ينتمي علي أمقران السحنوني (1936-1995) إلى عائلة عريقة في العلم والتصوف، برز إسمه كمؤرخ لتاريخ الجزائر الثقافي، غير أن معظم أعماله ظلت مخطوطات ينهل منها الباحثون الذين كانوا يتسابقون إلى الاستفادة من معارفه الموسوعية التي استقاها من الكتب المطبوعة والمخطوطة والرسائل الخاصة والجرائد والمجلات وشتى الوثائق الثقافية التي تزخر بها مكتبة عائلته العامرة الموجودة في أقبو حيث مقر الزاوية. تشتهر عائلته بنسبها الشريف وبعراقتها في نشر العلوم الدينية في الأربعاء ناث يراثن (بولاية تيزي وزو) حيث كانت تشرف على زاوية لتعليم ولتنوير الرأي العام بالتربية الإسلامية، وكذا صقل المجتمع بالتربية الصوفية على الطريقة الرحمانية المنتشرة بصفة خاصة في منطقة الزواوة (القبائل)، فكانت هذه الزاوية بحق إحدى منارات الحضارة الإسلامية هناك، كما أدى أسلافه دور الريادة في ثورة 1871م ضد الاستدمار الفرنسي بقيادة محند واعلي أوسحنون الذي أعلن الجهاد بناحية الأربعاء ناث يراثن، وعلى نهجه سار أتباعه الكُثْر في منطقة القبائل. بيد أن فشل هذه الثورة أدى إلى تشتيت العائلة وإلى نفي القائد المعلم إلى الخارج وانتهى به المطاف إلى المدينةالمنورة، حيث قضى بقية عمره بجنب زوجة اختارها له مريدوه وهو في خريف عمره، ومكث هناك إلى أن توفى في حدود 1891م. اضطرت عائلة الشيخ محند واعلي أوسحنون إلى الهجرة إلى عرش آث وغليس ناحية سيدي عيش (ولاية بجاية) واستقرت بإغزر أمقران، وسرعان ما أسست زاوية هامة بقرية ثاغراسث (بلدية شميني). وكان عدد الطلبة يتراوح ما بين (300) إلى (500) طالب تحت إشراف الشيخ محمد السعيد بن سحنون، وكانت بمثابة منارة علم ومعرفة ونور أضاءت المنطقة. وتداول أفراد هذه العائلة عبر السنين على تسييرها (الشيخ بلقاسم وأخوه الشيخ ابراهيم ثم الشيخ محمد وأخوه الشيخ الشريف). وظلت هذه الزاوية عامرة عاملة إلى سنة 1973 حيث أممت أراضيها وأملاكها في إطار الثورة الزراعية. ومن أشهر الشيوخ الذين أشرفوا على المعهد بنجاح الشيخ الشريف السحنوني الذي كانت له علاقة خاصة مع العلامة التونسي الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي شمل المعهد برعايته الخاصة، كما كانت له علاقة قوية مع الإمام عبد الحميد بن باديس الذي كان يحثه على الاهتمام بالإصلاح التربوي في الزاوية، وحسب شهادة المصلح محمد الصالح الصديق فقد تأثر الشيخ الشريف السحنوني بوفاة عبد الحميد بن باديس أيّما تأثر، فعلق على خبر وفاته بقوله »لقد مات اليوم نصف الدين«. وفي هذه الزاوية »المعهد« درس الأستاذ علي أمقران السحنوني وبها درّس أيضا. وفي سنة 1963 سافر علي أمقران إلى تونس وانضم إلى المدرسة الخلدونية لمزاولة تعليمه، لكن رقة أوضاع العائلة بفعل الحرب والثورة أرغمت علي أمقران الرجوع إلى أرض الوطن، فانتسب إلى سلك التعليم يساعد أهله، وبموازاة ذلك واصل دراسته في فرع التاريخ بجامعة الجزائر فتحصل على شهادة الليسانس، ثم انتقل إلى التعليم الثانوي الذي تقلد فيه عدة مناصب (أستاذ فناظر فمدير ثانوية) وبه قضى معظم مساره المهني، وانتدب إلى وزارة الشؤون الدينية قبل وفاته بقليل. كان لي شرف التعرف عليه عقب تعيينه مديرا لثانوية بواسماعيل (ولاية تيبازة) في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين