يصوت اليوم البرلمان على مشروع تعديل الدستور في جلسة عامة، يترأسها عبد القادر بن صالح بقصر الأمم، نادي الصنوبر، وذلك على ضوء معطيات تتجه نحو الإجماع على تبني المشروع من جهة وتمسك المعارضة بالدفاع عن قناعاتها من جهة أخرى، في سياق يعطي الانطباع عن الجو الديمقراطي الذي بات يطبع الحياة السياسية الجزائرية، بما في ذلك التجاذبات بين أحزاب الحكم وأحزاب المعارضة، لا سيما أن مشروع التعديل يعد التتويج السياسي لإصلاحات الرئيس بوتفليقة التي باشرها منذ توليه الرئاسة سنة 1999، من خلال وعوده والتزاماته الانتخابية أو من خلال ما أعلن عنه في خطابه الموجه للأمة في 15 أفريل 2011. مشروع التعديل المتضمن 74 تعديلا و38 مادة جديدة، سيخضع إلى التصويت، كما جاء كاملا دون نقاش أو تعديل (أي برمته). ويشترط للمصادقة وفقا للمادة 176 من الدستور، توفر النصاب القانوني المحدد بثلاثة أرباع أعضاء البرلمان بغرفتيه، وهو ما يعادل 455 نائبا، علما أن البرلمان يتشكل من 606 عضوا (462 نائبا بالغرفة السفلى و144 عضوا بمجلس الأمة). كما أنه من المقرر أن تظل الدورة الاستثنائية التي افتتحت أشغالها الأربعاء الماضي مفتوحة إلى غاية استنفاذ جدول أعمالها الذي وضعته اللجنة الموسعة المشتركة لغرفتي البرلمان التي يرأسها جمال ولد عباس، بصفته العضو الأكبر سنا في البرلمان والتي تم تكليفها بإعداد القانون الداخلي لهذه الدورة، فضلا عن التقرير التمهيدي الخاص بمشروع تعديل الدستور. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه تقرر لأول مرة توسيع اللجنة المشكلة من 60 برلمانيا من الغرفتين إلى كافة المجموعات البرلمانية، من خلال منح الكلمة لرؤساء الكتل البرلمانية من أجل إبداء رأيهم ومواقفهم بشأن تعديل الدستور، وهي الاقتراحات التي ستؤخذ بعين الاعتبار عند بلورة مشاريع القوانين العضوية التي ستتمخض عن مراجعة الدستور الجديد، كما أكده الوزير الأول قبل يومين. في هذا السياق، رحبت الكتل البرلمانية بمنحها الفرصة لتقديم اقتراحاتها خلال جلسة التصويت، ووصفتها باللبنة المهمة من أجل ترسيخ الديمقراطية. قبل ذلك كان اجتماع عقد يوم الاثنين الماضي بين الوزير الأول، عبد المالك سلال ورئيسي غرفتي البرلمان لبحث الترتيبات الخاصة بجلسة البرلمان المتعلقة بمشروع قانون التعديل وتحديد توقيت جلسة التصويت على هذا المشروع وفقا لما ينص عليه الدستور. تعديل الدستور يعتبر أمرا رئاسيا، يفرض عدم إخضاعه للمناقشة وتتم المصادقة عليه برمته وليس مادة بمادة، على غرار كل الأوامر الرئاسية، كما يتعلق الأمر بقانون تمر أمريته عبر البرلمان، فإما أن يحظى بالموافقة أو الرفض أو الامتناع عن التصويت، كما أن التشريع بالأوامر الرئاسية من صلاحية رئيس الجمهورية، على عكس التشريع العادي الذي يمكن أن يأتي من السلطة التنفيذية أو باقتراح مشروع قانون من قبل 20 نائبا في البرلمان. صاحبت عملية التعديل عدة محطات كانت بدايتها بعقد سلسلة مشاورات تمسك الرئيس بوتفليقة بإشراك كافة الفعاليات الوطنية فيها من أجل تقديم الاقتراحات، في سياق إضفاء النوعية على المسار الذي استغرق أكثر من أربع سنوات، وكانت المعارضة قد عبرت عن رضاها خلال الجولات الأولى لهذا المسار قبل أن تغير رأيها في آخر المطاف بسبب جملة المسائل السياسية، ليلقي ذلك بظلاله اليوم، من خلال وصفها هذا المشروع بغير التوافقي وقرر بعضها مقاطعة جلسة البرلمان اليوم أو إطالة الشك والتردد إلى غاية هذا الصباح مثلما هو الحال لحزب العمال، تعبيرا منها عن رفضها لبعض بنوده أو لأنها كانت تفضل استفتاء شعبيا من أجل انتهاز فرصة التحرك ميدانيا. موازاة لذلك، دافعت أحزاب الموالاة التي تبنت برنامج رئيس الجمهورية الإصلاحي كجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، عن مشروع تعديل الدستور رغم التباين الذي يعتري مواقفهما بخصوص بعض مواد الدستور كالمادة 51 المتعلقة بتحديد مناصب المسؤولية السامية، غير أنه تم الإجماع على أن مضمون التعديل الدستوري سيؤسس للجمهورية الثانية والدولة المدنية والفصل بين السلطات، فضلا عن الحفاظ على الهوية الوطنية، وذلك بترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية وطنية، مما يعزز التماسك الوطني، إلى جانب تعزيز الديمقراطية والحقوق والحريات الفردية والجماعية، وكذا مكانة المعارضة. بناء على المعطيات المستقاة، فإن التصويت لن يقتصر على أحزاب الموالاة التي وصفت مشروع التعديل بالشامل، إذ أكدت بعض أطراف المعارضة كالمنشقين