يستحضر »الدرّة المصونة في علماء وصلحاء بونة" تراث علماء عنابة ممن كان لهم الفضل في إثراء السجل الثقافي الوطني وإمداده بشتى الفنون والعلوم، وقد انتهى صاحبه احمد بن قاسم البوني من تأليفه في نهاية القرن الحادي عشر هجري. تعتبر هذه الدرة الثمينة مطلبا مهما لجمهور المؤرخين وكذلك الشعراء حيث كتب هذا المؤلف شعر »الدرة المصونة في علماء وصلحاء بونة« مخطوط حققه لأول مرة الدكتور سعد بوفلاقة، وسبق وأن نشره العلامة ابن أبي شنب سنة 1913 أي منذ مائة عام تقريبا. يقدم هذا الكتاب تراجم علماء بونة بما فيهم أساتذة وأقارب البوني من سكان المدينة ومن علماء القرى المجاورة والعلماء الوافدين إليها سواء كانوا عابري سبيل أو المقيمين. كما استفاد المؤلف من عليّ فضلون البوني الذي صنّف كتابا في تاريخ عنابة بعنوان »الكلل والحلل« وهو من علماء القرن التاسع الهجري. التزم المؤلف باختيار العلم والاستقامة والصلاح في التراجم التي قدمها اذ يؤكد : »بشرط ان كانوا للعلم درسوا أو لصلاح نُسبوا ما اندَرِسوا« ويبدو أن أحد طلابه هو الذي طلب منه تأليف درته وكان حينها على أهبة السفر فاستعجله فيها: »طالبها مسافر وذو عجل زودته بها وإني في خجل« ويضيف: »لذاك رام مني بعض الأذكياء توسلا بذكر بعض الأزكياء« »فجئته بدرة مصونة ذكرت فيها أولياء بونة لكن بلا طول ولا تاريخ لضيق نظمي بهم صريخي« كما يشير الى أن مترجميه الذين عاشوا قبل القرن التاسع مذكورون في تأليف علي فضلون فيقول: »حواهم جمع "على فضلوني" لآخر التاسع من قرون ثم أتيت بالذين بعده أرجو بهم تقريج كل كربه من عاشر القرون والحادي عشر وفي البلاد ذكرهم قد انتشر« وبعد انتهاء الشاعر المؤلف من ذكر مترجميه من علماء بونة، يختتم القصيدة بالموازنة بينهم وبين معاصريه فيقول: »والآن يلحنون فوق المنبر لا يقبلون النصح حتى من بري« »وكتب الجهل على جباههم اليوم يختم على أفواههم ليت الجدود نظروا إليهم ولو رأوهم لبكوا عليهم« من خلال هذه الموازنة يتضح أن عنابة عرفت في القرن الحادي عشر الهجري انحطاطا لا نظير له، ولكنه يؤكد من جهة أخرى أن عنابة كانت مقرا لمحمد بكداش وهو أحد الأتراك الذين أقاموا بها وتزوجوا فيها وأخذوا عن اساتذتها منهم أحمد بنقاسم ووالده فارتقى ذلك التركي وعين باشا الجزائر، فكان وفيا لبونة ولأساتذته بها، وهو الذي فتح وهران سنة 1120 هجري بعد احتلالها من قبل الاسبان وقد ذكر البوني ذلك: »وفتحت على يديه وهران فكمل المجد له والبرهان أطال ربنا لنا أعوامه وسدد الله لنا أقوامه« ثم كاتبه وهناه بالفتح، ملتفتا نظره الى حال عنابة حينها. للتذكير فإن كتاب »الدرة المصونة« لأحمد بن قاسم البوني (1139 هجري) صادر عن منشورات »بونة للبحوث والدراسة«، وصدر في طبعته الجديدة بالتعاون مع وزارة الثقافة في اطار »الجزائر عاصمة الثقافة العربية« وهو من تحقيق الدكتور سعد بوفلاقة.