ينظم مخبر التطبيقات النفسية في الوسط العقابي لولاية باتنة، ملتقى وطنيا بعنوان "نحو استراتيجية شاملة لحماية الشباب من الانحراف، استقراء للواقع واستشراف للمستقبل"، وهذا يومي 23 و24 فيفري الجاري. ويبرز الأستاذ أمزيان وناس مدير مخبر التطبيقات النفسية في الوسط العقابي بجامعة باتنة "1" في هذا الحوار، الأسباب المؤدية بالشباب إلى الانحراف، داعيا السلطات إلى تشديد مراقبة مواقع الأنترنت، بما فيها وسائل الاتصال الاجتماعي التي تحرض على العنف والانحراف. ملفتا إلى أن الملتقى يقترح استراتيجيات للتكفل بالمنحرفين من جميع النواحي. ❊ فيما تتمثل أهمية تنظيم ملتقى يعنى بتحليل آفة انحراف الشباب؟ — بداية، نود تقديم الشكر الجزيل لجريدة "المساء" العريقة على اهتمامها بشريحة الشباب، خصوصا أولائك الذين زلت قدمهم في طريق الانحراف، ونرجو أن تساهم بقسط متوفر في توعية الشباب بمخاطر الانحرافات بكل أنواعها، أما عن سؤالكم حول أهداف تنظيم الملتقى الوطني الموسوم بنحو استراتيجية شاملة لحماية الشباب من الانحراف، فهي متعددة نذكر منها، عرضيا لا حصريا، هدف تحسيس مختلف فئات المجتمع حول خطورة السلوك المنحرف والجانح الذي قد يتطور إلى سلوك إجرامي في المستقبل، إن لم يتم التكفل بالحالات المنحرفة مبكرا، مع تحسيس فئة الشباب بأهمية العيش في كنف التسامح والتفاهم وتقدير الآخر واستغلال فرصة الحياة بدل العيش بطريقة اصطناعية تغلفها المواد المخدرة والكسب غير المشروع وغير ذلك. إلى جانب لفت نظر الفاعلين في المجتمع إلى الخطورة التي تحدق بالشباب، والتي تأتيهم تارة من المحيط الواسع الذي يعيشون فيه، وتارة يشكلون هم خطرا على أنفسهم نظرا لقلة وعيهم بما يترتب على تلك الانحرافات من مآسي وخسارة قد تلاحقهم طوال حياتهم، وعلى المجتمع بمؤسساته أن يتحرك أمام استفحال الانحرافات وتعددها وانتشارها بين الشباب الذي يعتبر ذخرا للوطن. كما نحاول التعرف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انحراف الشباب في المجتمع الجزائري وتشخيص الوضعية بكل موضوعية، بحيث نسمي الأشياء بمسمياتها وكل من له يد في انتشار الانحرافات بين الشباب على الخصوص أن يتحمل مسؤوليته أمام الله عز وجل والمجتمع وأمام ضميره والعدالة، بالطبع، تكون بالمرصاد للفاسدين. ❊ وماذا يقترح ملتقاكم هنا للوقاية من ظاهرة انحراف الشباب؟ — أولا نقترح سبلا للتكفل بهم منذ السنوات الأولى من عمرهم لجعلهم بمنأى عن مخاطر الانحراف وانزلاقاته الخطيرة التي كثيرا ما يتفاجأ بها المنحرفون أنفسهم، عندما يجدون أنفسهم وراء القضبان بسبب نزوات زائلة وغضب ما كان ليكون، وسبل للحد منها. كما نقترح استراتيجيات وبرامج للتكفل بالمنحرفين من الناحية النفسية والاجتماعية وغيرها، سواء كانوا أطرافا وشركاء فاعلين وباعثين لوضعيات الانحراف والإجرام أو كضحايا للمنحرفين والمجرمين، ثم نحاول إبراز دور مؤسسات الدولة في حماية ووقاية الشباب من الانحراف، بالتالي تشريح دور هذه المؤسسات وتقييمها. وأخيرا الخروج بتوصيات واقتراحات توجه لكل الفاعلين في المجتمع خصوصا المؤسسات الحكومية والجمعيات والأعيان لعلها تفيدهم وتنور سبيلهم في وقاية الشباب من الانحراف والتكفل المثل بالمنحرفين. ❊ يشير المختصون (مصالح الأمن، علما النفس والاجتماع) إلى أن الجرائم ازدادت في السنوات الأخيرة في مجتمعنا، فما هي أسباب ذلك حسبكم؟ — نقول إنه طرح صحيح، ونعتقد أن ازدياد وتيرة الانخراط في طريق الانحراف والإجرام من قبل كل فئات المجتمع وعلى رأسها الشباب، يعود إلى الكثير من العوامل المهيأة والأسباب المفجرة للانحراف، ولا يمكن حصرها في سبب بعينه وفي نفس الوقت لا يمكن تبسيط أو تجاهل أي سبب مهما بدا هينا للبعض، فقد يكون أساسيا في بعض الانحرافات، واختصارا لذلك يمكن القول بأن الإنسان مهيأ بدرجات متفاوتة للانحراف ويحملون بداخلهم استعدادات للعنف والشذوذ مثلا. رغم ذلك، فإن تلك العوامل الشخصية أو ربما الاقتصادية التي تتمثل في الفقر وندرة فرص العمل والسكن في البيوت القصديرية وغير ذلك من الأسباب الفردية، لا تكون