إذا كنا ركّزنا من خلال هذا العمود الرمضاني »مع الصائمين« على عديد السلوكات التي تخل بالحياة العامة، فإن ذلك لا يعني أن الدنيا ليست بخير، وأن كل الناس يقعون في شراك أنفسهم وأعصابهم ونزواتهم، أو أن كل الصائمين لا يُقبلون على فعل الخيرات وافتكاك الحسنات، خاصة خلال الشهر الفضيل الذي يتضاعف فيه الجزاء (ثوابا وعقابا)، ومحل الشاهد هنا أن صور التطوع وخدمة الصائمين في مطاعم الرحمة مثلا يعد من أسمى معاني الخير والتجرد من الأنانية والذاتية، والذين يكظمون غيظهم ويتحكمون في أعصابهم حينما يقعون في شجارات، يسجلون نقاطا إيجابية ويضربون أروع الأمثلة في كبح جماح النفس، وكذلك الأمر حينما نرى كثرة المتسولين (المحتاجين وغير المحتاجين) يدقون الأبواب أو يجلسون أمام المحلات، فهم يعلمون أنهم سيجدون مآربهم عند مواطنين لا يتأخرون في مد يد المساعدة النقدية أو العينية، مما يجعلنا نقول بأن أهل الخير لا ينقطعون ، وذلك من سنن الكون ونواميس الخالق. ولأن سلوكات الخير والسداد لا تظهر بالشكل الذي تصدمنا به السلوكات السلبية، فإنه يتراءى لنا أن الخير والتضامن والتكافل قليل او منعدم، غير أن الحقيقة أشبه بكأس نصفه ماء يتحدث أحدهم عن الجزء المملوء بينما يذكر الآخر الجزء الفارغ، ثم ان من يسدون الخير قد لا يظهرون لنا لكونهم يقومون بذلك خفية من باب أن أحسن صدقة هي عندما لا تعلم يمين المتصدق ما أنفقت شماله.