حيث كنت أستاذا لمادة التاريخ، ثم كتب لي أن أعيّن ناظرا في سبتمبر 1984م في نفس المؤسسة إلى أن غادرها إلى ثانوية مهاجي بوهران (1987)، ثم استمرت العلاقة الثقافية بيننا بالمراسلة. وزيادة عن استفادتي من خبرته المهنية والتربوية فقد كان لي نعم الأستاذ فاتحا أمامي مكتبته الخاصة للاغتراف من معينها وهي مكتبة غنية وثرية. كما مكنني موقعي من التعرف على شخصية الأستاذ علي أمقران السحنوني معرفة عميقة. كان يتميز بالعلم الغزير المقرون بالتواضع، وبالجود والكرم، إذ كثيرا ما كان يتحمل نفقات استقبال السادة المفتشين ولجان الترسيم على حسابه الخاص وعلى حساب راحة عائلته التي كان يرهقها بمهام إعداد المشروبات والحلويات. كما أنني مازلت أتذكر أول نصيحة أسداها لي وأنا استلم مهام الناظر (مدير الدراسات حاليا) بحيث نصحني بقوله: »ضع نصف عينيك أنك أستاذ قبل كل شيء وعليك أن تعامل الموظفين على هذا الأساس«. كان يحدثني عن علاقاته مع الدكاترة والأساتذة الباحثين في مجال تاريخ الجزائر الثقافي، وفي مقدمتهم الدكتور أبو القاسم سعد الله والدكتور عمار طالبي والأستاذ محمد الصالح الصديق وغيرهم. وكان بعضهم يزوره في المؤسسة خاصة الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي كان في إحدى زياراته له في بوسماعيل مرفوقا بالدكتور أبو العيد دودو. كما كان الأستاذ الساسي لعموري (وزير الشؤون الدينية الأسبق) يواظب على زيارته. هذا ومن صفاته أنه كان خجولا بعض الشيء، يفضل الكتابة على الحديث، وقد أكد لي ذلك في إحدى مراسلاته المؤرخة بتاريخ 28/11/1411ه الموافق ل12 / 06 / 1991م جاء فيها قوله: »أخي لو استرسلت لكتبت الكثير، خاصة وأني أجد نفسي في الكتابة أكثر من الكلام، لأني في ذلك الوقت أحب السماع أكثر من الكلام). كان الأستاذ علي أمقران ينفق من أجل العلم والثقافة بسخاء، كان مسكونا بالمبالغة في شراء الجرائد والمجلات والكتب، ولا يتحدث خارج مجال المهنة إلا بما له علاقة بالتاريخ والثقافة، واشتهر بالمراسلات العلمية الثقافية التي كانت تربطه بالعديد من الباحثين، كما أنجز العديد من البحوث والمقالات التاريخية واستنساخ الوثائق التاريخية النادرة خاصة في مجالي عادات وتقاليد المجتمع القبائلي ونشاط أعضاء الحركة الإصلاحية، وقد أطلعني على البعض منها، واستنسخت جزءاً منها. هذا ولم تفارقه الرغبة المتأججة لمزاولة الدراسة العليا، غير أن التزامات الوظيفة التي أبعدته عن العاصمة، حالت دون تحقيق رغبته. ومما لا يختلف فيه اثنان أن الأستاذ علي أمقران السحنوني قد أخذ قصب السبق في مجال كتابة التاريخ الثقافي لمنطقة القبائل بصفة خاصة، وكان مرجعا لا يستغنى عنه بشهادة الباحثين الأكاديميين من وزن أبي القاسم سعد الله الذي أدرج اسمه ضمن كلمة الشكر التي وجهها لمن ساعده في إنجاز كتابه العظيم »تاريخ الجزائر الثقافي«. استهدفت أعمال علي أمقران السحنوني نفض غبار النسيان عن مظاهر الحضارة الإسلامية في منطقة القبائل وإبراز دورها الحضاري الهام ودور أهلها في إثراء الثقافة العربية، ومن أهم أعماله التي اطلعت عليها والمندرجة في هذا السياق، مقاله المخطوط الموسوم: »مساهمة بني منقلات في الفكر الجزائري والعربي الإسلامي خلال التاريخ«، وقد حرره في اثنتين وعشرين (22) صفحة. إن