شكلت مكافحة السيدا في الجزائر أولوية وطنية، منذ أول ظهور لهذا الداء سنة 1985، وحقق هذا المسعى قفزات نوعية مهمة من وقتها تكللت بوضع المخطط الوطني الإستراتيجي لمكافحة السيدا 2013-2015، وهو المخطط الذي يعمل على تقريب العلاج للمصابين بالداء والحاملين للمصل الإيجابي، وحتى على الوقاية، كمحور أساسي للوصول إلى هدف الألفية للتنمية وإيقاف زحف الآيدز في نهاية العام الجاري 2015. هذا ما يشير إليه التقرير الأخير الصادر عن جمعية "أيدز الجزائر" بالتنسيق مع وزارة الصحة وصندوق الأممالمتحدة للسيدا وغيرهم، تحوز "المساء" على نسخة منه، ويذّكر بمكافحة الآيدز في الجزائر وكيف تعهدت أعلى السلطات على مستوى الدولة بالاشتراك فيه، وهو ما مكّنها من تحقيق قفزات نوعية سمحت ببقاء الداء قليل النشاط وسط السكان ومرتكز بين فئات عمرية محددة. إستراتيجية وطنية للقضاء على انتقال فيروس السيدا من الأم إلى الطفل ومن أبرز ما أنجزته الجزائر لإيقاف زحف داء الآيدز، إعداد المخطط الوطني الاستراتيجي لمكافحة السيدا 2013-2015، بهدف الإنقاص بصفة ملموسة لحالات جديدة، والإلحاح على أهمية التشخيص المبكر، وكذا دعم النشاطات الجوارية للوقاية من هذا الداء، خاصة وسط النساء في سن الإنجاب، بدعم التكوين الطبي المتواصل، التكفل بحالات الانتانات المتنقلة جنسيا، وترقية نوعية العلاج والخدمات للأشخاص الحاملين لفيروس (أش.إي.في)، وكذا محاربة تنقل الفيروس من الأم إلى الرضيع. في هذا الإطار، يشير التقرير إلى الاستراتيجية الوطنية للقضاء على انتقال فيروس السيدا من الأم إلى الطفل، حيث قطعت بذلك الجزائر أشواطا كبيرة بخصوص إعلان الأممالمتحدة حول فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة لسنة "2011، حيث تعد الجزائر من البلدان القلائل التي طبقت توجيهات منظمة الصحة العالمية حول العلاج منذ سنة 2010، كما أشار التقرير إلى أن تغطية العلاج المضاد للفيروس الذي يسمح للأشخاص الحاملين لفيروس السيدا بالعيش في صحة جيدة وممارسة نشاطهم كفاعلين في التغيير داخل المجتمع، عن طريق مواصلة مكافحة التهميش والتمييز ضد المتعايشين بالفيروس. في هذا الصدد، يذكر التقرير أن البرنامج المشترك للأمم المتحدة حول فيروس داء فقدان المناعة المكتسبة والسيدا، أن الجزائر ومنذ اكتشاف أول حالات السيدا سنة 1985، كانت من بين البلدان القلائل التي عملت بجد للوصول إلى تحقيق أهداف المنظمة الأممية المتمثلة في جيل بدون سيدا، الأمر الذي أصبح حسب التقرير- من الممكن تحقيقه في نهاية عام 2015. استقرار نسبة الإصابة بالداء مع انتشار ضعيف واستنادا إلى نفس التقرير، فإن الوضعية الوبائية للآيدز في الجزائر تتميز بكونها قليلة الانتشار، أي أن الوباء ضعيف النشاط بمعدل انتشار يصل إلى أقل من 1% في مجموع السكان، كما أنه مركز على مستوى الفئات الأكثر قابلية للإصابة بالعدوى، أي النشيطين جنسيا، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه، إلى غاية 31 ديسمبر 2014 ومنذ ظهور أول إصابة سنة 1985، تم إحصاء 9103 شخصا مصابا، من بينهم 1561 حالة إصابة بالسيدا والباقي حاملين للمصل الإيجابي. وفي السنة الماضية، تم إحصاء 845 حالة إصابة بفيروس "أش.إي.في" وتم تشخيصها، منهم 435 رجالا و410 نساء. أما الفئة العمرية الأكثر إصابة فهي 25-29 سنة، بينما 30-34 سنة فنسب الإصابة متتالية بين 13.2% و16.3% من الحالات الجديدة. ويشير التقرير في معرض تحليله للحالة الوبائية للسيدا في الوطن، إلى أن عدد الإصابات الجديدة ب«الاش.إي.في" المشخصة تظهر حالة استقرار واضح في نسبة الإصابة بمعدل يتراوح بين 700 و800 حالة تشخيص في السنة. وتترجم هذه الأرقام النزعة نحو استقرار حالات الإصابة بالمصل الإيجابي بأقل من 1000 حالة إصابة جديدة في نهاية عام 2015، وهذا من أهداف المخطط الوطني الاستراتيجي 2013-2015 عبر المحور الاستراتيجي؛ الوقاية. من جانب آخر، يبين تقسيم الإصابة بالفيروس عبر السن والجنس للمصابين منذ عام 1985 إلى سنة 2014، أن الفئات العمرية الأكثر تمثيلا هي 25-39 سنة وكذلك 20-24 سنة، حيث أن الفيروس يصيب النشيطين جنسيا، مع الإشارة إلى أن نسبة النساء اللائي تم تشخيصهن وصلت إلى 47% من حالات الإصابة الجديدة ب«الاش.