركي الى ارمينيا اهمية تاريخية كون البلدين حكمتهما علاقات تاريخية متوترة منذ الحرب العالمية الأولى بعد ان اتهمت قوات الإمبراطورية العثمانية حينها بارتكاب حرب ابادة ضد الأرمن ما انفكت السلطات الأرمينية تطالب باعتراف أنقرة بها والاعتذار عليها. وهي تهمة رفضتها وترفضها تركيا ودحضت الحقائق التاريخية التي تروج لها واعتبرتها مجرد مزايدات لدول غربية وعلى رأسها فرنسا لمنعها من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي على خلفية انها الدولة المسلمة الوحيدة التي تريد الالتحاق بالركب الأوروبي. وبسبب كل تلك الخلافات والاتهامات فقد اكتست زيارة الرئيس عبد الله غول إلى اريفان هذه الأهمية كونها ستعمل في نظر المتتبعين الى التخفيف من حدة تلك الخلافات وربما قد تكون بداية لنهاية حقبة من علاقات البلدين الجارين التي طبعها التوتر والريبة السياسية. ولكن متتبعين أكدوا ان أهمية زيارة الرئيس التركي الى العاصمة الارمينية انما اكتست تلك الأهمية كونها ستمكن أنقرة من ان تصبح طرفا محوريا في كل المساعي الرامية إلى إحداث تقارب بين دول منطقة القوقاز على ضوء تجربة الصراع الروسي الجورجي الأخير وتداعياته التي ما انفكت انعكاساتها تمتد الى مختلف دول المنطقة الأخرى. وتسعى السلطات التركية إلى استغلال تلك الحرب لتأكيد مكانتها الإقليمية ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط حيث تقوم بمساعي وساطة بين السوريين والإسرائيليين وإيران ومختلف الدول الأوروبية ولكن أيضا كطرف فاعل في أية ترتيبات قادمة في كل منطقة القوقاز مستغلة في ذلك علاقاتها الدبلوماسية المتميزة مع كل عواصم المنطقة وأيضا بحكم موقعها الجغرافي الذي أهلها لأن تكون نقطة محورية في كل ترتيبات قادمة. وكانت السلطات التركية أول من دعا إلى إنشاء تكتل إقليمي يضم دول منطقة القوقاز يدافع عن مصالحها وخاصة بعد ان اصبحت محل استقطاب للقوى الكبرى على خلفية احتياطاتها الضخمة من النفط والغاز والذي اهلها لأن تكون ثاني مصدر طاقوي في العالم بعد منطقة الشرق الأوسط. وبنظر العديد من المتتبعين فإن تركيا كانت مضطرة الى كسر طابو المعضلة الأرمينية حتى تتمكن من ان تصبح بلدا يحظى بإجماع كل دول المنطقة الأخرى وهو ما حتم على الرئيس عبد الله غول قبول دعوة نظيره الأرميني والتوجه الى اريفان لبحث القضايا الخلافية والتي قد تضطره الى تقديم اعتذار على ما يروج بوجود حرب ابادة تركية في ارمينيا يوم كانت تحت سيادة الإمبراطورية العثمانية. وخاض الرئيس غول مغامرة التوجه الى عدو الأمس رغم المعارضة التي لاقتها سياسته في هذا الخصوص وألبت عليه أحزاب المعارضة الوطنية التركية التي رأت في الزيارة خذلانا تركيا ما كان لأن يكون. والظاهر ان الثنائي غول ووزيره الاول طيب رجب اردوغان ارادا من خلال هذه الخطوة تكريس التوجهات البراغماتية والواقعية السياسية التي اصبحت تنتهجها السلطات التركية في علاقاتها الخارجية والتي غلبت من خلالها مصلحتها القومية املتها التحولات التي اصبحت تشهدها مناطق الجوار التركي سواء في منطقة القوقاز او الشرق الاوسط. يذكر ان الذاكرة التاريخية حكمت العلاقات بين انقرة واريفان ومنعت عليهما إقامة علاقات دبلوماسية على خلفية حرب الابادة التي يتهم بها الأتراك ومنعت على العاصمتين إقامة علاقات دبلوماسية بينهما منذ استقلال أرمينيا عن الدولة السوفياتية المنهارة سنة 1991 . والمؤكد ان هذا التقارب ما كان ليكون لولا ان السلطات الأرمينية تعاملت مع المستجدات الأخيرة بفكر براغماتي تناست ولو لفترة ثقل الذاكرة التاريخية ودفع بها الى الترحيب بفكرة إنشاء المنتدى الإقليم لدول القوقاز الذي اقترحته تركيا وأكدت أنها تؤيد كل مسعى يهدف إلى إحلال الاستقرار في منطقة القوقاز. بينما اكد محللون ان الخطوة الأرمينية إنما أملتها مصلحتها في تقارب عملي مع أنقرة بقناعة ان تركيا تبقى بوابتها الوحيدة الى العالم بعد ان كانت تراهن على جورجيا للقيام بهذا الدور غير ان تجربة المغامرة العسكرية الأخيرة في اوسيتيا الجنوبية جعلها تغير حساباتها وتغير وجهة بوصلتها باتجاه عدوها التاريخي مرغمة وتحت إلحاح مصالح جعلت قضايا التاريخ تنزاح من الطريق ولو الى حين.