أقل ما يمكن أن يقال عن عمله هذا أنه استهدف التصدي لسموم الاستعمار التي حاولت طمس دور منطقة القبائل (الزواوة) في إثراء الحضارة الإسلامية، وهذا لتشجيع سياسة تمايز المنطقة عن باقي الجزائر خدمة لمشروع »الشعب القبائلي« الذي خرج من مخابر غلاة الاستعمار. وعليه فإن نفض الغبار عن عمل الأستاذ علي أمقران ونشره يندرج ضمن العلاج الثقافي الذي تحتاجه المنطقة التي تعاني من تداعيات الكتابة الكولونيالية التي يروجها طيف سياسي معيّن على حساب أصالتها الأمازيغية ومرجعيتها الإسلامية. أما عن اكتشاف الأستاذ علي أمقران لدور آث منقلات ومساهمتهم في الحضارة العربية الإسلامية فإنه قال: »... في مطالعاتي المتواضعة المتعددة لمختلف كتب الطبقات والموسوعات والمجامع الخاصة بالرجال والعلماء، كانت نسبة المشذالي والمنجلاتي أو المنكلاتي أو المنقلاتي وغيرها تمر علي كثيرا، فتحدث في نفسي تموجات كهربائية وشرارات تقضّ مضجعي فتتركني دائما قلقا متطلعا إلى البحث فيها واستكناه ما وراءها). واعتمد في كتابة مقاله المخطوط على العديد من المصادر العربية وأهم هذه المصادر المغاربية: 1- الديباج المذهب، لعلي بن محمد بن فرحون/ 2- عنوان الدراية، لأبي العباس أحمد الغبريني/ 3- نيل الابتهاج، لأحمد بابا التنبكتي/ 4- درة الحجال في أسماء الرجال، لابن القاضي/ 5- نشر أزاهير البستان لمحمد بن زاكور. وبعد أن حدد الكاتب موقع عرش آث منقلات ذكر عشرة علماء من أهل المنطقة اشتهروا بمكانتهم العلمية المرموقة وبسفرهم إلى المشرق العربي طلبا للعلم ثم العمل في مجالات التدريس والتأليف والقضاء، خاصة في القاهرة ودمشق أشهرهم: أبو يوسف يعقوب بن يوسف الزواوي المنقلاتي المتوفى سنة 1291م، الذي تنقل إلى بجاية ثم تونس طلبا للعلم ليستقر في الأخير بمسقط رأسه. وذكر أيضا الشيخ أبا الروح عيسى ابن مسعود المنقلاتي المتوفى سنة 1265م الذي أكمل دراسته بمسقط رأسه ليسافر بعدها إلى بجايةفتونسوالقاهرة ودمشق طلبا للعلم، ونظرا لسمو مرتبته فقد تولّى القضاء في قابسبتونس ثم درس بالجامع الأزهر، كما تولى منصب نيابة قاضي القضاة بدمشق لمدة سنتين، لتنتهي إليه رئاسة الفتوى المالكية بالقاهرة والشام. وفي ميدان التأليف ترك حوالي 10 مخطوطات. كما ذكر المؤلف أيضا شخصية علي ابن عثمان المنقلاتي (القرن الرابع عشر الميلادي) الذي تولى التدريس ببجاية، ولقد تتلمذ على يده العلامة عبد الرحمان الثعالبي نزيل مدينة الجزائر التي اقترن اسمه بها، كما اشتهر بفتاواه المختصرة. وذكر المؤلف أيضا الشيخ أبا حفص عمر المتوفى سنة 1693م وكانت عائلته قد انتقلت من بجاية عقب الاحتلال الاسباني لها إلى مدينة الجزائر وزار المغرب الأقصى وتعرف على بعض علمائها. ومن أعماله الفكرية الأخرى التي اطلعت عليها: - عمل مخطوط بعنوان: نبذ وجيزة عن بعض زوايا ومعاهد ولاية بجاية سنة 1982. - عمل مخطوط حول كتاب »الاعتراف والتواريخ والأخبار والتعريف بالنسب إلى النبي المختار«، لعلي بن محمد بن فرحون المتوفى سنة 646 ه وهو عبارة عن تحقيق وتعليق على الكتاب الخاص بتاريخ الأشراف في منطقة القبائل. - استنساخه لمجموعة القوانين العرفية الخاصة بمنطقة القبائل التي سلمت للجنرال الفرنسي هانوتو في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. - استنساخه