أعلن رئيس جمعية 11 ديسمبر 1960، وضابط في جيش التحرير الوطني، سعيد بوراوي عن قاموس خاص بشهداء ولاية الجزائر، تعكف الجمعية على إعداده ليوزع على المؤسسات التربوية، مضيفا أنه سيتم طبع 5 آلاف نسخة من هذا القاموس في مرحلة أولى. وسيتم إضافة حصص أخرى من هذا الإصدار الوثائقي الهام ووضعها بشكل تدريجي تحت تصرف جميع المؤسسات التعليمية عبر الوطن. وأوضح رئيس الجمعية، أن القاموس سيتضمن صور الشهداء مع أسمائهم والمسيرة النضالية لكل منهم، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من الشهداء لا تزال هويتهم مجهولة. كما كشف المتحدث، خلال ندوة تاريخية نظمت أمس بمنتدى يومية "المجاهد"، عن عملية إحصاء، قامت بها الجمعية، بينت أن عدد شهداء الثورة التحريرية المولودين بالعاصمة يقدر ب2282 شهيدا، بالإضافة إلى 5 آلاف مولودين بولايات أخرى، سقطوا في ميدان الشرف بالعاصمة، فيما تم إعدام 29 مجاهدا بالولاية، 10 منهم رميا بالرصاص، فضلا عن إحصاء 3 آلاف آخرين في عداد المفقودين. وأدلى كل من المجاهد عبد المالك محيوز وسعيد بوراوي، بشهادات حية، بمناسبة إحياء الذكرى ال55 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي اعتبراها نجاحا سياسيا من بين النجاحات الشعبية الباهرة التي حققتها الثورة التحريرية. وروى المجاهد محيوز بالمناسبة أن مدينة الجزائر كانت في تلك الفترة قد أرهقت بالاعتقالات والقمع الذي مارسته السلطات الاستعمارية أثناء معركة الجزائر وكانت كل محاولة للتنظيم غير ممكنة في هذه الأجواء. ورغم هذا، فقد حاول بعض المناضلين ومن خرج من السجن إعادة تنظيم الصفوف وهيكلة التنظيم من جديد، حيث قررت الحكومة المؤقتة في 1960 إسناد التنظيم في العاصمة إلى الولاية الرابعة ثم أعلنت منطقة مستقلة. وكلف بذلك قائد الولاية الرابعة، العقيد الجيلالي بونعامة "سي محمد" بعض الضباط في جيش التحرير الذين يعرفون العاصمة، بالالتحاق بها قصد إعادة بعث التنظيم هناك من بينهم محمد بوسماحة وروشاي بوعلام، بوراوي سعيد، بلحاج عثمان، علي صلامبي وجمال بناي وغيرهم. ويروي المتحدث أن هؤلاء الضباط التقوا بالعاصمة في شهر سبتمبر وحاولوا إعادة الاتصال مع بعض خلايا جبهة التحرير حيث عقد آخر اجتماع بحي في بن عكنون عند الحاج عيسى دودو في 20 نوفمبر1960 لكن استشهاد بعضهم في اشتباك في بني مسوس يوم 25 نوفمبر ومنهم بلحاج عثمان (سي جعفر) وعامور حميد وبوجمعة خليل، في حين تم اعتقال بوسماحة وبوراوي سعيد وترمول توفيق. ولم يبق من أعضاء الخلية بعد المعركة إلا روشاي بوعلام (سي الزبير) وخليفة محمد وجمال بناي، فقد حاولوا البحث عن مأوى من جديد وإعادة الاتصالات مع الإخوة. وتمكن روشاي بوعلام ورفاقه من الالتحاق بعائلة "خميسة حسان" ومكثوا بها استعدادا للتحرك. أما الدور الشعبي في التظاهر بالعاصمة، فكان منذ الأيام الأولى لشهر ديسمبر وهذا ما يوضحه أيضا الجنرال "جاكان" لمجلة ايستوريا في العام 1973، حيث أشار إلى أن الشرطة قد سجلت تململا واضطرابات في صفوف الشباب المسلمين. كما بدأت التحضيرات، يضيف الشاهد، بشراء أقمشة باللونين الأخضر والأبيض، فيما تشير كل الروايات إلى أن ما زاد اشتعال فتيل الغضب هو حادثة الاعتداء على "عمي أرزقي أديم" بشارع ليون سابقا، بلوزداد حاليا، مساء يوم السبت 10 ديسمبر من قبل بعض المعمرين الشباب الذين استغلوا حالة التوتر جراء مظاهرات جبهة الجزائر الفرنسية ضد مشروع ديغول بالسخرية من الشيخ. وصادفت هذه المناوشات بين شباب جزائريين من بلكور ومعمرين، مرور سيارة جيب تابعة للجيش الفرنسي كان على متنها ثلاثة جنود فتوقفوا لمعرفة ما يحدث ثم قاموا باقتداء الجميع لمقر "لاساس" الذي يبعد عن مسرح الحدث ببضعة أمتار فقط. وبعدها قام بعض الشباب برشق تلك السيارة بالحجارة والطماطم وأمام حجم التجمع، خرج الضابط برنارد وسمح للجزائريين بالتظاهر شريطة أن يرددوا شعارات ديغول وهي"الجزائر جزائرية" وبسرعة كبيرة تطور الوضع، ولم يعد الأمر يتعلق بحادثة اعتداء بسيطة بل صار قضية وطن وامتدت شرارة الغضب من شارع ليون إلى العقيبة وصالامبي وبدأت الأصوات تتعالى "الجزائر مسلمة"، وبدأ تحطيم واجهات المحلات وبعدها أحرقت أروقة بلكور بشكل أوحى أن الغضب أكبر. واغتنم مسؤولو جيش التحرير هذه الأحداث التي كان لابد من احتوائها. وأعطى قائد المنطقة، سي زبير، بعد اجتماعه بعدد من المناضلين الذين كان على اتصال بهم في مخبئه بالقبة، تعليماته ليتم تأطير المظاهرات بتدعيم وتقويتها وكذا ضبطها وتأطيرها وشراء الأقمشة لإخاطة الأعلام وتحديد الشعارات وتقديم تصريحات للصحافيين الأجانب. وعلى هامش الندوة، طلب الضابط في جيش التحرير الوطني، سعيد بوراوي عدم تغليط الشباب وعدم التشويش عليهم بالتصريحات المنتقدة لبعض زعماء الثورة، داعيا كل مجاهد لا يزال على قيد الحياة إلى قول الحقيقة كل الحقيقة أو التزام الصمت عندما يتعلق الأمر بأمور لم يعايشوها بأنفسهم.