في ظل التحديات الجديدة التي تواجه العالم، تندرج مسألة إصلاح منظمة الأممالمتحدة، وعلى رأسها مجلس الأمن ضمن اهتمامات السياسة الخارجية للجزائر، حيث لم تأل بلادنا جهدا في التأكيد على ضرورة مسايرة تركيبة الهيئات الأممية للمعطيات الإقليمية الراهنة، من باب إضفاء الإنصاف بين دول العالم، لا سيما فيما يتعلق بتمثيل الدول على مستوى مجلس الأمن، مع العمل على تحقيق الأهداف التنموية لتحسين معيشة السكان الأكثر فقرا عبر أرجاء المعمورة. وقد جددت الجزائر مؤخرا نظرتها الإصلاحية خلال أشغال الجمعية العامة للهيئة الأممية بمناسبة الذكرى ال70 لتأسيسها، في سياق التغيرات الهامة التي حدثت على الساحة الدولية، مبرزة أهمية دور الجمعية العامة باعتبارها المحرك والمحور المركزي للتعاون الدولي من أجل التنمية وتطبيق قراراتها. والشأن نفسه بالنسبة لإصلاح مجلس الأمن الذي تمليه التحديات الجديدة والتهديدات التي تشكل خطرا على السلم والأمن الدوليين، باعتبار أن هذا الجهاز لم يعد يعكس مكونات المجتمع الدولي لاسيما القارة الإفريقية. ووفق نظرة الجزائر فإن مجلس الأمن الأممي بهيكلته الحالية أضحى لا يعكس التغير الكمي والنوعي للعالم، ولا التغيرات السياسية التي شهدها مما يتطلب إصلاحه، حيث تعترف المجموعة الدولية بالاختلال الموجود داخل مجلس الأمن الأممي. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الهيكلة الحالية لمجلس الأمن ونمط سيره يعودان إلى فترة ما بعد الحرب العالمية، وأن منظمة الأممالمتحدة انتقلت من 70 إلى 194 عضوا، حيث أن إفريقيا تضم لوحدها 54 دولة لا يتم تمثيلها بالشكل الكافي ولا يتم السماع لصوتها، رغم أن 80 بالمائة من أجندة مجلس الأمن تتعلق بمسائل إفريقية. ولطالما حرصت الجزائر على الدفاع عن الموقف الإفريقي فيما يخص تخصيص مقعد دائم للقارة بمجلس الأمن لمنظمة الأممالمتحدة، في إطار التطلع المشروع لإفريقيا في أن تكون شريكا في الرهانات الكبرى المتعلقة بوضع مؤسسات وقواعد حكم عالمي جديد، مثلما تنص على ذلك أرضية "ايزولويني" التي التزمت كافة الدول الإفريقية بالدفاع عنها، كونها تقوم على ضرورة التمثيل الجغرافي العادل وبصلاحيات لا يستهان بها في مجلس الأمن. وإذ تعد من الدول الأولى التي طالبت بإدراج مسألة توسيع مجلس الأمن في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ترى الجزائر أن ذلك من شأنه أن يجعل منه (المجلس) جهازا أكثر تمثيلا وديمقراطيا، ويزود بطرق عمل شفافة يتقاسمها الجميع، كما أن عملية التوسيع من شأنها أن تجعل قرارات مجلس الأمن تستجيب للإرادة العامة وبالتالي أن تكون ذات شرعية ومصداقية، مما سيعزّز فعالية هذا الجهاز الأممي الذي تتمثل مسؤوليته الأولى في حفظ السلم والأمن الدوليين. وتحرص بلادنا على تقنين استعمال حق النقض من قبل أعضاء المجلس الخمسة، كون الأمر يتعلق بمسألة ضرورية بالنسبة لمصداقية الأممالمتحدة، مما يتطلب إقناع هؤلاء الأعضاء بضرورة هذا الإصلاح، كون ذلك يهم مصالحهم الوطنية ومصالح المجموعة الدولية كذلك. كما ترى الجزائر ضرورة منح الجمعية العامة نوعا من المراقبة على أعمال مجلس الأمن، كونها تعد بمثابة برلمان كل الإنسانية، يسهر على أن تجري أعمال مجلس