لمخطوط بعنوان »قطعة في وصف بعض أحداث انتفاضة 08 ماي 1945 بسطيف وخراطة وما بينهما من ريف« للشيخ المرحوم محمد البشير بن علي بن القريني من دوار معاوية دائرة العلمة ولاية سطيف. - وفي حوزته أيضا العديد من رسائل خطية لرواد الحركة الإصلاحية كالشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ السعيد أبو يعلى الزواوي وابن باديس وغيرهم. أما أعماله المنشورة فهي عديدة منها بحث حول الشيخ يحي العيدلي نشره سنة 1988 في مجلة التاريخ لمعهد التاريخ بجامعة الجزائر بعنوان »هذا الشيخ المجهول الشيخ أبو زكريا يحي العيدلي (القرن 15م)«. هذا ومن خصال الأستاذ علي أمقران أنه كان يحترم المثقفين على مختلف مشاربهم وأفكارهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر عاتبني على ما كتبته عن الأستاذ الطاهر بن عائشة كتعقيب لمقال نشره في أسبوعية الجمهورية انتقد فيه بشدة منطقة القبائل، فدافع عنه الأستاذ علي أمقران ذاكرا أنه من حقه أن يكون له رأي مخالف وجاء في سياق عتابه لي قوله: (... اطلعت في جريدة الجمهورية الأسبوعية العدد 50 الصادر يوم 28 03 1990 تحت عنوان »احذر المغالطة التاريخية يا سي الطاهر« تعقيبكم على كلمة السيد الطاهر بن عائشة نشرت في عدد سابق من نفس الجريدة. لقد هالني الأسلوب الذي اعتمدته في هذا التعقيب لما فيه من سخرية وعنف وتجريح، لعل الأستاذ بن عائشة لا يستحق كل هذا منك ومن غيرك لأن لكل إنسان رأيه الذي يراه، ولكل وجهة هو مولّيها، وقد وددت لو كان نقاشك له سلسا هادئا مثلما فعلت في كلمتك عن الأمازيغية) ثم ختم عتابه ونقده الموضوعي لكلمتي حول الأستاذ الطاهر بن عائشة بقوله: (أرجو أن تحفظ قلمك السيّال لما هو أجدى وأنفع وأجمل مما كتبت هنا). وعندما ألقى الحديث السياسي بظلاله على الساحة في مطلع التسعينيات، شارك الأستاذ علي أمقران فيه من موقعه كمثقف، وقد اتخذ البعد الإسلامي مرتكزا تمحورت حوله آراؤه السياسية خاصة ما تعلق بمنطقة القبائل التي استحوذت عليها شخصية السيد حسين آيت أحمد، وقد جررته إلى مناقشة موضوع رجوعه فقال لي في مراسلة له بتاريخ 14/04/1990م: »أما السيد آيت أحمد حسين فإنه عندي زعيم واعد، طالما دغدغ أفكارنا وطالما افتخرنا به وطالما انتظرناه. ولكنه أخيرا أضاع خطواته في مهاوي الزمان، فلايزال ذلك الزعيم، ولكنه مجرد من ذلك اللمعان الوهاج للزعامة التاريخية«. وفي مراسلة أخرى بتاريخ 12/06/1991 عاد إلى موضوع الأفافاس طالبا مني بصفتي إطارا فيه أنذاك أن أكرّس اللغة العربية في الحزب فقال: »أخي ترى ما فعل الله بتلك الجريدة التي يصدرها بالعربية حزب جبهة القوى الاشتراكية؟ لو كانت لكان أحسن يقصد جريدة السبيل الديمقراطية فلتكن يا أخي في ذلك الحزب المأمول صوت اللغة العربية المجلجل فإن المصيبة قد عمّت وأن الخطر داهم وأن سيادة الزعيم لايزال يسمعنا صوته عن طريق فرنسا، وقد كنا نريد أن يعلن عن رأيه فيما يريد هنا بالجزائر ومن عين الحمام مثلا، أو من بني ورثيلان حتى، إنه أمل ولكن مثل هذه البدوات تضعفه. ولا أكتمك أنه في بعض الاجتماعات التحضيرية لجميع الزوايا والطرق الصوفية، كان الزعيم الوحيد الذي يتردد على أفواه المجتمعين، والزعيم الوحيد الذي يريدون الاتصال به، ويطلبون منه مناصرتهم والدفاع عن قضيتهم، بينما