شكلت عادات الطبخ في منطقة الشلف، نقطة جذب لزوار معرض "طياب بلادي" الذي نظم مؤخرا في إطار برنامج "الأيام الخضراء للجزائر"، حيث جذبت الرائحة الشهية المنبعثة من مائدة ممثلة ولاية الشلف محبي الأطباق التقليدية، لاسيما أنها كانت تحمل العديد من الأطباق التي أثارت فضول الزوار. وتزخر ولاية الشلف بعادات وتقاليد لا تزال راسخة وتتوارثها الأجيال، وعلى رأسها الطبخ التقليدي الذي يتميز بذوق فريد وطعم لذيذ، إذ تتعدد الوصفات التي تنقلها الفتيات عن الأمهات والجدات حتى لا تزول، وتعد تلك المنطقة من بين الولايات المحافظة بشكل كبير على الوصفات القديمة، ولا نجدها في الأرياف فقط، إذ تعتبرها الأسر في أوساط المدينة جزءا لا يتجزأ من عادات الأكل، سواء في المناسبات والأعياد الدينية، أو في سائر الأيام العادية. التقت "المساء" خلال المعرض بالسيدة خيرة بربري عجاج، مختصة في الأطباق التقليدية وعضو في جمعية الانتصار للعادات والتقاليد في ولاية الشلف، عرضت من خلال "المائدة" الإرث الاجتماعي والثقافي لسكان المنطقة، وأوضحت أن الولاية تزخر بأطباق عديدة، أغلبها صحية لاعتمادها على الطبيعة في تحضيرها، حيث لا تزال النساء تدخل في وصفاتها كل المقادير الصحية من الأعشاب والزيوت الطبيعية وكذا التوابل، وأكدت خيرة أن تخصصها في الأكلة الشعبية كان بعد بحثها العميق وسط المسنات عبر مختلف ربوع الولاية، حيث تفنن في مزج مكونات من خضر، توابل، أعشاب وقمح لابتكار وصفات لذيذة. وهي اليوم تحاول جاهدة إعطاء الاعتبار لتلك الأكلات والتعريف بها في باقي الولايات. وعن الكسكسي الذي يعتبر الطبق الجزائري المفضل، والذي يعرف بعض التغيرات في طريقة التحضير أو نوع الخضر المستعملة فيه أو التوابل، تقول المتحدثة بأن الكسكسي حاضر في مختلف المناسبات السعيدة أو الحزينة، فسكان الشلف لا يستغنون عنه ويعرفونه بطبق "البركة" كونه يشعر آكله بالشبع ويطعم الحضور مهما كان عددهم، ويتميز كسكسي الشلف بمرقه المكتنز بمختلف الخضار، على غرار الجزر، الطماطم، البصل، الكوسة، البطاطس، وكذا اللفت، كما يطهى بالحمص واللحم أو الدجاج، ويستعمل فيه بهار "رأس الحانوت" أو التوابل السبع. تواصل المتحدثة قائلة: :يقدم إلى جانب الكسكسي، طبق "الرفيس" وهو عجينة مفتتة إلى شرائح صغيرة تعسل ويذر عليها القليل من القرفة أو تؤكل بالسكر والبيض والزبيب. مشيرة إلى أن الأمر الوحيد الذي اختلف بين الأمس واليوم هو طريقة فتل الكسكسي، فقلة قليلة من الشابات في يومنا تعلمت طريقة الفتل، في حين تعتمد الأخريات على شرائه بمختلف أنواعه من الأسواق، وتضيف خيرة أن الشلف تزخر بأنواع عديدة منه، أشهرها كسكسي البلوط المعروف في المناطق الريفية من الولاية، والذي يحضر عادة خلال فصل الربيع، فهو أكلة صحية ولذيذة في آن واحد، حيث تقوم النساء بتجفيف البلوط، ثم طحنه وفتله على شكل حبيبات صغيرة، لونه بني مائل إلى السواد، يؤكل باللبن أو الرايب أو بالخضار، كما يمكن تناوله مع القليل من الزبدة الطبيعية فقط، لاسيما أن مذاقه حلو وجيد، كما يتم تحضير كسكسي "الغرشالة" الشهير بالمنطقة ويتميز باللون الأسود، ويحضر بالشعير ويقدم رفقة بعض الفواكه مثل "الدلاع" والرمان، إلى جانب اللبن والرايب. وتواصل محدثتنا قائلة: يعد طبق "الحموم" من ألذ الأطباق التي يتمتع بتناولها سكان الولاية، يتم تحضيره قديما صدفة على أيادي الجدات، وأصبح جزءا لا يتجزأ من إرثنا، حيث كانت النساء قديما يخزن القمح في "المطمورة" وبعد هطول الأمطار بغزارة كان ذلك القمح يتشرب بالماء ويتكثف حجمه ويتخمر ويصبح له مذاق يميل إلى الحموضة، فجربت النساء المقتصدات طهيه على البخار قبل الحكم عليه بأنه فاسد أو يلقى في النفايات، وأكلناه ووجدن أن مذاقه جيد كما أنه مفيد للصحة، فهو خفيف على المعدة. وعن الأعشاب المستعملة في تحضير الكسكسي، تقول خيرة : "يعطي الزعتر مذاقا طيبا للكسكسي والكسرة التقليدية ويقدم عادة للمرأة النافس لتذر الحليب، كما يخدم جهازها المناعي"، وعن طبق "البركوكس"، تقول المتحدثة بأنه يحضر بمختلف أنواع اللحوم ما عدا السمك، وغالبا ما يكون "بالقديد" ويتميز بمذاق لاذع. يحضر في عاشوراء، وفي موسم البرد ليمد الجسم بالطاقة. ومن بين الأكلات التقليدية الخفيفة التي تميز منطقة الشلف؛ "المعقودة الحارة"، فاليوم أصبحت محلات بيع الأكلات السريعة تتخصص في تحضيرها، يعشقها الكبار والصغار، وهي تحضر من البطاطس المهروسة التي يضاف إليها الفلفل الحار، والقليل من المعدنوس والثوم، ثم تقلى على شكل كريات وتقدم ساخنة مع الخبز التقليدي.