شدّد السيد عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة على التأكيد على أن الدول العربية ظلت الضامنة لسلامة التراث وصونه من خلال بذل مجهودات دائمة لحماية إرثنا الثقافي المادي وغير المادي وترقيته في إطار سياسات واستراتيجيات تتماشى مع الحقائق وذلك في أوقات تطبعها العولمة ومخاطر أحادية الثقافة وأوضح رئيس الحكومة خلال إشرافه على انطلاق أشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء الثقافة العرب أمس بفندق الشيراتون، أنّ التراث الثقافي هو برهان للتاريخ، وجزء لا يتجزّأ من ماض لا يمكن بدونه أن نتصوّر أيّ مستقبل وعليه يضيف السيد بلخادم "لا بدّ من اعتباره إرثا شاملا وغير قابل للاستبدال ولا للتصرّف فيه"· وتطرّق رئيس الحكومة إلى الصراعات الجائرة التي تلغّم وتنخر التراث الثقافي لحضارة ما بين النهرين التي تعدّ من بين أقدم الحضارات الإنسانية من تخريب همجي، داعيا في نفس السياق المنظمات الدولية لإيجاد التحف التي أتلفت وهرّبت من متحف بغداد وذلك قصد ترميمها وإعادتها إلى موضعها، ليعرّج بعدها على القدس الشريف الذي أهين في ممتلكاته وذاكرته وتاريخه وثقافته وأطفاله ونسائه ورجاله، مؤكدا أنه: "لم تجد كلّ اللوائح المتّخذة لصالحه سبيلا لتطبيقها، وأنّ هدم المعالم الإسلامية وخصوصا جدران المسجد الأقصى أمر غير مقبول ويعدّ خرقا للتنظيمات الدولية ومساسا بالذاكرة الإنسانية"· وتوقّف السيد بلخادم عند مشكل المتاجرة بالأملاك الثقافية وذكّر بأنّ أهمّ الممتلكات الأثرية، التاريخية والثقافية التي تتوفّر عليها بلادنا متواجدة حاليا في المتاحف الأجنبية، مركّزا على أنّ ضرورة جرد أملاكنا الثقافية وتسجيلها ودراستها ونشر معلومات بشأنها تعدّ أولوية بالنسبة للدول العربية لأنّها تعدّ العناصر المكوّنة للذاكرة التي بدونها لا يمكن تصوّر أيّ مستقبل دائم· كما تحدّث السيد بلخادم عن البعد غير المادي لتراثنا الثقافي الذي تمّ صونه بفضل الذاكرة الفردية والجماعية، وقال بأنّه فضاء تكتنفه رهانات أكبر في ظلّ التحوّلات العميقة والسريعة التي يشهدها العالم والتي تتسبّب حاليا في تغيير المشاهد الثقافية والإنسانية لمنطقتنا بشكل معتبر· وأشار رئيس الحكومة في سياق حديثه إلى تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، وقال بأنّها "لحظات تقارب وتجاوب مشحونة بالتأثّر والأحاسيس ومتّسمة بحسّ لا يمكن أن يجد تفسيره إلاّ في الشعور بالانتماء إلى أمّة وثيقة الارتباط بتاريخ مشترك وتراث جماعي"، مؤكداً بأنّ الثقافة العربية ضربت موعدا للالتقاء بالجزائر وكأنّها أرادت أن ترافقها أخويا في مسيرتها نحو السلم المستعاد والمصالحة المكرّسة وأن تحتفي مع الجزائريين بلقائهم مع أنفسهم في ظلّ وثبة من السرور والجمال وروح الإبداع· من جهتها أوضحت السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة أنّ المخاطر المباشرة التي استوجبت عقد الاجتماع الاستثنائي تتمثّل في مسألتين جوهريتين، تتعلّق الأولى بالقدس الشريف والمحاولات الإسرائيلية لتهويد الطابع العربي له منذ 1967، فيما تتمثّل الثانية في ما يحدث في العراق الجريح، وقالت: "بأيّ منطق يخرّب التاريخ المشترك للإنسانية وأيّ منطق هذا الذي يسمح بمحو معالم حضارة البشر على وجه الأرض، إنّنا نحترم في بلداننا الآثار التي خلّفتها الحضارات الرومانية والإغريقية والبيزنطية، بل ونعمل على حفظها وحمايتها وتثمينها مثلها مثل باقي الآثار العربية والإسلامية وغيرها وعيا منّا بأنّها ملك للإنسانية جمعاء"· وأكّدت تومي في سياق متّصل على ضرورة تفعيل دور المراكز والهيئات العربية العلمية الخاصة بالآثار والتراث وضرورة إعطاء اهتمام خاص لعلمائنا الأثريين وخبرائنا في هذا المجال وتكثيف العمل المشترك بينهم لتشجيع تبادل التجارب والخبرات، مطالبة بوجوب إيجاد رؤية عربية موحّدة حول القضايا المطروحة خاصة تلك المتعلّقة بموقع موروثنا الثقافي العربي في التراث الإنساني والعمل على تنسيق أكبر لمواقفنا في المنظمات والهيئات الدولية المتخصّصة تجاه محاولات السيطرة على حقّنا في تسيير تراثنا وحمايته· وشهد اليوم الأوّل من أشغال الاجتماع الاستثنائي لوزراء الثقافة العرب تكريم كلّ من الدكتور المنجي بوسنينة المدير العام للمنظمة العربية للتربية، الثقافة والعلوم وكذا الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، كما تمّ تسجيل عدّة مداخلات على غرار الوزير المصري فاروق حسني الذي استعرض تجربة مصر لتفعيل العمل العربي المشترك في مجال الحفاظ على التراث والآثار، وشخّص وزير الثقافة الفلسطيني من جهته، راهن مدينة القدس القديمة وأسوارها وعملية التهويد الإسرائيلية للمواقع الإسلامية والمسيحية في الأراضي المحتلة، كما دعا رئيس معهد العالم العربي بباريس دومينيك بوديس الدول العربية للتقرّب من هذه الهيئة للتعريف أكثر بالمواقع التراثية والأثرية العربية للأوروبيين·