بالضرورة سببا للانحراف ما لم تتوفر الأسباب المفجرة له، وعليه يمكن توجيه أصابع الاتهام -إلى أن تثبت الإدانة- للأسرة باعتبارها أقدم مؤسسة اجتماعية، وهي مازالت تشكل اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات والأمم، تليها المدرسة التي أصبحت مصدرا للكثير من السلوكات غير المقبولة التي تولد العنف والعنف المضاد، ومنه مختلف الانحرافات، ونجزم بأن وسائل الاتصال الاجتماعي ومواقعه ساهمت بشكل كبير في تأجيج الوضع وجر الكثير من الشباب إلى براثن الانحراف أمام انسحاب وتخلي الكثير من المؤسسات عن دورها الذي يفترض أن تقوم به، وغير ذلك من الأسباب التي تتراوح بين الشخصية والمحيطية. ❊ إذن يمكن الجزم بأن الأسرة مسؤول أول عن الانحراف! — بالرغم من أنني قلت آنفا بأن الأسرة متهمة، إلى أن يثبت العكس، إلا أنه لا يمكن ترتيبها في المقام الأول بالنسبة لكل الانحرافات، فالتشرد مثلا، يمكن أن نقول بأن الأسرة هي السبب الرئيسي في هذا السلوك، لكن يمكن القول بأنها حقيقة استقالت أو أقيلت أو من الأفضل أن نقول بأنها استسلمت أمام كثرة عوامل الانحراف وكثرة المتطلبات التي يتقدم بها الأبناء وانشغال الأبوين بالعمل لضمان بعض المتطلبات المعيشية، وهنا وجدت الأسرة نفسها بعيدة عن الأبناء وابتعدت عن رعايتهم والتكفل بهم عاطفيا ومعنويا، مما قد يحفز لدى هؤلاء الانزلاق وراء السلوكات غير المقبولة، فضلا عن جهل الكثير من الآباء والأمهات لأبجديات تربية الأولاد الذين تظهر لديهم الاضطرابات السلوكية، ومنها الانحرافات مبكرا. ❊ يقال بأن التكنولوجيات الحديثة لها ضلع في تنامي السلوك الإجرامي لدى الشباب، فما تعليقكم؟ — لا أحد يستطيع أن يدافع عن التكنولوجيات الحديثة، بل الكل يوجه لها الاتهام بأنها ساهمت بشكل كبير في نشر وانتشار أوسع للسلوكات الإجرامية، بما تلقنه وبكل يسر للشباب والمراهقين فنيات مختلف الانحرافات، منها على الخصوص السرقة والاعتداءات والاغتصاب وغيرها، فقد أتاحت حتى لمن لا يقرأ أن يتعلم فنون الإجرام ويتصل بالمجرمين ويحدد المواعيد ويضبط الحراسة وينفذ رغباته المنحرفة بمنأى عن أعين الشرطة والفاعلين في المجتمع، وقد أدخلت هذه التكنولوجيات أنواعا جديدة من الانحرافات لم يعرفها المجتمع الجزائري من قبل، وهي عديدة ورواد الأنترنت يعرفونها، وقد تخنث الكثير من الشباب بفعل تأثيرها. ❊ وما هي أهم الاقتراحات التي ترونها كفيلة بمعالجة هذه الظاهرة أو على الأقل الوقاية منها؟ — نحن كمدير لمخبر التطبيقات النفسية في الوسط العقابي، رفقة أعضاء المخبر، بمشاركة ديوان مؤسسات الشباب لولاية باتنة، الذي يعتبر شريكا في تنظيم الملتقى الوطني، نرى بأنه يجب اتخاذ بعض الإجراءات الحازمة خصوصا فيما يخص غربلة الأفلام الإباحية ومراقبة مواقع الأنترنت التي تحرض بطريقة ولو غير مباشرة على العنف والانحراف، إضافة إلى مراجعة قانون حماية الطفولة والمراهقة وكذا قانون الصحة بما يسمح بإيجاد آليات قانونية للتحكم في الانحرافات، ومن جانب آخر يمكن تنظيم ندوات جوارية لتوعية العائلات حول المخاطر التي تحدق بأبنائها وطرق اكتشاف انحرافهم وكيفية التكفل بهم أو التبليغ عنهم، مع تفعيل دور المؤسسات ذات العلاقة وتشجيع الجمعيات على التكثيف من العمل الجواري والاحتكاك بالشباب لوقايتهم من الانحراف أو الأخذ بأيديهم بعيدا عن مواطن الانحراف، والاعتناء بنوادي الشباب، وتنويع أنشطتها الرياضية على الخصوص، لأنها تعوض عن الانحراف، إلى جانب تشجيع الشباب على إتمام نصف الدين والزواج في الوقت المناسب، وتفعيل دور المسجد لأداء دورهم الترغيبي والترهيبي من الانحرافات، إلى غير ذلك من الاقتراحات. ❊ ألديكم كلمة أخيرة لنختم اللقاء؟ — نحن ننتظر أن يخرج الملتقى بتوصيات لا تخرج عن المحاور التي يتناولها بالدراسة والإشكالية التي يعالجها، وفي مجملها تدور حول العمل على وقاية الشباب مبكرا من الانحراف، والأهم على الإطلاق هو تكثيف العمل من أجل التكفل بالمنحرفين الضحايا منهم والمجرمون على حد سواء، لأن كل منهما يعاني بطريقته ويتفاعل مع الأسباب الإجرامية.