شرعت روسيا أمس، في تنفيذ قرارها بسحب قواتها من الأراضي السورية في خطوة بقدر ما أعطت بريق أمل للدفع نحو الحل السياسي، بقدر ما أثارت تساؤلات حول الهدف من وراء القرار الذي جاء بالتزامن مع انطلاق ثاني جولة من محادثات السلام السورية بمدينة جنيف السويسرية. وأكدت وزارة الدفاع الروسية أنه، ووفقا لقرار الرئيس فلاديمر بوتين مساء أول أمس، فإن أول فوج من طائرات النقل "تي 154" وعلى متنها تقنيون وعتاد عسكري والحربية من نوع "سو 34"، غادرت أمس القاعدة العسكرية الجوية "حميميم" شمال غرب سوريا باتجاه روسيا. وبثت قنوات تلفزيونية روسية أمس صورا لوصول هذا الفوج الأول من الطائرات العسكرية في جو بهيج إلى قاعدة "فرونج" العسكرية جنوب غرب روسيا. وكان الرئيس الروسي، فلادمير بوتين وفي قرار مفاجئ أعلن مساء أول أمس استكمال المهمة التي أوكلت لوزارة الدفاع والقوات المسلحة في سوريا بشكل عام وأمر بعودة غالبية الوحدات العسكرية التي كانت موسكو أرسلتها إلى سوريا نهاية سبتمبر الماضي لدعم دمشق على أرض المعركة. لكن الرئيس بوتين أشار إلى أن بلاده ستحتفظ بوجود عسكري في ميناء طرطوس وفي قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية، وأمر في الوقت نفسه بتكثيف الجهود الدبلوماسية الروسية للتوصل إلى اتفاق سلام. وحظي القرار الروسي عموما بترحيب غربي رأى فيه خطوة إيجابية لخلق الأجواء المناسبة لمواصلة العملية التفاوضية بين الفرقاء السوريين تحت الإشراف الأممي. وإذا كانت باريس رحبت بحذر بالخطوة الروسية واعتبرت أنه يجب تشجيع كل ما من شأنه التخفيف من حدة التصعيد، فإن واشنطن اعتبرت أنه من الصعب الحكم في الوقت الراهن على تأثير هذا القرار على مسار المفاوضات السورية الجارية بجنيف. من جانبها، تلقت المعارضة السورية القرار الروسي بحذر وقالت إنها تنتظر التحقق من انعكاساته على أرض الواقع، مشككة فيما وصفتها "خدعة" من الكريملن. في نفس الوقت الذي رحب فيه ستافان دي ميستورا، المبعوث الأممي إلى سوريا بما اعتبرها تطورات إيجابية وأعرب عن أمله في أن يكون للقرار الروسي انعكاسات إيجابية على مسار المفاوضات. وبرأي متتبعين للملف السوري، فإن روسيا أرادات من خلال هذا القرار توجيه رسالة بأن الوقت قد حان للحل السياسي في سوريا وقرارها إنما ينضوي على هدف تهدئة العمليات العسكرية وتقليص جبهات القتال المشتعلة وتعزيز الحل السياسي. وهو طرح يبدو أقرب إلى الواقع كون القرار الروسي تزامن مع انعقاد محادثات جنيف التي تحاول القوى الدولية بذل كافة جهودها لإنجاحها، حيث أصبح الرئيس الروسي يعول أكثر على العملية السلمية لإنهاء النزاع السوري الذي دخل عامه السادس. وحتى الموقف الأمريكي يتناغم مع هذا الطرح من خلال مساعيه الرامية لتعزيز سبل الحل السياسي والحفاظ على وقف إطلاق النار المعلن في هذا البلد منذ 27 فيفري الماضي ويأمل السوريون في تثبيته بما يجعله دائما. والمفارقة أن التوافق الأمريكي الروسي الذي سمح بوقف الأعمال القتالية في سوريا، كشف أو بالأحرى أكد حقيقة أن مفاتيح حل الأزمة السورية لابد أن تمر حتما عبر العاصمتين واشنطنوموسكو ومن ورائهما العواصم الأخرى المتحالفة معهما. وهو ما جعل الأمين العام الأممي، بان كي مون يتهم هذه المرة القوى الإقليمية مثل دول الخليج وإيران بتحويل سوريا إلى "ساحة معركة" للتنافس فيما بينها.