يعكف الكوريغرافي الجزائري أحمد خميس على إنجاز عرض جديد مستلهم من قصة حب يدمج فيها بين عدّة شخصيات عالمية، مع إبراز عناصر متنوّعة من الفلكلور الشعبي الجزائري بمهنية وصرامة كبيرتين، محاولا على وقع موسيقى سليم دادا، جمع الفولكلور الجزائري في عرض معاصر ويسعى بتحد إلى إضافة سجل جديد عند راقصي البالي. وتعد هذه المغامرة بغض النظر عن العرض في حد ذاته -والذي يعتمد كثيرا على الإخراج المسرحي- تكوينا نوعيا لراقصي البالي الوطني وعودة مميزة لأحمد خميس في مستوى موهبته كراقص كوريغرافي، إذ نجح في فرض بصمته المعترف بها في وسط الرقص المعاصر في أوروبا، كما تمكّن من كسب الإعجاب فوق الخشبة وعلى المستوى الكوريغرافي. الراقص أحمد خميس المتميّز بطاقة ومد روحاني جلي حتى الحركة، يختفي وراء مظهره المتميز وتسريحة شعره المجدل وهندامه العصري الأنيق، فهو كوريغرافي صارم وعنيد من الصعب إرضاؤه، يستلهم في أعماله كثيرا من طفولته وبيئته ومحيطه العائلي ومن شخصيات عالمية وأيضا من إيماءات الحيوان ومن الرقصات القبلية، إلى جانب "الباتلس" (رقصة البريك دانس)، كما ينقل عبر أعماله الإبداعية الجمهور إلى عالم روحاني مطبوع بالموسيقى الصوفية المغاربة والمشرقية، وعلاقة الإنسان بالأرض وبيئته، فكثيرا ما يستدعي الفنان موسيقيين وممثلين وشعراء على الركح. يجسّد ابن ورقلة في عروضه المعاناة الإنسانية وقساوة البيئة الطبيعية التي ألفها أبناء الصحراء، ومن أشباح قادمة من العصور الغابرة، ويتجلى ذلك في إيماءات حركية حيوية دقيقة، ويرجع عشقه للرقص إلى أيام الطفولة عندما كان يقلّد أخاه الأكبر راقص ال«هيب هوب"وال«سمورف" بورقلة، قبل أن تنتقل عائلته إلى تونس، وهناك تابع تكوينا في هذا النوع من الرقص والتقى بفرق وراقصين ذوي خبرة، ليلتحق بعدها بالمعهد الوطني بأنجرس (فرنسا)، حيث اطلع على تاريخ الفن والسينما والمسرح واكتشف العالم الأكاديمي للرقص المعاصر، ومنحته هذه المدرسة فرصة لتقديم أوّل عمل له بعنوان "الكهوف" سنة 2003، قبل أن يؤسّس في فرنسا دائما فرقة "الجوال"، وفي عام 2009 عاد أحمد خميس إلى الجزائر لتقديم عرض خلال المهرجان الإفريقي بالعاصمة، وفي عام 2012 نجح الفنان في جلب الأنظار بعرضه ل«سفر بوسعدية" بمناسبة تنظيم المهرجان الدولي للرقص المعاصر الذي أعاد استضافته في طبعة 2015 لتقديم "سفر الغبار". واستطاع أحمد أن يفرض نفسه في الغرب ببصمة قريبة من التيار الاثني المجدّد في الرقص المعاصر، بفضل الاستلهام من الصوفية المغاربية والإفريقية في أبحاثه حول الإيمائية عند شخصيات مجهولة، مثل بوسعدية، وانغمس بعد وفاة والده في إعداد عرض "سفر الغبار" وأنجز فيه -إلى جانب الرقص- كوريغرافيا العرض، وكان هذا العمل مخاضا عسيرا استلهم من إلايماءات والإعاقة وأسفار والده، وفي نظر أحمد، لا يختار الإنسان "أن يكون كوريغرافيا، لأنّ الأمر شخصي وجد خاص يفرض نفسه في الغالب عبر الواقع المعيش، ويغرق الفنان في عالم جديد هو عالم الكتابة والإخراج والتلحين وفي عالم الإضاءة والأزياء".