سلوكات رمضان ينبغي أن تكون مغايرة لسلوكات ما قبله من الشهور، فإذا كان الحج أياما معدودات لا خصام فيها ولاجدال، فإن رمضان تغيير كله في سلوك الصائم، والسلوك هنا بمعناه العميق إمساك الأذى وتحريك المحاسن والتعامل بها، ومن هنا تبدأ الثقافة الرمضانية التي تخط للمسلم مسلكا إنسانيا رفيعا يرقى به إلى مستوى روحي لا نظير له، حيث تتحول أعماله وأقواله كلها إلى مصفى يراقبها ويكررها ولا يخرج للناس إلا الطيب من القول والعمل. رمضان ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب، لأن قضية المأكل والمشرب قضية ظاهرية، وإنما رمضان هو تدريب الإنسان نفسه على الغوص في المحامد والمكارم واجتناب كل ما يلوث النفس ويلطخها بعيوب القول والفعل، فاليد تصوم عن إيذاء الناس وظلمهم وتتحول إلى مساعدة ومساندة ومعينة لهم على قضاء مآربهم، إن استطاع صاحبها مدّها إلى الخيرات، واللسان هو النافذة التي يطل منها الخير والشر، ويسيل منها الكلام العذب النقي والقبيح النتن، فمن طهر لسانه طهر قلبه، والعين الفاحصة عن أماكن الخير ومساعدة الناس وقراءة أحوالهم. لكن هل نحن نعطي للصيام حقه؟ أم أننا نراه مجرد تقليد ومورث وطقوس كما يسميها البعض نقولبها في شهر، حيث نربط بطوننا نهارا ونفك رباطها ليلا فتعمل عملها في الاطعمة وتغير أوقاتها، أما ما نظنه هدفا للتغيير فيبقى على حاله، بل ربما يزيد شراهة وتنتشر فيه المساوئ، فلا نرى الناس، خصوصا في الاسواق، إلا منغمسين في الأيمان الكاذبة والأصوات العالية التي يتخللها الكثير من المرات السبّ والتجريح وقد تصل في بعض الاحيان الى المصارعة وسفك الدم، وهذه الحركات والأفعال ليست من الثقافة الرمضانية، ولم يأت بها الإسلام من سلطان من بعيد أو قريب، لأن ثقافة رمضان هي ثقافة نصل من خلالها إلى بلوغ الإنسان الحقيقي في تلاشي "الأنا" في "نحن" في المجتمع، فرمضان سلوكات إنسانية نبيلة تدرب الفرد على مد العلاقات الطيبة ليس مع أهله في أسرته، بل مع جيرانه ومحيطه ككل، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى قوله، أن الصائم لا يفسق ولا يشتم وإن تعرض للسب والشتيمة فيقول اللهم إني صائم، هذه هي سلوكات رمضان المعظم التي تهذبنا وتعلمنا كيف نتعامل مع بعضنا البعض، وهذا ما جعل الكثير من المؤمنين يتمنون أن يكون العام كله رمضانا، لأن الإنسان الحقيقي يرتوي بمكارم الأخلاق ومحامدها، وهذا هو الصيام.