في الساحة الآن الكثير ممن يدعون نصرة الإسلام، ولا أدري لماذا أجمع على ذلك المجتمعون وهم من كل أرجاء الجزائر غربا وشرقا وجنوبا وشمالا ولا أذكر القبائل بينهم. إن العبء ثقيل والآمال فيه عظيمة، فلا يشوبها بهذه الشوائب«. هذا وقد تجرأت على استنطاقه في موضوع الأمازيغية بأن أبديت له بعض أسفي على موقف الدكتور أبي القاسم سعد الله الذي استبعد البعد الأمازيغي في تشكيل الثقافة الجزائرية، وأنا على علم بعلاقته الحميمة معه. وعلى إثر ذلك أخبرني أنه فاتحه في هذا الموضوع في إحدى مراسلاته له بطريقة ذكية لعله يراجع موقفه بالتليين. وقد أخبرني بهذه المراسلة وملابستها في مراسلته المؤرخة 03 / 10 / 1987 جاء فيها: »أتذكر تلك الأغنية التي سمعتها في هدأة ليلة بتّ فيها ساهرا أتململ وأتعذب (يضول سانق أنروح) فأجبرتني على إرسال تلك الرسالة إلى الدكتور سعد الله، وأخبرتني آنذاك أنها لآيت منقلات، وفعلا كانت كذلك«. عانى الأستاذ علي أمقران قبل وفاته بسنوات قليلة من ضغوط العمل ومن وطأة مرض الكلى حتى صار فريسة للقلق والاكتئاب والتوترات النفسية، مما جعله يعزف عن الكتابة الثقافية. علما أنه واجه عراقيل عديدة حالت دون نشر أعماله الفكرية. وقد عبّر عن انكسار معنوياته في رسالته المؤرخة بتاريخ 13 / 12 / 1989 جاء فيها قوله: »... وبعد فكم أنا مشوق إلى الجلوس معك، والتحدث في أمور لا تمت إلى الواقع الأليم بصلة. لقد قدمت استقالتي من زمان، من التفكير والمطالعة الجدية خاصة هذه الأيام، ولولا خوف التجني لقلت إني تصوفت، والتصوف الحق براء من هذا التكاسل والتقاعس والتباله، لأني وجدت نفسي في أوضاع تحتم عليّ أن أعيشها وأنا بعيد عنها لا ناقة لي فيها ولا جمل وقاك الله شرها وشر البشر أجمعين. وثق لولا أنك جررتني جرّا إلى كتابة هذه الكلمات ما خطر ببالي أن أكتب شيئا أبدا«. ولما أنهكه المرض وأرغمه على تصفية دمه آليا ثلاث مرات في الأسبوع، عبّر عن تفاقم علته وتدهور حالته الصحية بأسلوب بليغ جاء فيه قوله: »... نزلت في ضيافة إجبارية في مستشفى الثنية بولاية بومرداس حيث ولدتني من جديد الآلة رقم 05 من آلات تصفية الدم، وإني الآن بشوق إجباري كبير أن أراوح أمي العزيزة ثلاث مرات في الأسبوع«. ثم استقر به المقام في مستشفى الرويبة حيث كان يشرف عليه أحد إخوانه برتبة طبيب. وبعد معاناة طويلة تدهورت صحته وانتقل إثرها إلى جوار ربه في شهر ماي 1995 ودفن بمسقط رأسه بولاية بجاية حيث مقر زاوية أجداده. إن هذا العرض المتواضع عن الأستاذ الجليل المؤرخ والمثقف علي أمقران السحنوني ما هو إلا غيض من فيض، لأن الوفاء بحقه يحتاج إلى تضافر جهود من عرفه من الباحثين والأساتذة والمثقفين من أجل جمع أعماله الفكرية ونشرها، لما لها من أهمية علمية خاصة وأن الكتابة في تاريخ الجزائر الثقافي شحيحة. ومما لا شك فيه أن نشر وبعث أعماله الفكرية من جهة، وإعادة فتح زاوية عائلته من جهة أخرى وهو ما ينتظره أهل المنطقة على أحرّ من الجمر سيعطي دفعا قويا للعلوم والمعارف والثقافة والأخلاق، وسيعيد التوازن الروحي الذي اهتز عندنا في منطقة القبائل بفعل تراجع دور الزوايا الاجتماعي حتى صارت الأمراض الاجتماعية العديدة كالانتحار والمخدرات والفساد الأخلاقي واللصوصية كابوسا يقلق راحة الجميع. محمد أرزقي فراد