عن حزب العمال التصويت عليه، من باب الإسراع في تجسيد الورشات التي تنتظر العديد من الوزارات وهذا طبعا في انتظار دخول الدستور حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية. من بين ما يرمي إليه مشروع تعديل الدستور، فتح الممارسة السياسية وتوسيع فضاء الحريات، بما في ذلك حرية التجمع وحرية الصحافة، إلى جانب سلسلة من التحسينات التي أدرجت على مستوى بعض المؤسسات وذلك من خلال جملة من الأحكام التي تتوزع على خمسة محاور. كما يؤكد النص بشكل واضح على مبدأ التداول على السلطة من خلال العودة إلى تحديد العهدات الرئاسية وإمكانية إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة فقط، وهو المبدأ الذي أدرج - بمقتضى التعديل - ضمن الثوابت الوطنية بحيث لا يمكن لأي تعديل دستوري أن يمس به مستقبلا. "دستوريون" ل"المساء": لا رابط بين التعديل الدستوري والتعديل الحكومي "ليس شرطا أن يقدم الوزير الأول السيد عبد المالك سلال استقالته مباشرة بعد المصادقة على الدستور..."، هذا ما تروج له عدة أوساط حزبية وسياسية من خلال وسائل إعلامية، إذ لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني يجبره على ذلك. ويبقى تجديد الثقة من عدمها في الوزير الأول من صلاحيات رئيس الجمهورية دون غيره. «دستوريون" و رجال قانون أكدوا أمس في اتصالهم ب«المساء" على أن ما يروج هنا وهناك هو مجرد أقاويل سياسية وإعلامية. أستاذ القانون الدستوري الدكتور بوزيد لزهاري والأستاذ عامر رخيلة استغربا، أمس، في تصريحين ل«المساء"خلفيات الربط بين تعديل الدستور واستقالة الحكومة؟ وأكدا أن هذه المسألة لا مستند لها دستوريا أو قانونيا. ولا شيء يلزم الوزير الأول بالإقدام على ذلك، لأن تغيير الحكومة أو تعديلها هو من صلاحيات رئيس الجمهورية. مصادر أخرى متتبعة للشأن السياسي صرحت، أمس، ل«المساء" أن احتمالات تجديد الثقة في السيد عبد المالك سلال هي الأرجح بدليل تكليفه بتمثيل رئيس الجمهورية في القمة العالمية للحكومات المتخصصة في استشراف حكومات المستقبل، والتي تنطلق غدا بدبي بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم. بعيدا عن توضيحات الدستوريين والقانونيين واحتمالات السياسيين السالفة الذكر، فإن اعتبارات أخرى تفرض نفسها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وترتبط أساسا بضمان الاستمرارية التي هي شعار رفعه رئيس الجمهورية خلال حملته الانتخابية. فرضية الاستمرار لا يجب أن يفهم منها على أن الرئيس بوتفليقة لن يقدم على تعديل جزئي للحكومة الحالية بعد المصادقة على الدستور حتى وإن كان هذا القرار لن يتم قبل نشر الدستور الجديد في الجريدة الرسمية لإعطائه الصبغة التنفيذية وعودة الوزير الأول من دبي. يعني ببساطة أن سلطة التغيير والتعديل والتوقيت علمها عند الرئيس بوتفليقة، والرئيس بوتفليقة دون سواه. إذا "تقيدنا" بنص الدستور الجديد، فإن شرط تولي الوزارة الأولى يعود إلى الأغلبية، وهو مطلب كما نعرف ظل الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، السيد عمار سعداني يضعه في مقدمة مطالبه ومرافعاته منذ أشهر. هذا يعني دعم فرضية أن يواصل السيد سلال مهامه على رأس الحكومة حتى وإن شهدت تعديلا جزئيا قد يمس بعض الوزارات ليس بسبب مردودية أصحابها ولكن قد يدرج ذلك في إطار إحداث الانسجام بين القطاعات المتكاملة في "تجميعها" سواء من باب التقشف وترشيد النفقات والحكامة، الشعار الذي ترفعه حكومة سلال في هذا الظرف الصعب الناجم عن تراجع أسعار النفط، أوضمن إستراتيجية ما بعد البترول من باب التوجه الاقتصادي الجديد القائم على المجمعات الكبرى، على سبيل المثال إدماج قطاعي الفلاحة والري، والثقافة والاتصال والصناعة والطاقة والمناجم.. إلخ. هذه الفرضيات التي أوردتها مصادر موثوقة إلى جريدة "المساء" ترجح أن تكون من الحلول الناجعة لتجاوز الوضع الحالي والتأسيس لاقتصاد ما بعد البترول، لاسيما وأن الجزائر تتجه إلى اقتصاد متفتح يرتكز على تنويع الاستثمارات والشراكة، مما يستدعي تقليص النفقات وتخصيصها للتنمية الوطنية ومصلحة الأمة. نفس المصادر استبعدت أي تغيير حكومي و رجحت تعديلا جزئيا قد تستثنى منه بعض الأسماء الحالية. غير أنه يجب التنويه بأن كل هذه الاحتمالات مرتبطة بقرارات رئيس الجمهورية الذي له الصلاحية الكاملة في إدخال التغييرات التي يراها مناسبة والتي قد تكون من باب الإبقاء على الاستمرارية من جهة أو إضفاء حركية جديدة على الأداء الحكومي من جهة أخرى.