أصدرت الهيئة العربية للمسرح، أخيرا، ترجمة ل5 مسرحيات للكاتبة الجزائرية فاطمة قالير، من الفرنسية إلى العربية، تم جمعها في كتاب عنوانه "فاطمة قالير - خمس مسرحيات"، وذلك ضمن سلسلة الترجمة التي تعكف عليها الهيئة. فاطمة قالير من مواليد الجزائر سنة 1944 بالحروش بقسنطينة، وهي كاتبة نصوص مسرحية، فرانكو جزائرية، خريجة جامعة الجزائر العاصمة متحصلة على ليسانس في الأدب الفرنسي، وفي السينما عن جامعة فانسون الفرنسية. كتبت ما يزيد عن 20 نصا مسرحياً تمت ترجمتها إلى لغات كثيرة. فازت بجائزة "أرليتي" سنة 1990، وجائزة كاتب ياسين ومالك حداد عن مركز نور الدين عبة سنة 1993 وجائزة أميك من الأكاديمية الفرنسية سنة 1994 عن مجموع أعمالها المسرحية، علاوة عن الكثير من جوائز التقدير التي نالتها عن أعمالها الإبداعية وهي أحد أعضاء الأكاديمية الدولية للكتّاب الدراميين لشاتيون، كما تحصلت على منحة من بومارشي ومنحة أخرى عن المركز الوطني للكتاب سنة 2005. اشتهرت فاطمة قالير بأعمالها الدرامية المعاكسة لما هو تقليدي ومعاصر في الجزائر، فتطورت بصفتها كاتبة، لم تسخّر نفسها لكتابة القصة التي كتبتها امتدادا لدراستها الجامعية فقط، لكنها تعتني أيضا بكُتّاب المستقبل بتأطيرها للكثير من ورشات الكتابة بلقاءات دولية. ويقع الكتاب في 275 صفحة، قامت بترجمة هذه النصوص 4 مبدعات جزائريات، وهذه النصوص هي "الأميرات" وترجمتها د.جميلة مصطفى زقاي من قسم الفنون بجامعة وهران والأستاذة منال رقيق من قسم اللغة العربية بجامعة عبد الرحمان ميرة ببجاية، ومسرحية "الحلقة الذكورية" ترجمتها الأستاذة نوال طامر من كلية الآداب، اللغات والفنون قسم الفنون الدرامية بجامعة وهران، "الضرائر" ترجمتها جميلة مصطفى زقاي، وقامت الأستاذة حفيظة بلقاسمي من قسم الترجمة بجامعة وهران بترجمة نص "وتبدو أشجار الخروب من بعيد"، وأخيرا نص "ريم الغزالة" ترجمتها الأستاذة جازية فرقاني من قسم الترجمة بجامعة وهران. ومسرحية "الأميرات" قد تكون سيرة ذاتية لكل امرأة مغاربية آثرت الهجرة بذاتها إلى الضفة الأخرى، مناشدة منها الاحتفاء بهذه الأنا المتمردة على أوجاعها وأناتها. بطلة هذا النص استحقت هذه المرتبة البورجوازية "الأميرة" على إثر صمودها وتحديها ومقاومتها للآخر الذي أضحى ابن جلدتها، وأصبح يراها تارة عميلة للغالب وخادمة له وتارة هادمة للأعراف وناكرة للدين والعقيدة. ويمنح نص "الحفلة الذكورية" من التيمة المعروضة "الختان" الذي كان من ضمن التهم التي حوكمت لأجلها المرأة المسلمة التي اقترنت بأجنبي، فلم تهده للإسلام، آثرت تناول هذا الموضوع وكأن هذا النص استمرار للوتيرة السردية الحكائية التي أصرت الكاتبة على أن تناقش إشكاليتها بجرأة فائقة إلى تفاصيل العمل المنجز، بلغة جريئة وطرح قوي. ومسرحية "الضرائر" عبارة عن كوميديا تناولت قصة رجل أراد أن يعيد الزواج مرة ثانية بسبب عقم زوجته الأولى، فيصبح بعد ذلك أبا لسبع بنات فيريد أن يعيد الزواج مرة ثالثة لعله يرزق بوريث ذكر، لكن النساء كن بالمرصاد لهذا القدر القاسي الذي جعلهن لا يبتعدن عن الدواب، لم يكن لهن غير العمل الشاق في النسيج ورعاية الزوج والإنجاب وطاعة الحماة بجسارتها وسيطرتها وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة. وعالجت الكاتبة في نصها "ريم الغزالة" موضوع الجنازة في الأعراف الجزائرية، فكانت عينها رقيبة على أدق التفاصيل التي تسهم في إعداد جنازة تكون أهلا لعراقة الأسرة وفي مقام الفقيدة التي كانت أمًا متفردة الحضور ذات هيبة ووقار. ولم يكن السارد غير صوت الكاتبة وأناها وهي ترافق أمها إلى مثواها الأخير، لتعود إلى فرنسا بضمير مرتاح بعدما بكت الأم والوطن. «وتبدو أشجار الخروب من بعيد" يختلف عن باقي النصوص لأنه تنصل من "أنا" الكاتبة ولم تكن طرفا بارزا به مثلما كانت بباقي النصوص، وإن كان هذا التنصل نسبيا لأن الكاتبة تورطت في إدانة ثلة من القضايا التي ترهق بيئة المرأة الجزائرية، يتعايش فيه التركيب اللغوي بما يحويه من نحويات وبلاغيات مخضبة بجرأة أنثى تعي ما تقول وتعشق البوح الممنوع. تقول د.جميلة الزقاي في مقدمة الكتاب "وسعيا مني لمواصلة إشعال الفتيل الذي بادرت الهيئة العربية للمسرح بعام للمرأة في المسرح العربي 2012 ليزداد توهجا تحت ظلال الإنتاج المسرحي النسوي بيراع يجمع بين ثقافتين وحضارتين تجاذبتا وتعاصرتا وخضعتا لسياسة الغالب والمغلوب الخلدونية لتستقر بعقر دار الغالب فتغزوه بلغته، بكل ما تحمل من روافد تكون لحمة المجتمع الجزائري الذي نشأت به الكاتبة وتشبعت بتقاليده وعاداته، فعافت الكبت والضغوط التي تمارس على المرأة الجزائرية وخاصة بالمناطق القروية والمدن الصغيرة. وعبرت الهيئة العربية عبر موقعها الالكتروني أنها تعتز بتقديم هذا الكتاب وهذه الكاتبة وهؤلاء المترجمات، وأنها تدرك أهمية ذلك بالنسبة للمكتبة وللمعارف المسرحية العربية التي يمكن أن تساهم مساهمة بارزة في المشهد العالمي.