إي.في" سنة 2014 مقابل أقل من 1% من سنوات الإصابة الأولى. ومن المهم أن نشير أيضا إلى أن طريقة الإصابة بالعدوى بقيت نفسها طيلة هذه السنوات، وبشكل أساسي في العلاقات الجنسية المتباينة وغير المحمية بنسبة 90%، أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي للإصابة بالفيروس فإن التقرير يؤكد على أن الداء منتشر في كامل الوطن، مع الإشارة إلى أن نسبة الإصابة تبقى مرتفعة في مناطق الوسط والغرب من الجمهورية، غير أن التقرير يشير إلى أن هذه النسب المتوصل إليها بسبب عمليات الكشف التي تم إجراؤها تحديدا في هذه المناطق أثناء إعداد هذه الدراسة. ومن ضمن ما يذكره التقرير؛ الأنشطة التوعوية التي تم إجراؤها خلال صيف 2014 من طرف ‘آيدز الجزائر' بهدف التحسيس حول الداء وسط المصطافين ومست الفئة العمرية 15-49 سنة، وتحديدا في ولايتي سكيكدة في الشرق والجزائر في الوسط، وأظهرت النتائج أن هناك نقص عند هذه الفئة في معرفة داء الآيدز وكل المعلومات المتعلقة به، وهذا ما قد يقوض الجهود المبذولة للوقاية من هذا الداء، حيث أظهر التحقيق أن نسبة 7.5% فقط من الشباب بين فئتي 15-24 سنة يعلمون أن طرق انتقال عدوى "أش.إي.في" تتم عبر الجنس والكيفية الصحيحة للوقاية منه عبر استعمال الواقي، كما تبين الإجابات أن 37.7% من المستجوبين أقاموا علاقة جنسية غير محمية قبل 15 سنة (16.8% في فئة 15-19سنة و20.6% في الفئة 20-24سنة)، وأن 51.8% من الراشدين ضمن عينة الدراسة (56.8 % رجال و14.3% نساء) أفادوا بأنهم أقاموا علاقات جنسية مع أكثر من شريك خلال ال12 شهرا الأخيرة، مع الإشارة إلى أن الرجال هم المعنيون بالدرجة الأولى في مسألة تعدد الشركاء الجنسيين بنسبة 44.4% لدى الفئة 15-19 سنة،وب55.1% عند الفئة 20-24 سنة،وب74.4% لدى الفئة 25-29 سنة. في المقابل، وجدت نسبة 55.6% عند النساء اللائي اعترفن بوجود أكثر من شريك جنسي وتحديدا عند الفئة أكثر من 25 سنة. مضاعفة حملات التحسيس والتوعية ضد مخاطر هذا الداء ومن كل هذه الأرقام يجب التنويه، استنادا إلى التقرير، إلى أن 51.8 % من ضمن 151 رجلا و05 نساء في فئتي 15-49 سنة اعترفوا بممارسة الجنس مع شركاء متعددين دون حماية، فقط نسبة 23.2% أقرت باستعمال الواقي، مما يعني أن أكثر من 75% من العينة مارست الجنس غير المحمي، بالتالي يأتي خطر الإصابة بالآيدز، وهو ما يعني في المقابل، تكثيف جهود الوقاية والتحسيس للوصول إلى أهداف المخطط مع نهاية عام 2015. وتحت بند الوقاية والتحسيس، فإن التقرير يشير إلى أنه في إطار الإستراتيجية التي سطرتها الجزائر في 2013-2015، فإنه ستتم مضاعفة حملات التحسيس والتوعية ضد مخاطر هذا الداء، عن طريق دعوة الأشخاص إلى ضرورة إجراء فحوصات مجانية، ناهيك عن الزيارات الميدانية على مستوى 48 ولاية للحد من انتشار هذا الداء الذي ينتقل عن طريق الدم بهدف تحقيق صفر بالمائة نسبة مطلع عام 2020. كما تم تحديد الشروع في حملات تحسيسية لدعوة الأشخاص إلى إجراء فحص مبكر، ودعم وإيصال العلاج إلى كل شخص مصاب، خاصة أن 90% من حالات الإصابة سببها العلاقات الجنسية غير المحمية، بالإضافة إلى تنقل الفيروس عن طريق الأم إلى الجنين أو عن طريق حقن المخدرات، ناهيك عن شفرات الحلاقة. في هذا المجال، يشير التقرير إلى ما حققته الجزائر من خلال إنشاء 15 مركزا مرجعيا للكشف عن الآيدز (حسب إحصائيات 31 ديسمبر 2014)، وهي المراكز المتواجدة في مصالح الأمراض المتنقلة بكبرى المستشفيات العمومية التي تؤمن مجانية التكفل بالمصابين بعدوى "الاش.إي.في" عن طريق تطبيق العلاج المضاد للفيروسات القهقرية التي تظهر الأرقام بشأنه أن نسبة المستفيدين منه في تزايد منذ بدء تطبيقه.