الأمن في شفافية، مع السهر على تمكين البلدان والمنظمات الإقليمية التي تود التعبير عن مواقفها من أن تلعب الدور المنوط بها كعضو فعّال للمجموعة الدولية. وبلا شك فإن موقفها ينطلق من قناعتها بأهمية التفكير في تدارك التأخر الذي يشهده المجلس الذي لم يشهد خطوات إصلاحية سوى مرات قليلة، حيث كانت المرة الأولى عام 1965، بعد تصديق ثلثي أعضاء الأممالمتحدة بما في ذلك الدول دائمة العضوية على زيادة عضوية الدول غير الدائمة من ستة أعضاء إلى عشرة أعضاء. وكان إصلاح مجلس الأمن قضية مدرجة بشكل دائم في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1979، لكنها لم تحظ باهتمام كبير. ومنذ انتخاب بطرس بطرس غالي، أمينا عاما للأمم المتحدة عام 1992 انطلقت مناقشات موسعة حول إصلاح مجلس الأمن وتوسعة أعضائه، وطالبت كل من اليابان وألمانيا بمقاعد دائمة بمجلس الأمن باعتبارهما ثاني وثالث أكبر مساهمين في الأممالمتحدة، كما طلبت البرازيل مقعدا دائما باعتبارها خامس أكبر بلد من حيث المساحة. كما طالبت الدول الإفريقية بمقعدين دائمين لدول القارة الإفريقية على أساس الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة، واقترحت سويسرا مع 19 دولة تعرف بمجوعة "أكت" (ACT) بتقديم اقتراحات تتعلق بالمساءلة والشفافية في عمل مجلس الأمن. كما تعددت المؤتمرات المطالبة بالإصلاح لكن بقيت كل الأفكار والخطط ومحاولات الإصلاح حبرا على ورق رغم الاعتراف بأهمية وضرورة إصلاح مجلس الأمن، وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قد أقر في وقت سابق بأن جميع الدول تقريبا متفقة على أن مجلس الأمن يجب إصلاحه، لكن تبقى الدول الأعضاء غير قادرة على الاتفاق حول كيفية الإصلاح وأسلوبه، معترفا بأن المنظمة الدولية تواجه تحديات جسيمة في إثبات مصداقيتها والعمل لمعالجة القضايا الدولية الملحة وتحقيق الأمن والسلم في العالم. وإلى جانب مسألة الإصلاح تولي الجزائر أهمية كبيرة للظرف الراهن والذي تطبعه تحديات وتهديدات على السلم، وكذا العراقيل التي تعترض التنمية، حيث ترافع من أجل توحيد الجهود لمكافحة الفقر وتبنّي مقاربات جديدة للشروع في التنمية وتحسين الظروف المعيشية للشعوب، إضافة إلى حماية البيئة. وقد أبرزت الجزائر خلال الدورة الأخيرة للجمعية الأممية، ما حققته في هذا المجال مما جعل الوكالات الأممية المعنية تشيد بهذه الجهود، علما بأن الجزائر تبنّت سياسة تنموية تهدف إلى إنعاش وتيرة التنمية الاقتصادية والتكفل بالاحتياجات الاجتماعية لجميع المواطنين، مع دعم تعزيز دولة القانون واستقلالية العدالة وحرية التعبير، فضلا عن المساواة في الفرص بين الرجل والمرأة. ويبرز جليا التعاون الوثيق للجزائر مع المنظمة الأممية، حيث أكدت في عدة مناسبات أنها ستبقى شريكا موثوقا به وطرفا في الالتزام المتجدد للمجتمع الدولي بهدف تعزيز تعددية الأطراف، وبروز حكامة عالمية ديمقراطية شاملة لتحسين ظروف معيشة المواطنين الأكثر حرمانا وذلك بالاستثمار في التنمية وكذا السلام والأمن الدوليين، إلى جانب رفع تحديات الفقر والتنمية وحماية البيئة، واحترام حقوق الإنسان ومواجهة التهديدات الإرهابية، وكذا الأخطار المتصلة بأسلحة الدمار الشامل.